النهار

أوقفوا قتل النساء في بلادنا
جرائم قتل النساء في أكثر من دولة عربيّة.
A+   A-
قد يكون تعبير "كابوس" ركيكاً بالنسبة إلى وصف ما شهدناه الأسبوع الماضي من أعنف جرائم قتل نساء في أكثر من دولة عربية. نيّرة أشرف في مصر، وإيمان أرشيد في الأردن، طالبتان جامعيّتان لم تتخيّلا يوماً أن يكون مصيرهما القتل الوحشيّ. أمّا المهندسة الفلسطينيّة لبنى منصور المقيمة في الإمارات، فقد عانت من العنف على يد زوجها منذ فترة طويلة، ورفعت دعوى ضدّ الجاني لتعنيفها المستمرّ . إلّا أنّ وحشيّة القتل من خلال أكثر من عشر طعنات وتمزيق الجسد يضعاننا أمام وحش، لا أمام زوج من المفترض أن يكون شريك حياة وسنداً. وبحسب الشرطة الفلسطينيّة لا شبهات جنائيّة حول وفاة الطالبة رنين سلعوس في مدينة نابلس، والتحقيقات مستمرّة. ورغم ذلك، لا يزال الهمس حول القضية وربطها بالعنف الأسريّ سارياً. 
 
واليوم أضيفت المذيعة المصرية شيماء جمال إلى قائمة الضحايا، وسط شكوك وشبهات تحوم حول تورّط زوجها القاضي! 

لطالما شغل موضوع العنف ضدّ النساء الرأي العام في بلاد العرب ربطاً بالعنف الاجتماعي المتمادي. نسمع بين فترة وأخرى عن جريمة هنا وأخرى هناك، يتحرّك الناشطون على "تويتر" ومنصّات التواصل لأيّام ويُطمس الموضوع. 

من الناحية القانونيّة، وفي أحيان كثيرة يحاكم الجُناة على جريمة قتل النساء مع النظر الى معطى مصطلح "جرائم الشرف"، الذي يُلجأ إليه في العديد من الجرائم المرتكبة بحقّ النساء للتخفيف من عقوبتها. 
 
عام 2011، ألغى لبنان المادّة 562 من قانون العقوبات التي تنصّ على تخفيف العقوبة إن كانت الجريمة "جريمة شرف"، لكن في بلدان أخرى كالأردن ومصر، لا يزال مفعول موادّ قانونيّة مشابهة سارياً. 
 
 
نيّرة أشرف: التهديدات المستمرّة تحوّلت فعلاً
 
شهدت مدينة المنصورة في مصر، الاثنين الماضي، جريمة ضحيّتها ابنة الواحد والعشرين ربيعاً، نيّرة أشرف، على يد طالب في كليّة الآداب بجامعة المنصورة محمد عادل. وقعت الجريمة أمام المارّة حيث عمد الجاني إلى طعن نيّرة قبل أن يتمكّن الأهالي من الإمساك به. بعض ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي كانت أقسى من الجريمة نفسها، فمنهم من ألقى اللوم على عدم قبول نيّرة الزواج بالجاني الذي تقدّم لها أكثر من مرّة!
 
 
ومنهم من تساءل عن سبب وجود نيّرة في الجامعة في يوم لا امتحانات فيه، ووصلت الأمور بالبعض حتّى التحدّث عن مظهر نيّرة الخارجيّ وعدم ارتدائها الحجاب! لكن هذه الشوائب لم تحجب طوفان التعاطف مع ضحايا العنف. 
 
عقدت الأحد أولى جلسات محاكمة قاتل نيّرة أشرف بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد. وكانت النيابة العامة قد استمعت إلى عشرين شاهداً، منهم والدا نيّرة وشقيقها، الذين أكّدوا – إضافة إلى أحد الطلاب في الجامعة – أنّ المتّهم تعرّض للمجنيّ عليها مرّات عدّة إثر فشل علاقتهما ورفضها الزواج به. واليوم صدر الحكم، حيث قضت محكمة المنصورة بإعدام قاتل نيّرة. 
 
 
قاتل إيمان أرشيد مات "منتحراً"
أعلن الأمن العام الأردنيّ عن محاصرة قاتل إيمان أرشيد في جامعة العلوم التطبيقية بالأردن، لكنّه سرعان ما أطلق النار على نفسه وتُوفّي على الفور. يأخذنا هذا المشهد إلى بداياته. حصل ذلك ضمن سلسلة الاعتداءات على النساء في الدول العربية وقتلهنّ، حيث كانت إيمان أرشيد ضحيّة من الضحايا الأخيرات. "بكرة رح إجي إحكي معك وإذا ما قبلتي رح أقتلك مثل ما المصري قتل البنت اليوم". هذا جزء من الترهيب الإلكتروني الذي استخدمه قاتل الشابة إيمان أرشيد معها قبل قتلها. 
 
 
ففي سياق مشابه لطريقة قتل نيّرة في مصر، أطلق أحد الشبّان ستّ رصاصات على طالبة التمريض إيمان أرشيد في إحدى الجامعات الخاصّة بالأردن ولاذ بالفرار فوراً. هزّ هذا الخبر الرأي العام خصوصاً في وقتٍ أصبحت فيه مشاهد الدماء وأنباء القتل "عاديّة" وتلحقها بيانات تنعى المعتدى عليهنّ.
 
وتصدّر هاشتاغ "#قاتلإعدامالتطبيقية" الترند على مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الدول العربية، حيث طالب ناشطون باتّخاذ أقسى الإجراءات بحقّ القاتلين، وحماية النساء ونشر الوعي حول حقوقهنّ. "أريد مطابقة الجثة مع كاميرات الجامعة والتأكّد من أنّ القتيل هو نفسه الذي قتل ابنتي"، هذا ما قالته والدة المغدورة أرشيد بعد انتحار القاتل. فيما نشر نور أرشيد شقيق الضحيّة صورة جثّة القتيل على "فايسبوك" معلّقاً: "الدم بالدم".
 
لبنى منصور تُقتل على يد زوجها بأكثر من عشر طعنات
 
بوحشيّة ودم بارد، قُتلت المهندسة الفلسطينيّة لبنى منصور المقيمة في الإمارات على يد زوجها بأكثر من عشر طعنات مزّق بها جسدها. تضاف جريمة قتل منصور إلى مسلسل قتل النساء "بدم بارد" في مختلف البلاد العربيّة في مدّةٍ لا تتعدّى الأسبوع. يقدّر أنّ منصور في العقد الثالث من عمرها، من مواليد الأردن ومن أصول فلسطينيّة حاصلة على بكالوريوس هندسة تكنولوجيا ومتزوّجة بأردنيّ.
 
 
أكّدت شقيقة المغدورة عبر حسابها الرسمي على تويتر أنّ سبب مقتل أختها يعود إلى الخلاف مع زوجها، وأنّها رفعت دعوى ضدّ الجاني بسبب تعنيفه المستمرّ لها. ألقت هيئة شرطة الشارقة القبض على الجاني بعد محاولته الهروب متخفّياً على شاطئ الشارقة، ومن خلال الملاحقة وجدت سيّارة منصور مركونة وداخلها الجثّة.
 
 
الإعلاميّة المصريّة شيماء جمال تلتحق بضحايا هذا الأسبوع على يدّ زوجها القاضي
 
لم يكتفِ العالم العربي بثلاث جرائم قتل مثبتة في أسبوع، ورابعة تلاحقها شبهاتٍ كثيرة، بل انضمّ القاضي في مجلس الدولة المصريّة أيمن حجّاج إلى لائحة القتلة بعدما أنهى حياة زوجته الإعلامية شيماء جمال. بحسب البيان الذي نشرته النيابة العامّة المصريّة، لم يعثر حتى الآن على القاتل ويرجّح أنّه غادر مصر، كما أفادت عائلة شيماء.
تداولت وسائل إعلام مصريّة أنّ حجّاج قتل شيماء بسبب خلاف نشأ بينهما، بعدما هدّدته بإخبار زوجته الأولى عن زواجهما السرّيّ، فاستدرجها إلى المزرعة حيث قتلها ودفن جثّتها. توفّيت الإعلاميّة المصريّة بعد تلقّيها ثلاث ضربات على رأسها وإقدام الحجّاج على خنقها بواسطة شال كانت ترتديه، وقام بتشويه وجهها بحمض النيتريك لإخفاء ملامحها، بحسب شهادة سائق الحجّاج أمام النيابة العامّة الذي شهد ضدّه. 
 

"البيئة الذكوريّة والاضطراب السلوكيّ"
ترى الصحافيّة النسويّة ورئيسة تحرير موقع "شريكة ولكن" حياة مرشاد أنّ السبب الأساسيّ لاستمرار جرائم العنف ضدّ النساء يعود الى الثقافة الذكوريّة التي تميّز الرجال عن النساء. وترى أنّ الثقافة الذكوريّة لا ترتبط بالتربية فقط، بل تشمل كلّ المنظومة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والقانونيّة وغيرها. 
وتضيف مرشاد: "عدم التشدّد في العقوبات من الأسباب الجوهريّة أيضاً لاستمرار هذه الظاهرة، نلاحظ أنّ الجُناة لا يعاقبون بكثير من الأحيان، وإن عوقبوا تكون العقوبات مخفّضة وسط أعذار. في لبنان الوضع لا يقلّ سوءاً، الأمثلة كثيرة والتركيبة الحزبيّة والقضائيّة تحمل مسؤوليّة كبيرة".
وعن الحلول الممكنة للتخفيف من تنامي هذه الظاهرة المقلقة تعلّق مرشاد: "إلى جانب التشدّد في تطبيق العقوبات، يجب خلق ثقافة حاضنة وداعمة للنساء من خلال التبليغ عن الارتكابات. للتربية دور أساسيّ أيضاً، إلى جانب الإعلام الذي في العديد من الأحيان يعالج هذه القضايا بنمطيّة كبيرة". 
من جهته، أشار استشاريّ الطبّ النفسيّ المصريّ الدكتور جمال فرويز في حديث لـ"النهار" إلى أنّ "الاضطراب في الشخصيّة هو السبب الأوّل والأخير خلف ما يرتكبه الجُناة". واعتبر أنّ "الاضطرابات الشخصيّة أخطر من الأمراض في الكثير من الحالات، ويعود ذلك إلى سوء التربية في الدرجة الأولى وإلى المؤثّرات الوراثيّة وسوء التعامل بين الأهل والأطفال في أحيان كثيرة".
ويردف فرويز: "سوء التربية سببه انعدام التواصل مع الأطفال أو المشاكل بين الوالدين والطلاق. العديد من الأطفال ينظرون إلى الأمّ كعاملة منزليّة وإلى الأب كمصدر للمال. والأمر من الأسباب لاضطرابات الشخصيّة". يتحمّل الأهل المسؤولية في دعم الشباب النفسيّ، إلى جانب المراكز التعليميّة والثقافيّة والدينيّة والإعلام، "فلندعم شبابنا نفسيّاً"، يختم فرويز. 
تفاعل الناشطين الكبير على مواقع التواصل الاجتماعيّ، قد يكون دليلاً على الوعي إزاء هذه الظاهرة المقلقة تجاه حقوق الإنسان عامّةً لا حقوق النساء فقط. وتبقى المسؤوليّة الكبرى على كاهل السلطات الرسميّة، فالبلاد التي تُقتل فيها النساء بهذا الدم البارد ستبقى حتماً متخلّفة الى أبد الآبدين.

اقرأ في النهار Premium