اعتقلت القوات الإسرائيلية مدنيّين فلسطينيّين في قطاع غزة خلال الشهرين الأخيرين، وفق شهادات أفراد عائلات المفقودين وتقارير منظمات حقوق الإنسان. ويؤكّد هؤلاء أنّهم لم يتلقّوا أيّ معلومات حتى الآن حول مكان احتجاز المدنيّين أو تفاصيل عن ظروف اعتقالهم، بما في ذلك الاتهامات الموجهة إليهم.
في سلسلة مقابلات مع صحيفة "
واشنطن بوست"، أكّد أنسباء معتقلين أنّ القوات الإسرائيلية اعتقلت عدداً من المدنيّين خلال نزوحهم جنوباً أو خلال عمليات الدهم في شمال قطاع غزة. وأشار الأشخاص الذين قابلتهم الصحيفة إلى احتجاز بعض المدنيّين لساعات، في الخارج أو في مقطورات معدنية، للتحقيق، قبل إطلاق سراحهم، فيما اختفى آخرون ولم يعودوا.
تقول عائلات محتجزين إنّ شهوداً "رأو أشخاصاً لا علاقة لهم بحركة (حماس) أو الجماعات المسلحة يقودهم جنود إسرائيليون تحت تهديد السلاح، ولم يسمعوا شيئاً منهم منذ ذلك الحين".
(أ ف ب)
ونقلت الصحيفة عن ياسر عليان، أحد سكان شمال غزة، قوله إنّ آخر مرة رأى فيها أحمد اللحمان (20 عاماً)، والذي وصفه بأنه "بمثابة ابنه"، كانت في 20 تشرين الثاني، خلال فرار الأسرة من بيت لاهيا نحو الجنوب. ويروي أنّه عند الوصول إلى نقطة تفتيش، طُلب أحمد للتحقيق معه ومنذ ذلك الحين لم يرَه، وأنّ الأسرة انتظرته لساعات، إلى أن أطلق الجنود الإسرائيليون النار في اتجاههم وحذروهم للمغادرة.
بدوره، قال نسيب أحمد الذي اعتقل معه وأطلق سراحه في اليوم نفسه، إنّهما أجبرا على خلع ملابسهما الداخلية والمرور أمام ما يشبه الماسح الضوئي للتعرف على الوجه.
وإذ يؤكّد عليان شعور العائلة "بالصدمة والدهشة" من اعتقال أحمد، قال إنّ الأخير "مغنّ هاوٍ ولم تكن له علاقة بأيّ منظمات أو توجهات سياسية على الإطلاق"، مشيراً إلى أنه اتصل وزوجته باللجنة الدولية للصليب الأحمر مراراً، وقالت إنّه ليس لديها معلومات.
من جانبها، ذكرت المتحدثة باسم اللجنة سارة ديفيز أنّ المنظمة تلقّت أكثر من ثلاثة آلاف تقرير عن مفقودين من غزة في الفترة، من السابع من تشرين الأول وحتى 29 تشرين الثاني.
معتقلون مجرّدون من ملابسهم
انتشرت الخميس مشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعشرات الرجال المجرّدين من ملابسهم بين أيدي الجيش الإسرائيلي في غزة، وسط تضارب بين مصادر إسرائيلية قالت إنّ السلطات ستحقّق إن كان بعضهم من مسلحي "حماس"، وجمعيات حقوقية قالت إنهم مدنيّون اعتُقلوا من مراكز لإيواء النازحين.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أنّ "الجش الإسرائيلي اعتقل العشرات من الرجال في قطاع غزة وحولهم للجهات المختصة للتحقيق"، مشيرة إلى أنّ "الهدف من التحقيق هو معرفة ما إذا كان بعضهم ينتمون لحركة حماس".
في المقابل، قال موقع المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ "إسرائيل اعتقلت عشرات المدنيّين الفلسطينيّين بعد التنكيل الشديد بهم وتعريتهم كليّاً من ملابسهم على إثر حصارهم منذ أيام داخل مركزين للإيواء في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة"، في تعليق على المشاهد المتداولة.
وأفاد المرصد بأنّه تلقّى "إفادات بشنّ القوات الإسرائيلية حملات اعتقال عشوائية وتعسفية بحق النازحين وبينهم أطباء وأكاديميون وصحفيون ومسنّون، من داخل مدرستي خليفة بن زايد وحلب الجديدة وكلاهما تابعتان لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".
ونقل المرصد عن شقيقة الصحافي ضياء الكحلوت قولها إنّ "القوات الإسرائيلية أجبرته على ترك طفلته من أصحاب الاحتياجات الخاصّة البالغة سبعة أعوام، واعتقلته تحت تهديد السلاح، وجرّدته كحال جميع المعتقلين من الملابس".
"ضرورة قصوى"
يسمح القانون الدولي للقوات العسكرية باحتجاز المقاتلين؛ غير أنّ مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل والأراضي الفلسطينية عمر شاكر، أوضح أنّه لا يجوز اعتقال أو احتجاز المدنيّين إلّا "إذا كانت الضرورة القصوى تفرض ذلك".
وأكّد شاكر أنّه يجب توجيه الاتهام للمدنيين خلال 48 ساعة والسماح لهم بتقديم الطعن في احتجازهم، من بين وسائل حماية أخرى، أو إطلاق سراحهم، مضيفاً: "يجب أن تكون لديك معايير عالية جدّاً إذا كنت ستحتجز مدنيّين".
وأشار إلى أنّه لا يكفي القول "حسناً، يمكن لأيّ شخص أن يهاجمنا في أي وقت" من أجل اعتقال أشخاص.
وفي وقت لاحق مساء الخميس، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إنّ عدداً من مسلّحي "حماس" استسلموا للجنود الإسرائيليين في غزة، وفق ما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وذكر هاغاري أنّ "الجيش الإسرائيلي اعتقل واستجوب مئات المشتبه فيهم في أنشطة إرهابية، واستسلم الكثير منهم لنا في اليوم الأخير أيضاً"، مضيفاً: "نقوم بالتحقّق من الأشخاص المرتبطين بحماس وغير المرتبطين بها. نعتقل الجميع ونستجوبهم".
يشنّ الجيش الإسرائيلي حملة واسعة في غزة عن طريق الجو والبر، بحثاً عن مسلّحي "حماس" التي نفّذت هجوماً مباغتاً على إسرائيل في السابع من تشرين الأول الماضي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف نحو 240 آخرين، وفق السلطات الإسرائيلية.
وأسفر القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ أكثر من شهرين، عن مقتل 17 ألفاً و177 شخصاً، وفق ما أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة "حماس" الخميس.