اقتحمت القوات الإسرائيلية خان يونس، المدينة الرئيسية في جنوب قطاع غزة، اليوم الثلثاء، وواجهت المستشفيات صعوبة في التعامل مع عشرات القتلى والجرحى الفلسطينيين.
وفيما بدا أنه أكبر هجوم بري منذ انهيار الهدنة الأسبوع الماضي قال سكان إن الدبابات الإسرائيلية دخلت الأجزاء الشرقية من المدينة للمرة الأولى وعبرت السياج الحدودي الإسرائيلي وتقدمت غربا.
وقال سكان إن بعض الدبابات اتخذت مواقع داخل بلدة بني سهيلا في الضواحي الشرقية لخان يونس، بينما مضت أخرى لتتمركز على أطراف مشروع مدينة حمد السكني الذي تموله قطر.
وبعد أيام من أمرها السكان بالفرار من المنطقة، ألقت القوات الإسرائيلية منشورات جديدة اليوم الثلثاء مع تعليمات بالبقاء داخل الملاجئ أثناء الهجوم.
وجاء في المنشورات التي وجهت إلى سكان ست مناطق في الشرق والشمال، تمثل نحو ربع خان يونس، "في الساعات القادمة، سيبدأ جيش الدفاع الإسرائيلي شن هجوم مكثف على مناطق إقامتكم لتدمير منظمة حماس الإرهابية.
"لا تتحركوا. من أجل سلامتكم، ابقوا في الملاجئ والمستشفيات حيث أنتم. لا تخرجوا. الخروج أمر خطير. تم تحذيركم".
وتقول إسرائيل، التي سيطرت على النصف الشمالي من غزة الشهر الماضي قبل أن تبدأ الهدنة التي استمرت أسبوعا، إنها توسع حاليا نطاق حملتها البرية لتشمل بقية القطاع لتحقيق هدف القضاء على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وقال إيلون ليفي المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية اليوم الثلثاء في إفادة للصحافيين "نمضي قدما في المرحلة الثانية الآن. إنها مرحلة ستكون صعبة عسكريا".
وأضاف أن إسرائيل منفتحة على أي "رأي إيجابي" بخصوص خفض الضرر الواقع على المدنيين مادامت النصيحة متسقة مع هدف تدمير حماس.
وبدأت إسرائيل حملتها ردا على هجوم شنه مسلحو الحركة عبر الحدود في السابع من تشرين الأول وأسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 رهينة، وفقا للإحصائيات الإسرائيلية.
ووفقا لمسؤولي الصحة في غزة، فقد تأكد مقتل أكثر من 15900 فلسطيني في الغارات الجوية الإسرائيلية وغيرها من الأعمال، مع وجود آلاف آخرين في عداد المفقودين ويخشى أن يكونوا مدفونين تحت الأنقاض.
وأدى القصف الإسرائيلي إلى نزوح 80 بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليوني نسمة من منازلهم، معظمهم نحو الجنوب. والكثافة السكانية في القطاع أعلى من لندن، وتؤوي المناطق الجنوبية المزدحمة الآن ثلاثة أضعاف عدد سكانها المعتاد.
جثث الأطفال على الأرض
في مستشفى ناصر، الرئيسي في خان يونس، تدفق الجرحى في سيارات إسعاف وسيارات عادية وشاحنة وعربات تجرها حيوانات بعد ما وصفه ناجون بأنه غارة استهدفت مدرسة تستخدم مأوى للنازحين.
وداخل أحد الأقسام بالمستشفى كان الجرحى يشغلون كل شبر على الأرض تقريبا، وكان المسعفون يهرعون من مريض إلى آخر بينما كان أقاربهم ينتحبون.
وحمل طبيب جثة هامدة لصبي يرتدي ملابس رياضية ليضعها في زاوية بينما تباعدت ذراعاها على الأرض حيث سالت الدماء. وعلى الأرض بجوار الجثة، رقد صبي وفتاة وسط ضمادات وقفازات مطاطية وأطرافهما متصلة بحوامل محاليل وريدية.
كما قالت واحدة من فتاتين صغيرتين تتلقيان العلاج بينما لا زال الغبار يغطيهما من جراء انهيار المنزل الذي دفنت فيه أسرتهما وهي تبكي "والداي تحت الأنقاض... أريد أمي، أريد أمي، أريد عائلتي".
وفي الخارج، كان رجال ينقلون جثثا بأكفان بيضاء لكنها ملطخة بالدماء لدفنها. وكانت نحو 12 جثة ملقاة على الأرض. وتم نقل خمس أو ست في عربة ملحقة بدراجة نارية.
وقالت عائشة الرقب (70 عاما) إن ابنها إياد بين القتلى ورفعت يدها الملطخة بالدماء.
وقالت "هذا دمه. هذا دمه الثمين. الله يرحمه. حبيبي. (أريد) أن أشم رائحته، أشم رائحته، يا الله، يا الله".
وقال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة إن 43 جثة على الأقل وصلت بالفعل إلى مستشفى ناصر صباح اليوم.
وأضاف أن المستشفيات في جنوب قطاع غزة تنهار بشكل كامل، ولا تستطيع التعامل مع عدد ونوعية الإصابات التي تصلها.
واشنطن تحث إسرائيل على تقليص أذى المدنيين
حثت الولايات المتحدة حليفتها المقربة إسرائيل على تقليص الأضرار التي يتعرض لها المدنيون في المرحلة التالية من حرب غزة.
وتقول إسرائيل إن المسؤولية عن الأذى الذي يلحق بالمدنيين تقع على عاتق مقاتلي حماس لأنهم يعملون وسطهم، بما في ذلك من خلال الأنفاق تحت الأرض التي لا يمكن تدميرها إلا بقنابل ضخمة. وتنفي حماس القتال وسط المدنيين.
ومنذ انهيار الهدنة، نشرت إسرائيل خريطة على الإنترنت لإعلام سكان غزة بالأجزاء التي يجب إخلاؤها من القطاع. وتم وضع علامة على الحي الشرقي لمدينة خان يونس أمس الاثنين، وهو موطن لمئات الآلاف من الأشخاص، الذين هرب كثير منهم سيرا على الأقدام.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيخت "ما يجب على المدنيين فعله حفاظا على سلامتهم هو الاستماع إلى التعليمات الصادرة على حساباتنا على تويتر وموقعنا الإلكتروني، والاطلاع أيضا على المنشورات التي تلقى في مناطقهم".
ويقول سكان غزة إنه لم يعد هناك مكان آمن للذهاب إليه، حيث أن البلدات والملاجئ المتبقية مكتظة بالفعل. وواصلت إسرائيل قصف المناطق التي تطلب من الناس الذهاب إليها.
وإلى الشمال من خان يونس في دير البلح، التي يفصلها طريق سيطرت عليه الدبابات الإسرائيلية يوم السبت، ذكرت وسائل إعلام فلسطينية أن أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى أصيبوا في غارة دمرت منزلا. ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى المنطقة.
ونشر الهلال الأحمر الفلسطيني لقطات قال إنها تظهر إحدى سيارات الإسعاف التابعة لها وهي تتعرض لنيران دبابة إسرائيلية في دير البلح. كانت سيارة الإسعاف تبتعد وسط أصوات الانفجارات. ومن النافذة الخلفية، شوهدت انفجارات تضرب المكان الذي كانت متوقفة فيه.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن المناطق الصغيرة القليلة التي صنفتها إسرائيل "آمنة" غير كافية لمئات الآلاف من الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المأوى.
وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم اليونيسف بعد زيارة غزة "إنها رقع صغيرة من الأراضي القاحلة أو زوايا بالشوارع... أرصفة... مبان نصف مكتملة... لا توجد مياه".