النهار

روايات إسرائيليّة عن عنف جنسي خلال هجوم حماس... لكنّ إثباتها صعب المنال
المصدر: رويترز
روايات إسرائيليّة عن عنف جنسي خلال هجوم حماس... لكنّ إثباتها صعب المنال
اطلاق المدفعية الإسرائيلية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (5 ك1 2023، أ ف ب).
A+   A-
في السابع من تشرين الأول، وهو اليوم الذي شنت فيه حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) هجومها، أقام الجيش الإسرائيلي مشرحة موقتة باستخدام حاويات شحن مبردة في قاعدة الشورى العسكرية بوسط إسرائيل للتعرف على هويات الموتى وإعدادهم للدفن. ومن بين 1200 شخص قتلوا في ذلك اليوم، قالت السلطات إن 300 على الأقل كانوا من النساء.

وقالت شاري مينديز، وهي جندية احتياط عملت لمدة أسبوعين في القاعدة لمساعدة المسعفين في أخذ بصمات الأصابع وتنظيف أجساد المجندات "أُحضرت النساء في كثير من الأحيان بالملابس الداخلية فحسب".

أضافت مينديز "في بعض الأحيان كان عندنا أشخاص... مجرد منطقة جذع... أو (جثث) تعرضت لتحلل شديد أو لتشوهات... رأيت أعضاء تناسلية لنساء تغطيها دماء كثيفة".

وتحقق الشرطة الإسرائيلية في جرائم جنسية يُحتمل أن يكون قد ارتكبها بعض من بضع مئات من الأشخاص الذين اعتقلتهم بعد هجوم السابع من تشرين الأول. والهدف الذي تضعه الشرطة نصب أعينها هو محاكمة كل مشتبه به محتجز لديها.

لكن في المشرحة التي كانت مينديز تعمل فيها، دُفنت ملابس النساء معهن قبل أن يتمكن محققو الشرطة من فحصها. فبحسب مراسم الدفن اليهودية، يتعين معاملة الموتى بكرامة ودفنهم بأسرع ما يمكن. ويتم دفن كل ما يمثل جزءا من الجسد معه، لذلك بعض النساء دُفِن مع ثيابهن الملطخة بالدماء.

وقالت مينديز لرويترز "مسحنا الدماء من كل شيء".

ويمثل هذا أحد التحديات التي تواجه التحقيق في الجرائم الجنسية المزعومة خلال الهجوم المباغت والأكثر دموية في تاريخ إسرائيل الذي يبلغ 75 عاما.

وفي بعض المواقع احتدمت المعارك لعدة أيام، مما جعل من المستحيل دخولها. وتم جمع بعض الأدلة، لكن الشرطة تقول إنها تواجه تحديا بعد ضياع الفرص لجمع أدلة قابلة للتلف لربط الفظائع بمشتبه بهم محددين.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لرويترز إن الأولوية الأولى في حادث سقوط أعداد كبيرة من القتلى والمصابين هي التعرف على الجثث كي يمكن إبلاغ عائلاتها في أسرع وقت ممكن. وفي الأيام الأولى، لم يعرف كثيرون ما إذا كان أقاربهم قد قتلوا أو أصيبوا أو نُقلوا إلى غزة.

وقالت وزارة العدل الإسرائيلية إن "الضحايا تعرضوا للتعذيب والإيذاء الجسدي والاغتصاب والحرق أحياء وتمزيق الأوصال". وتنفي حماس بشدة مزاعم الاعتداء الجنسي أو التشويه من قبل أعضاء جناحها المسلح، كتائب عز الدين القسام، في السابع من تشرين الأول أو بعده.

ورواية مينديز هي واحدة من سبع شهادات حصلت عليها رويترز من أوائل من شاركوا في رد الفعل أو آخرين تعاملوا مع جثث القتلى وتشهد على عنف جنسي مزعوم. وقال هؤلاء الأشخاص إنهم عثروا على نساء شبه عاريات، ومقيدات، وببطون مبقورة، ومجردات من الملابس، ومصابات بكدمات، أو مصابات بطلقات نارية في الرأس، أو محترقات، في منطقتين بما في ذلك كيبوتس بيري وموقع مهرجان موسيقي في الهواء الطلق بالقرب من السياج الحدودي لغزة.

وراجعت رويترز صورا تتطابق مع بعض الأوصاف أو تشهد على فظائع أخرى محتملة. ومع ذلك، لم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من جميع الروايات.

ونفى طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مسؤولية مقاتلي الحركة عن أي اعتداءات جنسية في الهجوم، ودعا إلى تحقيق دولي جدي ومحايد.

وستحقق لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في جرائم الحرب على جانبي الصراع بين إسرائيل وحماس في مزاعم العنف الجنسي المنسوبة لحماس، وسط انتقادات إسرائيلية لصمت الأمم المتحدة. وتتهم إسرائيل اللجنة بالتحيز وتقول إنها لن تتعاون مع التحقيق.

الضحايا بين قتلى ومصابين بصدمات
في القانون الجنائي الإسرائيلي، يشمل العنف الجنسي الاغتصاب، ولكنه يشمل أيضا الأفعال غير اللائقة والمضايقات والإهانة الجنسية لشخص ما، بما في ذلك الإجبار على التعري، وجرائم أخرى. وقال ثلاثة خبراء قانونيين لرويترز إن الإدانة يمكن أن تستند إلى شهادات وأدلة ظرفية حتى بدون أدلة الطب الشرعي.

لكنهم قالوا إن من بين العقبات التي تواجه محققي الشرطة حقيقة وفاة كثير من الضحايا أو إصابتهم بصدمات نفسية.

وقالت أوريت سوليتزينو، مديرة مركز أزمات الاغتصاب في إسرائيل، إن ما يقدر "ببضع عشرات" من الضحايا الناجين والشهود طلبوا المساعدة بالفعل، رافضة ذكر اسم أي منهم لحماية خصوصيتهم. وأضافت أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن يتقدم الضحية أو الشاهد.

ولا يتحدث كثير من الضحايا المزعومين.

وقالت هيلا نيوباتش، مديرة الشؤون القانونية في مراكز أزمات الاغتصاب، لرويترز "كل النساء اللاتي قُتلن وربما يكن قد تعرضن للعنف الجنسي لا يستطعن إخبارنا... ربما لم ينج الشهود أيضا".

وقد فرضت السلطات أمر حظر النشر على التحقيق، لكن رئيسة التحقيق شيلي هاروش قالت للبرلمان في 27 تشرين الثاني إن لديهم 1500 شهادة من ناجين وقوات الأمن وأوائل المشاركين في رد الفعل وعائلات الضحايا حول فظائع بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب وتشويه الأعضاء التناسلية. وتمت مشاركة ما لا يقل عن اثنتي عشرة شهادة من قبل الوكالات الحكومية وأوائل المشاركين في رد الفعل.

تحلل
في بعض الأحيان، استغرق الأمر أياما بعد هجوم السابع من تشرين الأول للوصول إلى الجثث. وقال تشن كوجل، رئيس المركز الوطني الإسرائيلي للطب الشرعي، إن تطبيق البروتوكولات العادية لإثبات الاغتصاب من الناحية الجنائية يكاد يكون مستحيلا عندما تصل الجثث إلى مثل هذه المرحلة من التحلل. وأضاف "ربما (كان ذلك ممكنا) لو قمنا بفحصهن خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى".

وتظهر بيانات وزارة العدل أنه حتى في الأوقات العادية، يتم إغلاق ما يقرب من 80 بالمئة من قضايا الجرائم الجنسية في إسرائيل كل عام لأن النيابة العامة لا تصل إليها أدلة كافية. وسوف تستلزم المحاكمة في قضايا السابع من تشرين الأول نهجا مختلفا.

وقالت دانا بوجاتش، أستاذة القانون في كلية أونو الأكاديمية "في قضية جنائية، يُدان متهم معين بإيذاء ضحية محددة... سيتعين عليهم النظر في بنية قانونية مختلفة تماما في هذه الحالة".

وأضافت أن المدعين يمكن أن يعتمدوا على مبدأ قانوني يقوم على المسؤولية المشتركة، وهو مبدأ استُخدم في إسرائيل في وقت سابق من هذا العام لإدانة 11 شخصا بارتكاب أعمال عنف جنسي تتعلق باغتصاب جماعي.

ولتحقيق ذلك، ستكون هناك حاجة إلى إثبات النية والاشتراك في التآمر.

شهادات
تتوالى الشهادات. فقد قال الحاخام إسرائيل فايس للصحافيين في قاعدة الشورى إن بعض الجثث كانت عارية و"ممزقة".

وكتب نحمان ديكستين، وهو متطوع في منظمة زاكا للبحث والإنقاذ وكان مشاركا في الحفلة الموسيقية، في شهادة أطلعت زاكا رويترز عليها أنه رأى عشرات الوفيات من النساء في الملاجئ وكانت "ملابس الجزء العلوي من أجسادهن ممزقة، لكن الجزء الأسفل كان عاريا تماما".

وقال منتج الحفلة رامي شموئيل، الذي ساعد في عمليات البحث عن الجثث، إنه رأى جثث ثلاث نساء، إحداهن عارية والأخرى عارية من الخصر إلى الأسفل. وأضاف أن من الواضح أن إحداهن أصيبت برصاصة في مؤخرة الرأس وأُضرمت فيها النار.

وتقول الشرطة إن لديها أكثر من 60 ألف "وثيقة مرئية" تشمل مقاطع فيديو من كاميرات جو-برو كانت مع المهاجمين ولقطات من كاميرات المراقبة وصور من طائرات مسيرة.

وتعزز مقاطع فيديو على الإنترنت هذه الادعاءات. ولا يمكن التحقق من صحة بعض المقاطع التي تظهر عنفا جنسيا، وشاهدت رويترز إحداها ويبدو أنها تعود إلى عام 2021.

وتحققت رويترز من مقطعي فيديو آخرين يشيران إلى عنف جنسي ونُشرا على وسائل التواصل الاجتماعي خلال يوم واحد من الهجوم. ولم تتمكن رويترز من التأكد من هوية أول من نشرهما.

وظهرت في مقطع منهما جثة امرأة نصف عارية كانت في الحفلة وهي متدلية على الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة جابت غزة. وتعرفت عليها والدتها لاحقا وقالت إنها شاني لوك التي تعمل في رسم الوشم.

وظهرت في المقطع الآخر امرأة شابة حافية القدمين وهي تُسحب من شعرها من صندوق سيارة فان في غزة ويدفعها رجل مسلح إلى مقعد السيارة الخلفي وهو يهتف "الله أكبر". وكانت مقيدة اليدين. ويبدو أن سروالها كان ملطخا بالدماء من المؤخرة وكذلك كاحليها وذراعها. ولا تكشف الصورة ما حدث لها.

وأكدت السلطات الإسرائيلية وفاة لوك. وتعتقد أن المرأة الأخرى، التي كشفت والدتها هويتها لرويترز، لا تزال على قيد الحياة ومحتجزة في غزة.

وعرضت الشرطة للصحافيين في 14 تشرين الثاني مقطعا لشاهدة على الهجوم على الحفلة قالت فيه إنها شاهدت مسلحين يغتصبون امرأة بشكل جماعي ويقطعون ثدي أخرى ويلقون به في الشارع.
 
وأضافت أن مسلحا أطلق النار في وقت لاحق على رأس المرأة وهو يغتصبها. وامتنعت الشرطة عن ذكر اسم الشاهدة أو توصيلها برويترز.

وقالت الخبيرة القانونية نيوباتش إن روايات الشهود وحدها لا يمكن أن تضمن دائما توجيه الاتهام أو الإدانة. لكنها قالت بشكل عام إن المعلومات التي تم جمعها بالفعل موثوقة بدرجة كافية لتحديد أن أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي ربما ارتُكبت.

محكمة
إذا ثبت أن الملاحقات القضائية في إسرائيل تمثل تحديا، فقد أُقيمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب. وقالت المحكمة بالفعل إنها تختص قضائيا بالجرائم الوحشية التي ارتكبها الفلسطينيون على أراض إسرائيلية في ذلك اليوم.

ويمكن للمحكمة أن تتدخل إذا كانت الدول غير راغبة أو غير قادرة على محاكمة مواطني أعضائها على ارتكاب جرائم حرب، أو ما إذا كانت الجرائم ارتكبت على أراضي أعضائها. وتقول المحكمة الجنائية الدولية إن مدعيها العام جمع كمية كبيرة من المعلومات والأدلة.

ويقول محامون إسرائيليون إن متطلبات الأدلة المتعلقة بالعنف الجنسي في المحكمة الجنائية الدولية أقل صعوبة من تلك الإسرائيلية. فهي لا تحتاج على سبيل المثال إلى الاستماع لأقوال الضحية. ولا يشترط في الغالب إثبات عدم موافقة الضحايا بشكل منفصل إذا ارتُكبت هذه الأفعال الوحشية بشكل جماعي.

وقال محاميان لرويترز إنهما يجهزان أدلة لتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية. وقالت يائيل فياس جفيرسمان في تل أبيب إنها تجمع أدلة لعائلات 54 ضحية، بينهم ضحايا عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي. ورفضت تقديم تفاصيل لكنها قالت إن هناك عددا قليلا من الشهود الرئيسيين.

لكن المحكمة الجنائية الدولية تمثل إشكالية لدولة إسرائيل التي لا تعترف بولايتها القضائية رغم أن الإسرائيليين كأفراد والدولة نفسها يتمتعون بحرية تقديم الأدلة.

وأضافت فياس جفيرسمان "هذا يقودنا إلى ما سأسميه المعضلة الإسرائيلية"، في إشارة إلى المكان الذي يمكن فيه الحكم في مثل هذه القضايا. وقالت إن إسرائيل قد تحتجز بعض الجناة لكنها لا تستطيع الوصول إلى المحرضين أو القادة أو المساعدين الذين يمكن للمحكمة الجنائية الدولية تقديمهم للمحاكمة.

وتتوقع هي ومحام آخر أن تلجأ الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف إلى المحكمة الجنائية الدولية. ورفضت وزارة العدل الإسرائيلية التعليق على ما إذا كانت ستلجأ إلى المحكمة لكنها قالت إنها ستواصل الإجراءات القانونية ضد المسؤولين عن هجمات السابع من تشرين الأول أينما كانوا.

وقال المحامي جيرت جان نوبس قائد فريق الدفاع في المحكمة لرويترز "عادة ما تقول قوات الدفاع الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية ‘ليس لدينا أي تعامل مع المحكمة الجنائية الدولية‘".

وأضاف "لكن هذا يتجاوز أي تصور. أعتقد أن إسرائيل لها مصلحة في تقديم الأدلة عن أحداث 7 تشرين الاول إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium