يستلقي المسن الفلسطيني محمود السرساوي موصولا بأنبوب أوكسيجين، على منضدة خشبية داخل مدرسة في غرب غزة لجأ إليها مع أفراد عائلته هربا من الغارات الإسرائيلية التي تطال القطاع ضمن أحدث جولة تصعيد مع حركة حماس.
ويقول السرساوي (68 عاما) الذي أحاط به عدد من أحفاده داخل المدرسة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، إنه فرّ من منزله في حي الشجاعية في شمال القطاع مع أبنائه الخمسة وزوجاتهم وأطفالهم.
ويضيف لوكالة فرانس برس "نحن نحو سبعين شخصا في البيت جئنا جميعا الى هنا هربا من القصف الإسرائيلي".
ويتابع "الوضع كان مخيفا وليس أمامنا سوى مدارس الوكالة للاختباء"، مبديا خشيته من نفاد المخزون في قارورة الأوكسيجين.
وعائلة السرساوي هي عينة من آلاف اضطروا لترك منازلهم بعد اندلاع أحدث جولات العنف بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على القطاع منذ أعوام، واسرائيل التي تحاصره منذ أكثر من 15 عاما.
وشنّت الحركة صباح السبت هجوما مباغتا على الدولة العبرية، تخلله إطلاق صواريخ وعمليات توغل وأسر. وردت إسرائيل بشنّ غارات مكثفة على القطاع. وأودى التصعيد بنحو ألف شخص من الجانبين، وفق أرقام رسمية الأحد.
وفي المدرسة، جلست نساء عائلة السرساوي على فرش اسفنج أحضرنها من منزلهن، والى جانبهن غاز للطهو وكميات من المعلبات الغذائية وملابس مكدسة في أكياس.
وبدا وجه زوجه ابنه أمل (37 عاما) شاحبا بعدما أمضت الليل مستيقظة في ظل الغارات الجوية الإسرائيلية وصراخ أطفالها المذعورين من القصف.
وتقول وهي تدلّ على أطفالها الخمسة "فوجئنا صباح السبت بدوي الصواريخ والقصف الاسرائيلي... جمعت ما يلزمنا من المنزل وهرعنا نحو المدرسة".
وتشكو السرساوي انعدام "المياه الصالحة للشرب، حتى دخول الحمام يعتبر معاناة هنا، الوضع لا يحتمل نفسيا ومعيشيا".
- 20 ألف نازح -
يعيش في قطاع غزة نحو 2,3 مليوني نسمة في فقر مدقع ونسبة بطالة ترتفع في صفوف الشباب.
وخاضت إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في القطاع حروبا عدة منذ العام 2008 خلفت آلاف القتلى والجرحى.
وفتحت وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، 44 مدرسة على الأقل لاستقبال الفارين من القصف. وحتى الأحد، كان عدد النازحين في المدارس قد تجاوز 20 ألف شخص، بحسب مسؤول في المنظمة.
وقال أحد العاملين في الوكالة مفضّلا عدم كشف هويته إن مدرسة ذكور غزة الجديدة بغرب القطاع حيث عائلة السرساوي، تستضيف 300 شخص على الأقل.
وتقيم في كل صف ثلاث عائلات على الأقل جاء معظم أفرادها من شرق مدينة غزة وشمال القطاع. وتنشر النسوة على النوافذ ملابس الأطفال الذين شغلوا أنفسهم بركل كرة قدم بالية في ملعب المدرسة.
داخل المبنى، جلست أم هاني الغولة التي لجأت إلى المدرسة مع 14 من أفراد أسرتها. ووضعت المرأة التي فرّت من شمال القطاع، يدها على خدها، وأجهشت بالبكاء خلال حديثها في غرفة خلت الا من بعض أكياس الملابس.
وتقول لفرانس برس "إثنان من أحفادي لا يزالان من الرضع، ناما جائعين لأننا لا نملك ثمن الحليب لهما".
وتضيف بحسرة "لم نأكل شيئا منذ صباح الأمس، بالكاد هربنا من المنزل مع بعض الملابس، لم نتمكن من إحضار شيء".
- خبز لعشرين شخصا -
وأدت الغارات الجوية الى دمار جديد في القطاع المكتظ بالسكان.
وفي مؤتمر صحافي الأحد، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف إن "الاحتلال خلّف حتى منتصف الليلة الماضية دمارا كليا في 13 برجا وعمارة سكنية بإجمالي 159 وحدة هدمت بشكل كلي فيما تضررت بشكل جزئي 1210 وحدة سكنية".
وفي الساعات الأولى من صباح الأحد، نشر الجيش الإسرائيلي بيانا تحذيريا لسكان القطاع، أمرهم فيه بمغادرة منازلهم على طول شرق غزة وشماله.
وأتى ذلك بعد ساعات من دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سكان القطاع الى تركه في ظل استعداد جيشه لتحويل مخابئ الحركة "ركاما".
وأثار الإعلان الإسرائيلي ذعر السكان، ودفع بعضهم الى تمضية الليلة خارج المباني السكنية.
ومن هؤلاء، ليلى صقر التي تسكن في حي المقوسي بغرب مدينة غزة، والذي أتى بيان الجيش الإسرائيلي على ذكره. وتؤكد أنها أمضت الليل مع أطفالها الثلاثة وسكان عند مدخل المبنى حيث يقطنون، ولجأت مع بزوغ الفجر لمنزل صديقتها في حي النصر وسط القطاع.
وتقول "أطفالي خائفون، صرخوا طيلة الليل".
وانعكس التصعيد الجديد على الحياة اليومية لسكان القطاع، اذ اصطف مئات منهم أمام الأفران للحصول على الخبز على وقع دوي الغارات الجوية المتواصلة.
ومن هؤلاء، رجل حمل خمس ربطات من الخبز. ويوضح أنه يستضيف في بيته "أكثر من عشرين شخصا من الأقارب والأصدقاء".