مع استئناف طرفي الحرب في السودان المفاوضات بينهما برعاية أميركية سعودية، يحاول كل منهما تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض كان آخرها الصراع على نيالا ثاني كبرى مدن السودان من حيث عدد السكان، في قلب إقليم دارفور.
ومنذ 15 نيسان، يدور نزاع بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. وأسفرت الحرب عن سقوط أكثر من تسعة آلاف قتيل، ونزوح نحو ستة ملايين شخص داخل البلاد أو إلى دول مجاورة.
وتسببت الحرب بتدمير البنية التحتية المترهلة أساسا وإغلاق ثمانين بالمئة من مستشفيات البلاد ودفع الملايين إلى حافة الجوع.
ومع عجز القائدين العسكريين عن تحقيق الانتصار لأكثر من ستة أشهر، لا يعتزم أي منهما تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات قبل أن يوجّه للطرف الآخر ضربة عسكرية قاصمة، وهو ما لم يتحقق في الميدان منذ بدء المعارك.
واستؤنفت المحادثات بين الطرفين الخميس في مدينة جدة السعودية.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان الأحد إن المباحثات تتركز على "تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتحقيق وقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة وإمكانية التوصل لوقف دائم للأعمال العدائية".
وأشارت إلى أنّ المحادثات "لن تتناول قضايا ذات طبيعة سياسية".
وحتى الآن لم تنجح كل محاولات الوساطة بين الطرفين في إحراز أي تقدم على طريق وقف الحرب، وأقصى ما توصلت اليه هو فترات وقف إطلاق نار قصيرة.
وقبل تعليق الجولة الأولى من المفاوضات في جدة، كان الوسطاء يشعرون بالإحباط بشكل متزايد بسبب إحجام الجانبين عن العمل من أجل التوصل إلى هدنة دائمة.
لذلك سعت قوات الدعم إلى تغيير الوضع الأسبوع الماضي في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والتي تقع على الحدود مع كل من جنوب السودان وإفريقيا الوسطى.
ورأى ضابط سابق في الجيش السوداني أن الصراع على مدينة نيالا سببه أنها "أهم مركز عسكري في ولايات جنوب وشرق ووسط دارفور".
وأشار إلى أهميتها الاستراتيجية إذ "يمكن استخدامها للإمداد خصوصا مع وجود مطار بها"، مضيفا "من نيالا يمكن لقوات الدعم السريع ان تصل الي الفاشر عاصمة شمال دارفور وزالنجي وسط دارفور والضعين بشرق دارفور".
وبينما كان ممثلو الطرفين في جدة للتفاوض، أعلنت قوات الدعم السريع الخميس عبر حسابها على منصة "إكس" عن "تحرير قيادة المنطقة الغربية الفرقة 16 مشاة نيالا بجنوب دارفور"، وهو ما يعني وقوع المدينة تحت سيطرتها.
ونشرت مقاطع فيديو لشقيق دقلو ونائبه عبد الرحيم وهو يقود الأفراد على عربات ويحتفلون رافعين الاسلحة داخل مقر الفرقة التابعة للجيش، بينما أكد الأخير من جهته أن قواته كانت "تدحر هجوما من المليشيا المتمردة الإرهابية وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد".
وأكد سكان من نيالا لفرانس برس انتشار أفراد الدعم السريع في كل أرجاء المدينة. ومن الوادي أحد أكبر أحياء المدينة قال آدم "الدعم السريع في كل مكان ومنذ الأربعاء لم نشاهد الجيش".
وقال مصدر عسكري لفرانس برس "على مدى ستة أشهر تهاجم قوات الدعم مقر الفرقة 16، والأسبوع الماضي تمت مهاجمتها بحوالى 300 عربة قتالية".
- "أهم مركز اقتصادي" -
أعلنت قوات الدعم السريع في حزيران "الاستيلاء الكامل" على حامية عسكرية مهمة في منطقة أم دافوق الحدودية مع جمهورية إفريقيا الوسطى في جنوب دارفور، ما يعني بسط قوات دقلو سيطرتها على المنطقة من نيالا وحتى الحدود الغربية للبلاد.
وفي آب، أعلن الجيش السوداني مقتل قائد فرقة المشاة بنيالا.
نيالا التي تبعد حوالي ألف كيلومتر غرب الخرطوم عرفت باسم مملكة الداجو في القرن الخامس عشر الميلادي تيمنا بإحدى القبائل الإفريقية. واختارها الانكليز عام 1929 أثناء فترة الاستعمار لتكون مركزا إداريا في الغرب.
ويربط المدينة ببقية أجزاء السودان خط سكك حديدية وتحيط بها أربعة مخيمات للنازحين على رأسهم مخيم كلمة الذي يعد الأكبر في البلاد حيث يضم 300 ألف شخص.
ويقول الصحافي السوداني عز الدين دهب الذي نشأ بنيالا إنها "أهم مركز اقتصادي لإقليم دارفور" أكبر أقاليم السودان والذي يقطن فيه ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون شخص تقريبا.
وتابع لفرانس برس ن "مطار نيالا يمكن أن يشكل نقطة قوة في عملية الإمداد".
وشهد إقليم دارفور حربا ضارية اندلعت في 2003 وامتدت زهاء عقدين، هاجم خلالها عناصر "ميليشبات الجنجويد" التي أصبحت في ما بعد نواة نواة لقوات الدعم السريع، متمرّدين من أقليات عرقية.
وخلّفت هذه الحرب نحو 300 ألف قتيل و2,5 مليوني نازح، بحسب الأمم المتحدة. وتحدثت المحكمة الجنائية الدولية عن "إبادة جماعية" في ذلك الحين، واليوم هي تحذر من أن يكرر التاريخ نفسه، ما دفعها إلى التحقيق مجددا فيما يجري من جرائم في دارفور المنطقة.