في ساحة المستشفى الأهلي العربي في وسط غزة، يعمل سامر ترزي وأحمد طافش مع عشرات من الفلسطينيين منذ صباح الأربعاء على جمع أشلاء القتلى المتناثرة بعد القصف الذي استهدفه أمس وتسبب بمقتل 471 شخصا، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وضع سامر (50 عاما) قفازات وحمل كيسًا بلاستيكيًا أسود اللون جمع فيه يدًا وجدها تحت شجرة، ويشير الى بقايا أرز وبعض قطع الدجاج المسلوق التي اختلطت بالدم، قبل أن يقول "كانوا هنا يأكلون. كلهم ماتوا، مجزرة".
ويضيف لوكالة فرانس برس "ما عسانا نفعل؟ نجمع الأشلاء وقطع اللحم المتفحمة. وجدنا قطعا من رأس شهيد، وأجزاء من أيدي وأرجل وبقايا أمعاء... مشهد لا يُطاق".
وسقط المئات من القتلى والجرحى في قصف استهدف مساء الثلثاء المستشفى، اتهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم قطاع غزة إسرائيل به، بينما نسب الجيش الإسرائيلي الضربة إلى صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي وضل طريقه. وقد نفى الجهاد ذلك.
وجاء ذلك بعد أحد عشر يوما على إطلاق حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل قتل فيه حتى اليوم 1400 شخص. وترد إسرائيل بقصف عنيف ومكثف للقطاع أوقع، بحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة للحركة، 3478 قتيلا. ولا يعرف إذا كانت الحصيلة تشمل قتلى المستشفى.
وبسبب القصف وإنذار إسرائيلي منذ الجمعة طلب من سكان القطاع المحاصر إخلاء مدينة غزة، والتوجه جنوبا، تمهيدا لعملية برية إسرائيلية على الأرجح، لجأ آلاف الفلسطينيين الى المستشفيات في كل أنحاء القطاع ومدارس الأونروا أملا منهم أنها ستبقى في منأى عن القصف. وبالتالي، فإن بين قتلى المستشفى العديد من النازحين اللذين افترشوا اروقة المستشفى وحدائقه.
وأثار القصف سلسلة إدانات دولية وتظاهرات في شوارع الضفة الغربية وطهران وعمَّان واسطنبول وتونس وبيروت وغيرها.
ولا تزال سحب الدخان تتصاعد في الموقع، وكذلك صرخات الألم والبكاء من اشخاص يبحثون عن أقاربهم أو ما تبقى منهم.
ودانت الكنيسة الأسقفية في القدس التي تدير المستشفى الأهلي العربي الذي يُعرف كذلك باسم المستشفى المعمداني، الهجوم "الوحشي" الذي وقع "أثناء غارات إسرائيلية" ووصفته بأنه "جريمة ضد الإنسانية".
وبدا المشي صعبا في حديقة المستشفى حيث اختلطت الرمال بالدماء والأشلاء.
- "جهنم" -
ويقول أحمد طافش "هذه مجزرة. لم أر مثلها في حياتي. كل الساحة شهداء وأشلاء وقطع. قمنا بجمع أعين ورؤوس وأيدي وأرجل".
ويضيف "انتشلت من تحت الشجرة المحاذية لمبنى الإدارة امرأة شابة كان بجانبها طفل وطفلتان تفحّمت أجزاء من أجسادهم".
ويشير إلى جثتين تحت أنقاض مكتبة تبعد نحو خمسين مترا من البوابة الرئيسية للمستشفى.
وتقول الناجية فاطمة سعيد وهي تبكي وترتجف مستذكرة لحظة القصف "شعرنا بلهب من النار وراحت الأشياء تتساقط علينا... بعدها بدأنا ننادي بحثًا عن بعضنا وفجأة انقطعت الكهرباء... لساني عاجز عن وصف ما حدث. لا أعرف كيف خرجنا".
ويروي عدنان الناقة البالغ من العمر 37 عاما "كنت هنا عندما وقعت المجزرة. خرجت لأشتري بعض الطعام للأولاد وأخذتهم معي. ما إن دخلت المستشفى حتى سمعت صوت انفجار".
ويتابع "شاهدت كتلة نار هائلة، كل الساحة اشتعلت بالنار، ورأيت الجثث تتطاير في كل مكان، أطفال ونساء وكبار في السن، لا استطيع أن أصدق أنني ما زلت على قيد الحياة مع أولادي الخمسة... لكن ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟".
ويقول الناقة "نزح نحو ألفي شخص من أحياء الزيتون والشجاعية والدرج في غزة واختبأوا هنا. كنت أظن أن كون إدارة المستشفى تتولاها بعثة مسيحية، فلن يكون هدفًا... لكن المأوى تحوّل إلى جهنم".
- لا مكان للجثث -
في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، جاء كثيرون إلى ثلاجة الموتى علهم يجدون جثث أقربائهم أو يتعرفون عليها من أجل دفنها.
لم تعد الثلاجات تتسع ووضعت عشرات الجثث على الأرض، بعضها ملفوف بأكفان بيضاء وأخرى بأكياس بيضاء أو سوداء، وأخرى ببطانيات. ولم يكن في الإمكان التعرّف على العديد منها بسبب تفحمها.
كانت امرأة حافية القدمين تصرخ وهي تبحث بين الجثث، "أبي، اخوتي...".
ويقول يحيى كريم (70 عاما) الذي جاء للبحث عن قريب له إنه وجد أنه قتل. "كان مع زوجته وعدد من أولاده وأحفاده. لا أعرف كم منهم مات وكم منهم بقي على قيد الحياة".
ويضيف أنه فكّر بالتوجه مع عائلته المؤلفة من أربعين شخصا إلى المستشفى للجوء، مضيفا "الحمد لله أنني تأخرت".
وتقول أم أمجد إنها كانت "قبل المغرب أمس (الثلثاء) معهم في المعمداني. جلسوا تحت الشجرة عند الباب... لم أجدهم".
وتتابع "أخبروني أنهم أصيبوا. كذبوا علي. كلهم ماتوا... ماتوا. هذا قدرهم من الله، فلا تحرموني من وداعهم".