لم تفض الجهود الدبلوماسية إلى ترتيب لوقف إطلاق النار يسمح بوصول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر اليوم الاثنين، وأمرت إسرائيل بإخلاء قرى في قطاع من الأراضي بالقرب من حدودها مع لبنان مما أثار المخاوف من احتمال فتح جبهة جديدة في الحرب.
وتوعدت إسرائيل بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تحكم غزة بعد أن عبر مقاتلوها السياج المحيط بالقطاع في السابع من أكتوبر تشرين الأول الجاري وقتلوا 1300 إسرائيلي، معظمهم من المدنيين، في أدمى يوم في تاريخ إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين تُخضع إسرائيل قطاع غزة، الذي يقطنه 2.3 مليون فلسطيني، لحصار كامل وتقصفه بضربات جوية لم يسبق لها مثيل في الشدة والكثافة، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تشن هجوما بريا.
وقال مكتب حماس الإعلامي إن عدد الفلسطينيين الذين قضوا جراء الهجمات الإسرائيلية على القطاع ارتفع إلى 2808 فلسطينيين فيما بلغ عدد المصابين 10850. وتقول سلطات غزة إن معظم القتلى من المدنيين.
ووفقا للأمم المتحدة، اضطر بالفعل نحو مليون شخص لمغادرة منازلهم في غزة حيث انقطعت الكهرباء وصارت المياه الصالحة للشرب شحيحة ومن المتوقع في غضون يوم واحد نفاد الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء المستخدمة للطوارئ.
وقال سكان إن الضربات الجوية الليلة الماضية كانت الأعنف حتى الآن وإن القصف استمر طوال اليوم.
وقال عابد ربايعة إن منزل جاره في خان يونس، وهي المدينة الرئيسية في جنوب القطاع، تعرض للقصف الليلة الماضية. وأضاف أنه شاهد من داخل منزله جثث أطفال تتطاير في الهواء دون أي ذنب اقترفوه.
وفي أكبر علامة حتى الآن على أن الحرب قد تمتد إلى جبهة جديدة، أمرت إسرائيل اليوم الاثنين بإخلاء سكان 28 قرية في نطاق كيلومترين من الحدود اللبنانية لمنازلهم. وقالت جماعة حزب الله اللبنانية إنها استهدفت خمسة مواقع إسرائيلية.
وفي خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكنيست، قال إن على الإسرائيليين الاستعداد لمعركة طويلة، ووجه تحذيرا إلى طهران وحزب الله أشار خلاله إلى حرب عام 2006 التي أدت إلى نزوح مليون لبناني.
وقال "نحن الآن نركز على هدف واحد: توحيد القوى والمضي قدما نحو النصر. وهذا يتطلب العزم لأن النصر سيستغرق وقتا".
وأضاف "لدي رسالة لإيران وحزب الله، لا تختبرونا في الشمال. لا ترتكبوا الخطأ نفسه الذي ارتكبتموه من قبل. لأن الثمن الذي ستدفعونه اليوم سيكون أفدح".
لم تنجح الغارات المستمرة منذ عشرة أيام في الحد من قدرة حماس على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، حيث دوت صفارات الإنذار وقالت حماس إنها أطلقت "رشقة صاروخية" على القدس وتل أبيب.
وتركزت الجهود الدبلوماسية على إدخال المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح مع مصر، وهو طريق الخروج الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل.
وقالت مصر إن إسرائيل لا تتعاون مما أدى إلى تعليق مئات الأطنان من الإمدادات.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري للصحفيين إن هناك حاجة ملحة لتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة، مضيفا أن المحادثات مع إسرائيل بخصوص فتح معبر رفح أمام المساعدات لم تثمر حتى الآن.
وتركز واشنطن أيضا على فتح المعبر لفترة وجيزة للسماح لبضع مئات من سكان غزة الذين يحملون جوازات سفر أمريكية بالمغادرة. وقال شكري إن مصر يمكن أن تسمح بعمليات إجلاء طبي وتسمح لبعض سكان غزة بالسفر بإذن.
لم تصدر أي تصريحات عن قبول مصر لتدفق جماعي للاجئين، مما يعني أن من غير المرجح أن يُعرض على الغالبية العظمى من سكان غزة طريق للخروج. وتقول مصر ودول عربية أخرى إن النزوح الجماعي غير مقبول لأنه سيكون طردا للفلسطينيين من أراضيهم.
ووصف أولئك الذين يحاولون الوصول إلى المعبر من داخل غزة الطريق بأنه محفوف بالمخاطر ويتعرض للهجوم.
وقالت هديل أبو داوود، وهي إحدى المقيمات بالقرب من المعبر، إن شارع رفح في الطريق إلى المعبر تعرض للقصف وإنه لا يوجد مكان آمن في غزة.
وقال عابد صقر، وهو موظف بالحماية المدنية، لرويترز إن هناك ما لا يقل عن ألف جثة تحت الأنقاض في المواقع التي تعرضت للقصف بأنحاء القطاع.
وقال محمد أبو سليمة، مدير أكبر مستشفى في قطاع غزة، إنه يجب إرسال المصابين بجروح خطيرة إلى مستشفيات خارج غزة وإلا فلن يكون هناك مجال لعلاج المزيد من الجرحى.
وتقول القاهرة إن معبر رفح ليس مغلقا رسميا لكنه غير صالح للعمل بسبب الضربات الإسرائيلية على جانب غزة.
وقال جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض إن المسؤولين الأمريكيين كانوا يأملون في فتح معبر رفح لبضع ساعات في وقت لاحق اليوم، غير أن الآمال تبددت.
وقال مصدران أمنيان مصريان لرويترز في وقت سابق اليوم إنه تم الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار في جنوب غزة لعدة ساعات من أجل تيسير وصول المساعدات وعمليات الإجلاء في رفح.
لكن التلفزيون المصري نقل عن مصدر رفيع المستوى، لم يذكره بالاسم، قوله إنه لم يتم الاتفاق على هدنة. كما نفت إسرائيل وحماس التقارير عن التوصل إلى اتفاق لفتح المعبر.
وأكّد الجيش الإسرائيلي: "دويّ صفارات الإنذار في تل أبيب والقدس"، بينما كان البرلمان الإسرائيلي في جلسة خاصة في مستهل الدورة الشتوية وتم وقفها إثر دوي الصفارات.
- إجلاء على الحدود مع لبنان -
كذلك، أعلنت إسرائيل الإثنين إجلاء سكان على طول حدودها الشمالية مع لبنان، بعد إغلاق المنطقة إثر تصاعد التوتر خلال الأيام الماضية خصوصاً مع "حزب الله" في ظلّ الحرب مع "حماس".
وعلى مدى الأيام الماضية، سجّلت توتّرات عبر الحدود مع لبنان، أبرزها تبادل قصف بين إسرائيل و"حزب الله". وقُتل مدني وجندي إسرائيليّين الأحد في هجمات صاروخيّة من لبنان، فيما نفّذ الجيش ضربات انتقامية وهاجم مواقع للحزب.
والأحد، قُتل مدني إسرائيلي وأُصيب عدد آخر في شتولا في شمال إسرائيل، بهجوم صاروخي نفّذه "حزب الله". وردّ الجيش الإسرائيلي بضرب بنى تحتيّة عسكرية للحزب، كما أُصيب مقرّ قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة في جنوب لبنان بصاروخ.
وفي ظلّ القصف الإسرائيلي ودعوات الجيش لإخلاء شمال غزة، نزح أكثر من مليون شخص خلال أسبوع في القطاع المحاصر الذي تبلغ مساحتها 362 كيلومتراً مربّعاً ويقطنه 2,4 مليون شخص.
ويفرّ الفلسطينيّون بمجموعات حاملين بعض الأمتعة التي حزموها على عجل نحو الجنوب منذ أيام.
وقالت منى عبد الحميد (55 عاماً) التي وصلت إلى رفح على الحدود المصريّة: "ليس هناك كهرباء ولا مياه ولا إنترنت. أشعر كأنّني أفقد إنسانيّتي".
وأكّد الجيش الإسرائيلي أنّه ينتظر "القرار السياسي" فيما يستعدّ "لخطوة مقبلة" ضدّ "حماس" في أعقاب هجومها الذي يعدّ الأعنف يطال إسرائيل منذ إنشائها في العام 1948.
ومنذ أكثر من أسبوع يقوم الجيش بقصف جوّي ومدفعي مكثّف على غزة، بعدما شدّد الحصار على القطاع عبر قطع المياه والكهرباء وإمدادات الغذاء.
وأكّد الجيش الإسرائيلي الإثنين أنّ عدد الرّهائن الذين احتجزتهم "حماس" خلا عمليّتها ونقلتهم إلى قطاع غزة يصل إلى 199 شخصاً، وذلك في حصيلة جديدة بعد عشرة أيام من الهجوم.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري في مؤتمر صحافي "قمنا بإخطار عائلات 199 رهينة".
- "كارثة إنسانية" -
وتثير الاستعدادات الإسرائيلية قلقاً كبيراً لدى المجتمع الدولي. وفي القاهرة، أكّد بلينكن أنّ حلفاء بلاده العرب "متمسّكون بألّا يتّسع نطاق النّزاع مع إسرائيل".
بدوره، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن من أنّ إعادة احتلال قطاع غزة ستكون "خطأ فادحاً". احتلت إسرائيل قطاع غزة منذ حرب 1967 حتى العام 2005.
كذلك، حضّت الولايات المتحدة إيران، حليفة حماس و"حزب الله"، على عدم توسيع رقعة الصراع.
وحذّرت ألمانيا إيران الاثنين من تأجيج الصّراع بين إسرائيل و"حماس" بعدما التقى وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بمسؤولين من الحركة.
ويجتمع مجلس الأمن الدّولي الاثنين لبحث الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس"، فيما دعت روسيا إلى "الوقف الفوري لإطلاق النار".
كذلك، أفادت وكالات أنباء خليجيّة رسميّة الاثنين أنّ مصر ستستضيف السبت قمّة دولية لبحث "تطورات القضية الفلسطينية"، وقد تلقّى أمراء خليجيّون دعوات للمشاركة تضمّنت موعد الانعقاد.
وحضّ الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من بغداد على "وقف العمليات العسكرية فوراً" في غزة وفتح "ممرّات آمنة" للسكان.
من جهتها، قالت وكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى (أونروا) إنّ "كارثة إنسانية غير مسبوقة" جارية في قطاع غزة.
وقال المدير العام للأونروا فيليب لازاريني: "لم يُسمح بدخول قطرة ماء ولا حبّة قمح ولا ليتر من الوقود إلى غزة في الأيام الثمانية الماضية".
بدوره، حذّر المدير الإقليمي لـ"منظّمة الصحّة العالمية" لمنطقة شرق المتوسّط أحمد المنظري من تحول نقص المياه والكهرباء والوقود بقطاع غزة المحاصر إلى "كارثة حقيقية" خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة.
وأعربت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية لين هاستينغز عن أسفها لأنّ إسرائيل "تربط المساعدات الإنسانية لغزة بإطلاق سراح الرهائن".
وأضافت "قالت إسرائيل إنّها تُريد تدمير "حماس"، لكن نهجهم الحالي سيدمّر غزة".
وأعادت إسرائيل الأحد ضخّ المياه إلى بعض المناطق في جنوب القطاع.
ورغم ذلك، يبقى الوضع صعباً جدّاً بالنسبة إلى آلاف النازحين. وقال عاصم أحد سكان خان يونس الذي لم يرغب في إعطاء اسمه الكامل: "نفكّر كل يوم كيف نوفّر الماء. لو استحمينا لن نشرب".
- منع وصول المساعدة الإنسانية -
وقال علاء الهمص وهو يُشير إلى آثار القصف في حي بمدينة رفح "انظر إلى الدّمار الهائل. يدّعون أن هناك إرهاباً هنا. أين الإنسانيّة التي يتحدّثون عنها وحقوق الإنسان؟ الجميع مدنيّون هنا لا علاقة لهم بأي تنظيم، لكنهم ماتوا لم يبقَ أحد على قيد الحياة".
من جهته، أعلن وكيل الأمين العام للأمم المتّحدة للشؤون الإنسانيّة مارتن غريفيث أنّه سيتوجّه إلى الشرق الأوسط الثلثاء للمشاركة في المفاوضات حول إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
في الأثناء، تستمر المساعدات الإنسانية ببلوغ الجانب المصري من معبر رفح الحدودي، وهو الممر الوحيد للقطاع الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، ولكن لم يتح بعد عبورها باتجاه غزة.
وأعلن وليام شومبوغ، وهو مسؤول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه "أنشئ مخيم مرتجل" عند هذا المعبر.
وأفاد شهود في الجانب المصري بأنّ قوافل المساعدات لم تغادر الإثنين مدينة العريش الواقعة على مسافة نحو أربعين كيلومتراً شرق رفح.
وعلى الجانب الآخر من حدود غزة، ينتقل الإسرائيليّون إلى مناطق أكثر أماناً.
وقالت هيلين أفتيكير (50 عاماً) "الأمر صعب نرتعب مع كلّ صافرة إنذار، علينا المغادرة، فهذا أفضل للأطفال".
كذلك، غادرت الإثنين سفينة تحمل رعايا أميركيّين من ميناء حيفا في إسرائيل نحو قبرص وفق ما أكد صحافيّون في وكالة فرانس برس.