خلق الحدث الرياضي الأبرز هذا الأسبوع، الذي تمثّل بانسحاب نادي الاتحاد السعودي لكرة القدم من مباراته أمام نادي سيباهان الإيراني، ضمن إطار دوري أبطال آسيا، من الملعب في إيران، بسبب وجود مجسّم لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، أبعاداً تتجاوز الرياضة إلى السياسة، خصوصاً أنها السنة الأولى التي تلعب فيها الفرق الإيرانية والسعودية مباريات مشتركة على أرض كلّ منهما، بعد انقطاع العلاقات بينهما، وبعدما كانت تقام في السابق على أرض محايدة.
فتح الاتفاق السياسي الأخير بين البلدين الملاعب والحدود بينهما، إلّا أن سير الأمور لا يبدو في أفضل أحواله، في السياسة كما في الرياضة؛ فحادثة الانسحاب بسبب مجسّم سليماني ليست الأولى، وكان قد سبقها منذ أشهر إشكال أدّى إلى تغيير القاعة حيث كان من المفترض أن يعقد وزيرا خارجية السعودية فيصل بن فرحان، والإيراني حسين أمير عبداللهيان مؤتمراً صحافياً، قيل أيضاً إنه بسبب صورة سليماني.
وحتى الساعة لم تظهر أيّ مؤشّرات كبيرة على الاتفاق بين البلدين على المستوى السياسي العام، ولا على القضايا الخلافية في المنطقة، خصوصاً اليمن، حيث يستمرّ الحوثيون بتنفيذ هجمات تستهدف التحالف العربي، والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، كان آخرها هجومٌ على الكتيبة البحرينية، أدّى إلى مقتل ضابط وجنديّ بحريني، وفق بيان المنامة الرسمي. ويسعى السعوديون إلى تهدئة هذه الجبهة سريعاً، بالاعتماد على مناخ "الثقة" مع إيران، وحتى على المستوى السوري، بعد التقدّم البسيط الذي حدث في القمة العربية، حيث استُقبل الرئيس السوري بشار الأسد في السعودية. لكن الأمور عادت إلى الوراء، كما حصل على مستوى الملف اللبناني، بعد أن راهن اللبنانيون على الاتفاق كنقطة انطلاق أو بداية لحلّ مشكلاتهم، ثم تبيّن بعد أشهر أن لا شيء تغيّر في الواقع.
في المقابل، يحرص الطرفان السعودي والإيراني على تلطيف الأجواء الإعلامية بينهما، والابتعاد عن الهجومات المباشرة، ومحاولة احتواء أي حدث. فبعد المباراة الأخيرة، حرص وزير الخارجية الإيراني على التخفيف من تداعيات الحدث الرياضي معلناً عن تواصله مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، بعد إلغاء المباراة.
وقال عبد اللهيان إن "العلاقات بين الرياض وطهران تسير في الاتجاه الصحيح"، مؤكّداً على "ضرورة عدم استخدام الرياضة كرافعة سياسية لدى أيّ من الجانبين"، مشيراً إلى "الاتفاق مع السعودية على إعادة المباراة في وقت لاحق"، بحسب قوله.
وفي هذا الإطار، رأى الكاتب والمحلل السعودي حسين شبكشي أن "القرار بتحسين العلاقات بين السعودية وإيران استراتيجي، والسعودية تتعامل مع كل حادثة مزعجة كحالة بـحد ذاتها. وليس غريباً المضايقات التي تحدث للفرق السعودية في إيران بمختلف أشكال المضايقات، وكان آخرها ما جرى مع نادي الاتحاد على الملعب الإيراني".
وأشار في حديث لـ"النهار" إلى أن "السعودية أخذت موقفاً صارماً بعدم خلط السياسة برموز وشعارات مع الرياضة، وهو ما تفهّمه الجانب الإيراني بعد ذلك، وعلم أن الموقف السعودي لا غبار عليه، ولا عودة عنه".
وعبّر الشبكشي عن اعتقاده بأن هذه الحادثة لن تكون سبباً لعرقلة الاتفاقيّات السياسية الجديدة، بالرغم من دلالاتها على أن السعودية ستكون "أكثر صرامة، وأقلّ تسامحاً مع كلّ موقف شبيه بهذه المسائل التي تصدر من جهات محسوبة على النظام الإيراني بأي شكل من الأشكال، والتي تخلط السياسة بالرياضة والثقافة والفن والاقتصاد".
بدوره، الباحث في معهد كارنيغي الدكتور مهند الحاج علي يرى أنه "كان من الصعب تخيّل سلاسة في كل المجالات بعد إنجاز الاتفاق الإيراني-السعودي، الذي أطلق عملية مصالحة في مجالات مختلفة، وهي لا بدّ لها من أن تأخذ وقتاً".
ويقول لـ"النهار" أن "إشكال المباراة الرياضية قد يجد طريقه إلى الحل، لكنه يُؤشر أيضاً إلى حساسيات وصراع عرّف جوانب كثيرة من العلاقة بين البلدين. ولا بدّ من أن يكون نجاح هذا الاتفاق على المدى البعيد متصّلاً بوجود إرادة سياسية قوية خلفه، وهذه الإرادة من الصعب الحفاظ عليها في ظلّ المفاوضات السعودية-الإسرائيلية، واحتمالات عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض عام ٢٠٢٥".
وفي رأيه، "هناك مطبات كثيرة أمام مسار العلاقات، وما هذه الحادثة إلا واحدة منها".