يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء الضفة الغربية المحتلة للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، غداة تنبيهه المسؤولين الإسرائيليين إلى الكلفة "الباهظة" التي يتكبدها المدنيون في قطاع غزة جراء الحرب التي تخوضها الدولة العبرية ضد "حماس".
وتأتي زيارة بلينكن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية ضمن جولة جديدة هي الرابعة له في المنطقة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من تشرين الأول. وتمحورت الجولة حول تفادي اتساع إلحرب إلى جبهات أخرى، والبحث في "اليوم التالي" لما بعد انتهائها، والدعوة إلى حماية المدنيين وزيادة المساعدات للقطاع الذي يواجه أزمة إنسانية متعاظمة.
والتقى بلينكن في تل أبيب الثلثاء عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، يتقدّمهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وقال وزير الخارجية الأميركي في مؤتمر صحافي "ندرك أنّ مواجهة عدو يتخفّى بين السكّان المدنيين ويحتمي في المدارس والمستشفيات لإطلاق النار، يجعل الأمور بالغة الصعوبة. لكن الثمن الذي يدفعه المدنيون يوميّاً (في قطاع غزة)، لا سيّما الأطفال، باهظ جدّاً".
وتوعّدت إسرائيل بـ"القضاء" على "حماس" بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول. وأدّى الهجوم لمقتل نحو 1140 شخصاً غالبيتهم من المدنيين، وفق تعداد لـ"فرانس برس" يستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
كما تمّ أخذ نحو 250 رهينة خلال الهجوم، لا يزال 132 منهم محتجزين في القطاع، بحسب الجيش الإسرائيلي.
وتردّ إسرائيل بقصف جوي ومدفعي عنيف، وعمليات برية اعتباراً من 27 تشرين الأول، ما أدّى إلى مقتل 23210 أشخاص غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لـ"حماس".
ورغم الدعوات الدولية المتزايدة، تواصل إسرائيل عمليّات القصف.
وأعلنت وزارة الصحّة التابعة لـ"حماس" أنّ الغارات الإسرائيلية أدّت إلى سقوط "أكثر من 70 شهيدا" ليل الثلثاء الأربعاء.
من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي الأربعاء مواصلة عمليّاته في مخيم المغازي وسط القطاع ومدينة خان يونس بجنوبه، مؤكّداً ضرب "أكثر من 150 هدفاً".
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن هذا الأسبوع الانتقال إلى مرحلة جديدة تشمل تنفيذ عمليات أكثر استهدافاً في وسط قطاع غزة وجنوبه حيث يحتشد مئات الآلاف من النازحين، بعدما تركّز العمليات مطلع الحرب على شمال القطاع خصوصاً مدينة غزّة والمناطق المحيطة بها.
وقال بلينكن الثلثاء إنّ إسرائيل وافقت على مبدأ إرسال "بعثة تقييم" أممية لدراسة الوضع في شمال القطاع تمهيداً لعودة الفلسطينيّين النازحين.
- توصيل "الأساسيات" -
ودخلت الحرب في قطاع غزة هذا الأسبوع شهرها الرابع وسط تحذيرات متزايدة من الأمم المتحدة ومنظّمات وأطراف دولية من الكلفة الإنسانية الباهظة مع تواصل الحصار والقصف الإسرائيليين والمعارك البرية.
وتؤكد منظّمات دولية أنّ المساعدات المحدودة التي تدخل القطاع بموافقة إسرائيلية، لا تكفي لسدّ حاجات سكان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وأكد بلينكن الحاجة إلى توصيل مزيد من المواد الغذائية والمياه والدواء.
وقال: "يتعيّن توصيل مزيد من الأغذية ومزيد من المياه ومزيد من الأدوية وغيرها من الأساسيات إلى غزة. وفور دخولها إلى غزة، ينبغي أن تصل في شكل أكثر فعالية لمن يحتاجون إليها".
كما اعتبر أنّ على إسرائيل أن "تكون شريكاً للقادة الفلسطينيّين الذين يريدون قيادة شعبهم"، و"أن تكف عن اتخاذ خطوات تقوض قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم في شكل فعال".
وإضافة الى الحرب في الميدان، تشهد الكواليس الديبلوماسية والسياسيّة نقاشات بشأن "اليوم التالي" لانتهاء الحرب في القطاع الذي تديره حركة "حماس" منذ العام 2007 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية ونزاع داخلي انتهى بطرد السّلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وسبق زيارة بلينكن عرض وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت خطته "لما بعد الحرب"، والتي تقوم على ألا يكون في القطاع "لا حماس" ولا "إدارة مدنية إسرائيلية"، وأن تديره "كيانات فلسطينية" بشرط "ألا يكون هناك أيّ عمل عدائي أو تهديد ضدّ دولة إسرائيل".
ومن السيناريوهات المحتملة المطروحة من قبل محللين، أن تتولى السلطة الفلسطينية حُكم القطاع رغم شعبيتها المتدنية فيه.
واعتبر بلينكن أنّ على "السلطة الفلسطينية مسؤولية إصلاح نفسها وتحسين حوكمتها. هذه هي التحديات التي سأطرحها مع الرئيس عباس خلال لقائنا" الأربعاء في الضفة الغربية.
على صعيد آخر، يشارك عباس الأربعاء في لقاء مع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العقبة لبحث الحرب في غزة والتطورات في الضفّة الغربية المحتلة حيث تصاعدت بشكل ملحوظ أعمال العنف والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأول.
- إسقاط مسيّرات في البحر الأحمر -
وإضافة الى العنف في الضفة الغربية، أثارت الحرب في غزة مخاوف من اتساع النزاع إلى جبهات إقليمية، في ظل تبادل القصف بين إسرائيل و"حزب الله"، واستهداف الحوثيين في اليمن لسفن في البحر الأحمر، وهجمات فصائل مسلحة ضدّ قواعد تضمّ قوات أميركية في العراق وسوريا.
وأعلن البنتاغون الأربعاء أنّ القوات الأميركية والبريطانية أسقطت 18 طائرة مسيّرة مفخّخة وصاروخين مجنّحين وصاروخاً بالستياً أطلقها الحوثيون مساء الثلثاء باتّجاه مسارات شحن دولية في جنوب البحر الأحمر.
وقالت القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) إنّ "الحوثيين المدعومين من إيران شنّوا هجوماً معقّداً بطائرات مسيّرة هجومية أحادية الاتّجاه إيرانية التصميم، وصواريخ كروز مضادّة للسفن، وصاروخ بالستي مضادّ للسفن"، مؤكدة إسقاط ما مجموعه 18 مسيّرة وصاروخي كروز وصاروخاً بالستياً من القوات الأميركية والبريطانية المنتشرة في المنطقة.
ولم يؤدّ الهجوم إلى إصابات أو أضرار.
وعلى الجبهة بين لبنان وإسرائيل، قال الجيش الإسرائيلي الثلثاء إنّه قام "بتصفية" علي برجي، موضحاً أنه "قائد منطقة جنوب لبنان الجوية لحزب الله" ومسؤول عن عمليات استهدفت مواقع للجيش في شمال الدولة العبرية.
إلّا أنّ الحزب الذي نعى أربعة من عناصره الثلثاء، نفى في بيان "نفياً قاطعاً هذا الادّعاء الكاذب الذي لا صحة له على الإطلاق"، مؤكدا "أنّ الاخ المجاهد مسؤول وحدة المسيّرات في "حزب الله" لم يتعرّض بتاتًا إلى أي محاولة اغتيال كما ادّعى العدو".
- "كل أحلامنا راحت" -
في غضون ذلك، تحذّر المنظمات الدولية من كارثة صحية في غزة مع عدم تلقي القطاع سوى مساعدات نادرة رغم صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي في هذا الصدد.
وحذّرت منظمة الصحة العالمية الثلثاء من أن قدرتها على تقديم المساعدات ودعم المستشفيات في قطاع "تتقلص".
ووصف عاملون في المنظمة مشاهد يائسة لمصابين بجروح خطرة بينهم اطفال، وهم يتوسلون للحصول على طعام في المستشفيات التي غادرها معظم الطواقم الصحية حفاظاً على سلامتهم.
وصرح شون كيسي منسق فرق الطوارئ الطبية في منظمة الصحة للصحافيين في جنيف عبر رابط فيديو من قطاع غزة "نرى هذه الكارثة الإنسانية تتكشف أمام أعيننا"، محذّراً "نشهد انهيار النظام الصحي بوتيرة متسارعة".
ويعكس سكان القطاع صعوبة الأوضاع في ظل حرب طويلة انعكست عليهم نزوحاً وتشرداً ونقصاً في أبسط مقوّمات العيش.
وقالت هديل شحاتة التي باتت تقيم في خيمة موقّتة بمدينة رفح في جنوب القطاع لفرانس برس "كل أحلامنا راحت... سنين راحت من عمرنا".
من جهته، قال إبراهيم سعدات "فقدنا الأمل... لا أمل في الوضع الذي نراه، خصوصاً أن لا ماء ولا كهرباء".
وأضاف: "من قلّة المياه بتنا نستحم مرة واحدة في الشهر وحالتنا النفسية تعبت وانتشرت الأمراض في كل مكان".