قالت إسرائيل، اليوم الثلثاء، إن قواتها توغلت في عمق مدينة غزة حيث قال سكان إن الدبابات تمركزت على مشارفها تحسبا لاقتحام محتمل للمناطق الحضرية في غزة.
وقال الميجر جنرال يارون فينكلمان، قائد القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، للصحافيين بالقرب من حدود غزة "للمرة الأولى منذ عقود، يقاتل جيش الدفاع الإسرائيلي في قلب مدينة غزة. في قلب الإرهاب".
وأضاف "كل يوم وكل ساعة تقتل القوات مسلحين وتكشف أنفاقا وتدمر الأسلحة وتواصل التقدم نحو مراكز العدو".
وقالت إسرائيل في وقت سابق إنها حاصرت مدينة غزة التي يسكنها نحو ثلث سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليوني نسمة، وستهاجمها قريبا للقضاء على مقاتلي حماس الذين هاجموا بلدات إسرائيلية عبر الحدود قبل شهر.
ولم يكن هناك ما يشير على الأرض إلى أن القوات الإسرائيلية توغلت بأعداد كبيرة في المدينة، لكن المتحدث باسم الجيش، ريتشارد هيخت، أشار إلى أن القوات التي تحاصر المدينة قد تتوغل داخل المدينة.
وردا على سؤال عن حدوث هذه التوغلات فعليا، قال هيخت "لن أتحدث عن كيفية عملنا من داخل حصارنا حول مدينة غزة. أنتم في الاتجاه الصحيح، هذا كل ما يمكنني قوله".
وقال الجناح العسكري لحركة حماس إن مقاتليه يلحقون خسائر وأضرارا فادحة بالقوات الإسرائيلية التي تتقدم.
ولم يتسن التحقق من مزاعم أي من الجانبين عما يدور في ساحة المعركة.
شهر المذبحة
بدأت الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول عندما اقتحم مقاتلو حماس السياج المحيط بغزة وقتلوا 1400 إسرائيلي معظمهم من المدنيين واحتجزوا أكثر من 200 شخص وفقا للإحصاءات الإسرائيلية. وتقصف إسرائيل منذ ذلك الحين قطاع غزة بضربات جوية، مما أسفر عن مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص، حوالي 40 بالمئة منهم أطفال، وفقا لإحصاءات مسؤولي الصحة بغزة.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان في بداية جولة بالمنطقة يزور خلالها معبر رفح من الجانب المصري، وهو الطريق الوحيد لإدخال المساعدات "مر شهر كامل من المذبحة والمعاناة المتواصلة وإراقة الدماء والدمار والغضب واليأس".
ومنحت إسرائيل السكان مهلة من الساعة العاشرة صباحا وحتى الثانية من ظهر اليوم الثلثاء لمغادرة مدينة غزة. ويقول السكان إن الدبابات الإسرائيلية تتحرك في الغالب أثناء الليل، وتعتمد القوات الإسرائيلية إلى حد كبير على الضربات الجوية والمدفعية لتمهيد الطريق لاجتياحها البري.
وأعلن الجيش "من أجل سلامتك، اغتنم هذه الفرصة الأخرى وتحرك جنوبا إلى ما بعد وادي غزة"، في إشارة إلى الأراضي الرطبة التي تقسم القطاع.
وتقول وزارة الداخلية في غزة إن 900 ألف فلسطيني ما زالوا يقيمون في شمال غزة الذي يضم مدينة غزة.
وكتب ساكن يدعى آدم فايز زيارة، وهو يلتقط صورة شخصية لنفسه على الطريق خارج مدينة غزة "شفنا الدبابة من مسافة صفر، شفنا أشلاء ممزقة ومتحللة، شفنا الموت بعيونا".
وبينما تركز إسرائيل عمليتها العسكرية على النصف الشمالي من غزة، تعرض الجنوب للهجوم أيضا.
وقال مسؤولون بقطاع الصحة الفلسطيني إن 23 شخصا على الأقل قتلوا في ضربتين جويتين إسرائيليتين منفصلتين في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلثاء على مدينتي خان يونس ورفح بجنوب قطاع غزة.
وقال أحمد عايش الذي انتُشل من تحت أنقاض منزل في خان يونس حيث قتل 11 شخصا وفقا لمسؤولي الصحة "نحن مدنيون... هذه هي شجاعة ما تسمى بإسرائيل، إنهم يظهرون قوتهم ضد المدنيين، هناك رضع وأطفال في الداخل، وكبار السن".
وبينما كان يتحدث، حاول رجال الإنقاذ في المنزل انتشال فتاة مدفونة حتى خصرها تحت الأنقاض.
إسرائيل تسعى إلى سيطرة "بلا أجل مسمى"
واكتنف الغموض حتى الآن خطط إسرائيل طويلة الأمد فيما يتعلق بغزة، إذا نجحت في عمليتها التي تستهدف إلحاق الهزيمة بحماس. وفي أولى تعليقات مباشرة عن خطط إسرائيل لمستقبل غزة بعد الحرب، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستتولى المسؤولية الأمنية عن القطاع لأجل غير مسمى.
وتابع قائلا لمحطة (إيه.بي.سي نيوز) الأميركية أمس الاثنين "إسرائيل ستتولى لفترة غير محددة... المسؤولية الأمنية الشاملة (في غزة) لأننا رأينا ما يحدث عندما لا نتحمل تلك المسؤولية الأمنية".
وسحبت إسرائيل قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة عام 2005، وبعد عامين استولت حماس على السلطة وطردت السلطة الفلسطينية التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية المحتلة.
وقال سيمحا روتمان، النائب في الائتلاف الديني القومي الذي يتزعمه نتنياهو، في تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي "لا يتعين أن تريق قواتنا الدماء لإعطاء قطاع غزة للسلطة الفلسطينية كهدية... لن يعيد الأمن إلا سيطرة إسرائيلية كاملة وتامة".
لكن المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي قال لشبكة (سي.إن.إن) إن الرئيس الأميركي جو بايدن يعارض عودة الاحتلال الإسرائيلي لأنه ليس "جيدا لإسرائيل، ولا للشعب الإسرائيلي".
وتحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع زعماء في المنطقة حول الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه إدارة غزة بعد الحرب، وقال كيربي "مهما ستصبح عليه الأمور، فلا يمكن أن يكون كما كان في السادس من أكتوبر تشرين الأول. ولا يمكن أن يكون الأمر كما كان لحماس".
وقالت ميراف ميخائيلي، زعيمة حزب العمل الإسرائيلي المعارض، إنه يتعين على إسرائيل العمل مع الولايات المتحدة والدول العربية والسلطة الفلسطينية على خطة لتحقيق "نصر سياسي" في غزة لجعل إسرائيل آمنة بمجرد هزيمة حماس عسكريا.
وترفض كل من إسرائيل وحماس الدعوات المتصاعدة لوقف القتال. وتقول إسرائيل إنه يجب إطلاق سراح المحتجزين أولا، فيما تقول حماس إنها لن تطلق سراحهم ولن توقف القتال بينما لا تزال غزة تتعرض للهجوم. وأيدت واشنطن موقف إسرائيل بأن وقف إطلاق النار سيساعد حماس.
"أطفالي... لم يقترفوا أي ذنب"
أدت قصص الرعب المتسمرة عن معاناة المدنيين من كلا الجانبين إلى استقطاب الرأي العام العالمي خلال الشهر الماضي ولا توجد أي علامات على أنها ستنتهي.
وتحدث أفيخاي برودوتش في بيت شيفع بإسرائيل عن 31 يوما من العذاب بعدما اقتادت حماس زوجته وأطفاله الثلاثة من تجمع كفار عزة السكني على بعد ثلاثة كيلومترات من غزة.
وتحدث عن ابنته (عشر سنوات) وولديه (ثمانية وأربعة أعوام) قائلا "أطفالي، إنهم صغار جدا، ولم يقترفوا أي ذنب تجاه أي شخص".
ويُسمح للمئات من سكان غزة الذين يحملون جوازات سفر أجنبية منذ الأسبوع الماضي بمغادرة القطاع عبر معبر رفح إلى مصر. لكن الغالبية العظمى من سكان غزة محاصرون داخل القطاع. وأولئك الذين تمكنوا من الفرار يتحدثون عن عذابهم بعدما تركوا ذويهم وراءهم.
وقالت سوزان بسيسو، وهي أميركية فلسطينية تبلغ من العمر 31 عاما تمكنت من مغادرة غزة إلى مصر الأسبوع الماضي، لرويترز في القاهرة "إنه مجرد فيلم رعب يتكرر باستمرار... لا نوم، لا طعام، لا ماء. تظل تنتقل من مكان لآخر".