من تهديد إيران بالتدخّل عسكرياً في حرب إسرائيل على غزّة، إلى حديث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن استعداد "حماس" للتفاوض على مسألة الرهائن، يتكشّف يوماً بعد يوم أن الإدارة الفعلية لحرب "حماس" في إيران، وليست في فلسطين، ولو حاولت واشنطن تحييد طهران عن المشهد من خلال "عدم إيجاد الروابط لإيران" بهجوم الـ7 من تشرين الأول.
لا تُخفي "حماس" ارتباطاتها بإيران التي تمدّها بالسلاح وجديد التقنيات، والتي تُدرّب عناصرها إلى جانب "حزب الله". ومن المعروف أن القيادة العسكريّة الفعليّة لـ"حماس" بشكل عام موجودة في إيران، فيما القيادة السياسية تتنقّل بين تركيا وقطر، وبالتالي فإن كلّ الخيوط تُشير إلى أن الصراع الحاصل إيراني - إسرائيلي، وليس فلسطينياً - إسرائيلياً.
سبق حرب غزّة الحالية العديد من الحروب بين "حماس" وإسرائيل، وأغلبها كانت على التوقيت الإيراني أو الإسرائيلي لا الفلسطيني. وفي سياق حرب اليوم، ترجّح التحليلاتُ بمعظمها دفعَ إيران "حماس" للقيام بعملية "طوفان الأقصى" بهدف تطيير التطبيع السعودي - الإسرائيلي، الذي كان بمثابة "زلزال" سياسي متوقّع في المنطقة.
عضو مجلس رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان أمين بشير يُشير إلى أن "إيران مدّت "حماس" بالمال والسلاح على مدى العقود الماضية لبناء ترسانة عسكرية، وذلك لكي يكون لطهران ذراع عسكرية في فلسطين، في الوقت الذي لم تستطع الحركة فيه التحرّر من قيود إيران المالية، ولم تستثمر الأموال لبناء دولة، بل اعتبرت أن وظيفتها عسكريّة فقط".
وفي حديث لـ"النهار"، يُذكّر بشير بالمرحلة التي ابتعدت خلالها "حماس" عن إيران ومحورها مع انطلاقة الثورة السورية، ويردّ الأسباب إلى علاقة الجناح السياسي في الحركة بقطر. لكنه يلفت إلى أن "الأخيرتين لم تدعما مشروعاً كاملاً لبناء سلطة حقيقية في غزّة، ولم يمدّوا الحركة بالمال الكافي بسبب دعمهما "فتح"، فعادت "حماس" إلى كنف إيران".
ويردّ بشير على الفرضيّة القائلة بالهوية الفلسطينية لحركة "حماس"، التي تستقدم المساعدات فقط من الخارج، ومن إيران تحديداً، ويُذكّر بأن العمليات التي أطلقتها "حماس" كانت على التوقيت الإيراني لا الفلسطيني، ومنها "طوفان الأقصى" التي تهدف بجزء منها إلى ضرب مسار التطبيع بين إسرائيل والسعودية؛ ويعتبر أن إيران تُطلق يد "حماس" كلّما "انحشرت" في السياسة أو المفاوضات.
ويُتابع في سياق متّصل: "أغلبية الحروب التي حصلت بين "حماس" وإسرائيل مرتبطة بأسباب إقليمية، ولم يكن العامل الفلسطيني، ولا قضيّة فلسطين، سوى غطاء لتلك الحروب. فعلى صعيد الأسباب، إن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين يومية لكن "حماس" لا تحوّلها حروباً، ثم إن نتائج هذه العمليات لم تردّ على الفلسطينيين سوى القتل والدمار".
وعن سبب عدم تدخّل إيران لصالح "حماس" بشكل علني في الحرب الحالية، يلفت بشير إلى الضغط الدولي الكبير لمنع توسعة رقعة الصراع في المنطقة؛ فزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل، وإرسال البنتاغون حاملات الطائرات إلى البحر الأبيض المتوسط، وزيارة وزير الدفاع الألماني إلى الجنوب اللبناني، كلّها بمثابة رسائل لعدم تدخّل "حزب الله" أو إيران.
لكن على المقلب الآخر، يعتبر الكاتب السياسي والمتخصّص في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد الأيوبي أن "حركة "حماس تنتمي إلى البيئة الفلسطينية، ويلاحظ أنها تختزن في نفس الوقت في داخلها جناحين يتصارعان، الأول هو الفلسطيني المقرّب من الخطّ العربي، ويمثّله خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، والثاني هو الإيراني الذي يُمثّله يحيى السنوار ومحمود الزهّار، والغلبة للجناح الإيراني على الفلسطيني".
وفي حديث لـ"النهار"، يعود إلى تاريخ الحركة، ويُشير إلى أن "نشأتها كانت فلسطينية، لكنها مضت عبر مراحل تاريخية فغيّرت من تركيبتها، وإيران استغلّت جنوح عدد من قادتها وعناصرها إلى الكفاح المسلّح بدل الحلول السياسية، وغياب الدعم العربي لهذا الخيار، فبدأت تتغلغل أكثر؛ ثم مع استشهاد أو موت القادة القدماء، أصبح الجيل المتأثّر بإيران متقدّماً ومُمسكاً بزمام الأمور".
ويستطرد في هذا السياق: "حركة "حماس" فوّتت فرصة المصالحة الفلسطينية التي كانت تقود جهودها السعودية، ورفضت إنجاح هذه المساعي بقرار إيراني. ومنذ ذلك الحين، بدأت الحركة بالانزلاق أكثر فأكثر نحو المحور الإيراني، ثم إن الخلافات الخليجية بين السعودية وقطر أضعفت عصب الجناح الفلسطينيّ المقرّب من العرب في داخل الحركة".
إلّا أنه وعكس ما تُظهره الصورة، فإن قرار عملية "طوفان الأقصى" اتخذه "أبناء الشهداء الكبار، أو بمعنى آخر الخط الفلسطيني في داخل الحركة" وفق ما ينقل الأيوبي عن مصادر في داخل "حماس"، ويكشف عن أن "القرار اتُخذ بطريقة عميقة، ومن دون إطلاع الجناح الإيراني. وهذا ما يُبرّر الصدمة الإيرانية. وقد برّرت المصادر ذلك بوجوب إحراج إيران التي تستثمر في القضية الفلسطينية".
وعن العلاقة بين "حماس" وإيران بالرغم من التوجّهات الدينية المختلفة، يلفت الأيوبي إلى أن "الإخوان المسلمين تاريخياً كانوا موجودين في داخل إيران، ثم إن جموح قادة الحركة نحو الخيار المسلّح وإلغاء الخيار السياسي بشكل كامل جعلهم مقرّبين من إيران، وبعيدين عن العرب، الذين غلّبوا الخيار السياسي على الخيار العسكري".
الطابع الإيراني غالب على "حماس" بشكل جليّ، ولطهران تأثير كبير في صفوف الحركة الفلسطينية. وبغض النظر عن موقع القرار حالياً، فإن إيران طرف مستفيد من الصراع الحاصل، أكان لجهة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، أو لجهة ضرب مسار التطبيع بين تل أبيب والرياض، إلّا أن ثمّة مواقف في داخل الحركة تُعبّر عن عتبٍ على إيران، وستشخص الأنظار إليها.