تتركز المعارك بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، الأربعاء، في مدينة غزة في شمال القطاع المحاصر، بعد دخول الحرب شهرها الثاني في ظل تفاقم المعاناة الانسانية لمئات آلاف الفلسطينيين.
وأعلنت إسرائيل ليل الثلثاء أن جيشها بات "في قلب مدينة غزة"، بينما تتكثف عمليات القصف الجوي والمدفعي منذ أيام على مناطق مختلفة من قطاع غزة حيث أوقع القصف الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول 10569 قتيلا، معظمهم مدنيون، بينهم 4324 طفلا و2823 سيدة بالإضافة إلى إصابة 26475 مواطنا وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وبالإضافة إلى الموت والدمار الذي يحيط بهم من كل صوب، يعاني الفلسطينيون من نقص كبير في الماء خصوصا والمواد الغذائية والأدوية، فيما تستمر معاناة المستشفيات التي تحتاج الى الوقود.
وأظهرت لقطات التقطها مراسل لوكالة فرانس برس، عددا من السكان الذين ما زالوا في مدينة غزة، يصطفون أمام صهاريج من أجل التمكن من الحصول على المياه.
ووزّع الجيش الإسرائيلي لقطات مصورة لعملياته البرية الأربعاء، تظهر فيها دبابات وجرافات عسكرية وهي تتقدم وسط مبان مدمّرة بشكل شبه كامل. وأظهرت اللقطات الجنود وهم يدخلون بعض المباني التي خرقتها القذائف والرصاص، بينما تسمع أصوات انفجارات.
أ ف ب
وشنّت حماس قبل شهر هجوما مباغتا غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية على جنوب إسرائيل حيث قتل منذ ذلك التاريخ 1400 شخص، غالبيتهم من المدنيين قضوا بمعظمهم في اليوم الأول للهجوم، واحتجزت حماس أكثر من 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وتوعدت إسرائيل بـ"القضاء" على حركة حماس التي تسيطر على غزة منذ 2007.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ليل الثلثاء أن الجيش بات "في قلب مدينة غزة".
وتابع في مؤتمر صحافي "سندمّر حماس (...) قواتنا جاهزة على جميع الجبهات".
وجدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه وقف إطلاق النار ما لم يتم الإفراج عن الرهائن.
وقال في كلمة متلفزة "لن يسمح بدخول الوقود (...) ولا وقف لإطلاق النار من دون الافراج عن رهائننا".
الأربعاء، أفاد مصدر مطلع أن قطر تقود جهود وساطة لإطلاق سراح 10 إلى 15 رهينة تحتجزهم حركة حماس مقابل وقف إطلاق نار ليوم أو يومين في قطاع غزة.
وقال المصدر لوكالة فرانس برس شرط عدم كشف اسمه لحساسية المحادثات، "تجري مفاوضات بوساطة قطرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لتأمين إطلاق سراح 10 إلى 15 رهينة مقابل وقف إطلاق نار لمدة يوم أو يومين" في غزة.
وكان نتنياهو أدلى بموقف مشابه قبل ساعات أيضا في حديث الى قناة أميركية، ذكر خلاله أن إسرائيل ستتولى "المسؤولية الأمنية الشاملة" للقطاع الحدودي مع مصر بعد انتهاء الحرب.
إلا أن الولايات المتحدة، أوثق حلفاء إسرائيل وأبرز داعميها عسكريا، أعربت عن معارضتها "إعادة احتلال" القطاع.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل لصحافيين الثلثاء "في شكل عام، لا نؤيد إعادة احتلال غزة ولا اسرائيل تؤيد ذلك".
وأضاف "وجهة نظرنا هي أن على الفلسطينيين أن يكونوا في مقدم هذه القرارات، وغزة هي أرض فلسطينية وستبقى ضا فلسطينية".
وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء أن على إسرائيل "عدم إعادة احتلال" غزة.
وتحدث لصحافيين في طوكيو على هامش مشاركته في اجتماع لمجموعة السبع، عن "عناصر أساسية" لتحقيق "سلام دائم وأمن".
وأوضح أنها تتضمن "عدم تهجير الفلسطينيين قسرا من قطاع غزة، ليس الآن ولا بعد الحرب، وعدم استخدام غزة منصة للإرهاب أو هجمات عنيفة أخرى، وعدم إعادة احتلال غزة بعد النزاع".
أ ف ب
وكان وزير الشؤون الاستراتيجية والإعلام الاسرائيلي رون دريمر قال إن نتنياهو "لم يتحدث عن احتلال غزة". وقال لقناة "أم أس أن بي سي" الأميركية "انسحبنا بالكامل من غزة قبل 17 عاما وحصلنا على دولة إرهابية. لا يمكننا تكرار ذلك، هذا واضح، عندما لا تعود حماس في السلطة".
في واشنطن، قال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي الثلثاء "نحن نجري مناقشات حثيثة مع نظرائنا الإسرائيليين حول الشكل الذي يجب أن تكون عليه غزة بعد النزاع".
وسحبت إسرائيل قواتها وفكّكت المستوطنات في غزة في العام 2005. ومنذ 2007، بات القطاع تحت سيطرة حماس التي طردت منه حركة فتح، وهو يخضع لحصار إسرائيلي منذ ذلك الحين، تمّ تشديده بعد اندلاع الحرب الراهنة.
وشدّد باتيل على أن الأمور "لن تعود إلى الوضع الذي كان قائماً في السادس من تشرين الأول".
وأضاف "يجب أن تكون إسرائيل والمنطقة آمنتين، وغزة لا ينبغي ولا يمكن أن تكون قاعدة تنطلق منها هجمات إرهابية ضد سكان إسرائيل أو غيرهم".
وقال غازي حمد، عضو المكتب السياسي لحركة حماس في اتصال مع قناة الجزيرة القطرية إنّ الأميركيين "يدعمون دولة الاحتلال في وهم كبير أنّهم يستطيعون إعادة ترتيب الأوضاع في غزة".
وأضاف "ترتيب الأوضاع في غزة شأن فلسطيني محض، وحماس ستكون جزءاً منه غصباً عنهم، باعتبار أنّها جزء من النسيج الوطني الفلسطيني".
وحذّر السلطة الفلسطينية من "التعاون مع الأميركيين"، أو من المجيء إلى غزة "على ظهر الدبابة الأميركية".
- لا وقف لإطلاق النار -
وتدعو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وقادة العالم العربي ودول أخرى في العالم إلى وقف إطلاق النار، وهي فكرة لا تدعمها واشنطن التي تدفع في اتجاه "توقف إنساني" لإطلاق النار وتشدد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
في طوكيو، أكد وزراء خارجية دول مجموعة السبع الأربعاء دعمهم "هدنات وممرات إنسانية" في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، من دون الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وقال الوزراء في بيان مشترك "نشدد على الحاجة إلى تحرك طارئ لمواجهة الأزمة الإنسانية المتدهورة في غزة... ندعم هدنات إنسانية وممرات من أجل تسهيل المساعدة المطلوبة بشكل عاجل، وتنقل المدنيين، وإطلاق الرهائن" الذين تحتجزهم حماس منذ هجومها في السابع من تشرين الأول.
وطالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوضع حد لما يقاسيه مدنيون من معاناة رهيبة، خصوصا الأطفال.
وقالت في بيان "بعد مرور شهر، يُجبَر مدنيون في غزة وإسرائيل على تحمّل معاناة وخسائر هائلة. هذا الأمر يجب أن يتوقّف"، محذّرة من أن "القصف المكثّف يدمّر البنية التحتية المدنية في جميع أنحاء غزة، ويزرع بذور الشقاء لأجيال مقبلة".
أ ف ب
- الناس يتركون دوابهم ويكملون طريقهم مشيا" -
وأدت عمليات القصف العنيف إلى نزوح 1,5 مليون شخص داخليا، خصوصا بعدما أنذر الجيش الاسرائيلي سكان شمال القطاع بالتوجه الى جنوبه.
ليل الثلثاء، أعلنت منظمة "اطباء بلا حدود" مقتل أحد موظفيها ويدعى محمد الأهل وهو فني مختبر مع عدد من أقاربه في قصف إسرائيلي استهدف الإثنين مخيّم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة.
اما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فأعلنت تعرض قافلة إنسانية تضم خمس شاجنات وسيارتين تابعتين للمنظمة الدوليةمحملة بإمدادات طبية لإطلاق نار ما أدى إلى تضرر الشاحنتين وإصابة سائق بجروح طفيفة.
والثلثاء، سار عدد كبير من أهالي قطاع غزة بين الجثث والأشلاء وسط الدبابات الإسرائيلية وهم يرفعون ما تيسر من رايات بيض في طريقهم نحو الجنوب هربًا من نيران القصف.
وقالت علا إن "الخوف" كان رفيقهم خلال الطريق. وأضافت "لم نر جنودًا، رأينا الدبابات على جانبي الطريق. مشينا مجموعات رافعين أيدينا، حاملين رايات بيضاء".
وقالت أميرة السكني من جهتها لفرانس برس "رأينا جثثا، أشلاء، شهداء، الناس يتركون دوابهم ويكملون طريقهم مشيا".
وأضافت "نحن لا نريد الحرب، نريد هدنة، نريد السلام".
ورغم دعوات الجيش الاسرائيلي الى المدنيين لمغادرة شمال قطاع غزة، فالقصف يطال أيضا جنوب القطاع.
في خان يونس (جنوب)، كان رجال الإسعاف يبحثون تحت الأنقاض عن ناجين بعد ضربة إسرائيلية ليلية دمرت مساكن.
ويبقى معبر رفح مع مصر، الوحيد غير الخاضع لسيطرة إسرائيل، مغلقا جزئيا. وقد مرت عبره شحنات محدودة من المساعدات، وسمح بخروج جرحى فلسطينيين ومئات من الأجانب.
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية الثلثاء أن أكثر من مئة فرنسي تمكّنوا من الخروج عبر معبر رفح.
من جهتها، أكدت الولايات المتحدة الثلثاء أنها ساعدت في مغادرة 400 من مواطنيها والمقيمين لديها وأقاربهم.
وفيما يخشى المجتمع الدولي اتسّاع نطاق النزاع، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية نشر غواصة في الشرق الأوسط، تضاف الى حاملتي طائرات أكدت أن الهدف من نشرهما "ردع" أطراف أخرى عن الدخول في الحرب، خصوصا إيران وحليفها حزب الله اللبناني.
وتزداد المخاوف من احتمال توسع النزاع ليشمل لبنان مع تبادل يومي للقصف وإطلاق النار عند الحدود بين القوات الاسرائيلية وحزب الله.
وكرّر نتنياهو، الثلثاء، تحذير الحزب من ارتكاب "خطأ عمره" في حال توسع القتال عند الجبهة الشمالية.
ويبقى منسوب التوتر مرتفعا في الضفة الغربية المحتلة حيث قتل أكثر من 150 فلسطينيا بنيران جنود أو مستوطنين إسرائيليين منذ 7 تشرين الاول بحسب السلطة الفلسطينية.