شنّت الولايات المتحدة وبريطانيا، فجر الجمعة، ضربات على أهداف في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، بعد استهدافهم على مدار أسابيع سفنا تجارية في البحر الأحمر تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا بين إسرائيل وحركة حماس.
وفي بيان مشترك، أكدت الولايات المتحدة وبريطانيا وثماني دول حليفة هي أوستراليا والبحرين وكندا والدانمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، أن الضربات تهدف إلى "خفض التصعيد في التوترات وإعادة الاستقرار إلى البحر الأحمر".
وقال الناطق العسكري باسم الحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء شاسعة من شمال اليمن أبرزها العاصمة صنعاء وهم جزء من "محور المقاومة" الموالي لإيران، إن الضربات استهدفت مواقع عسكرية في العاصمة صنعاء، ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة. ويضم محور المقاومة أيضًا حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني.
وقال المتحدث العسكري العميد يحيى سريع "أدتِ الغاراتُ إلى ارتقاءِ خمسةِ شهداءَ وإصابةِ ستةٍ آخرينَ من أبناءِ قواتِنا المسلحة"، متحدثًا عن تنفيذ "العدو" الأميركي البريطاني 73 غارة.
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ العملية تمت "بنجاح"، مؤكدا أنها "رد مباشر" على هجمات الحوثيين، فيما صرّح رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن الضربات كانت "ضروريّة" و"متناسبة".
وقال حلف شمال الأطلسي إنها ضربات "دفاعية وتهدف للمحافظة على حرية الملاحة في أحد الممرات المائية الأكثر حيوية في العالم. يجب أن تتوقف هجمات الحوثيين".
لكن الحوثيين قالوا إن هذه الضربات "لا مبرر" لها، متعهّدين مواصلة الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها.
في موسكو، ندد الكرملين بضربات "غير مشروعة" هي "انتهاك تام للقانون الدولي بهدف التصعيد في المنطقة".
ودعت الصين جميع الأطراف إلى "التهدئة وممارسة ضبط نفس لمنع اتساع رقعة النزاع".
كذلك دعت السعودية إلى "ضبط النفس" مشددة في الوقت نفسه على "أهمية الاستقرار" في المنطقة، فيما استنكرت سلطنة عُمان لجوء "دول صديقة" إلى عمل عسكري ضد اليمن.
لكن فرنسا رأت أن الحوثيين هم من يتحملون "مسؤولية التصعيد الإقليمي"، ودعتهم إلى وقف هجماتهم "على الفور".
ويعقد مجلس الأمن الدولي بعد الظهر اجتماعا طارئا بطلب من روسيا، حسبما أعلنت فرنسا التي تتولى رئاسة المجلس الدورية في كانون الثاني.
وتبحث دول الاتحاد الأوروبي اعتبارا من الثلثاء مسألة إرسال قوة بحرية أوروبية للمساعدة على حماية السفن في البحر الأحمر، على ما أفاد ديبلوماسيون.
غير أن وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليز أعلنت أن بلادها لن تشارك في مهمة أوروبية محتملة للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
- "رسالة واضحة" -
بعد أكثر من شهر من بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة إثر هجوم غير مسبوق شنته الحركة الإسلامية الفلسطينية في 7 تشرين الأول داخل جنوب إسرائيل، شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والمسيرات في البحر الأحمر، ما دفع العديد من شركات الشحن إلى تفادي المرور عبر باب المندب وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن ومدته بين أوروبا وآسيا.
ونشرت الولايات المتحدة سفنًا حربية وشكلت تحالفا دوليا في كانون الأول لحماية حركة الملاحة البحرية في المنطقة التي يمر عبرها 12% من التجارة العالمية.
والثلثاء، أسقطت ثلاث مدمرات أميركية وسفينة بريطانية وطائرات مقاتلة انطلقت من حاملة الطائرات الأميركية دوايت دي أيزنهاور، 18 طائرة مسيرة وثلاثة صواريخ أطلقها الحوثيون. ووجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يقوم بجولة في الشرق الأوسط تحذيرا للحوثيين، كما طالبهم مجلس الأمن الدولي بوقف هجماتهم "على الفور".
لكن يوم الخميس، أطلق الحوثيون صاروخا آخر مضادا للسفن، كان على ما يبدو وراء الرد الذي نفذته واشنطن ولندن الجمعة. وحذر الرئيس الأميركي من أنه "لن يتردد" في "اتخاذ إجراءات أخرى" إذا لزم الأمر.
وقال بايدن إن "هذه الضربات المُحدّدة الأهداف هي رسالة واضحة مفادها أنّ الولايات المتحدة وشركاءنا لن يتسامحوا مع الهجمات التي تستهدف قواتنا ولن يسمحوا لأطراف معادية بتهديد حرية الملاحة".
شن الحوثيون منذ 19 تشرين الثاني 27 هجومًا صاروخيًا وبطائرات مسيرة بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن إفريقيا، وفقًا للجيش الأميركي. وهم يؤكدون أنهم يستهدفون السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذي يشهد حربا مدمرة بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال رئيس الوزراء البريطاني "رغم التحذيرات المتكرّرة للمجتمع الدولي، واصل الحوثيّون تنفيذ هجمات في البحر الأحمر، مرّة أخرى هذا الأسبوع ضدّ سفن حربية بريطانيّة وأميركيّة... لذا اتّخذنا إجراءات محدودة وضروريّة ومتناسبة دفاعا عن النفس".
وذكرت وسائل الإعلام الأميركية أن طائرات مقاتلة وصواريخ توماهوك استُخدمت في العملية المشتركة. وقالت واشنطن إنها استفادت من دعم أوستراليا وكندا وهولندا والبحرين. وقالت لندن إنها نشرت أربع طائرات مقاتلة من طراز تايفون FGR4 للإغارة بقنابل موجهة بالليزر على موقعين "يطلق" الحوثيون منهما المسيرات أحدهما في منطقة عبس.
- "ثمن باهظ" -
إثر الضربات، توعّد نائب وزير الخارجيّة في حكومة الحوثيّين حسين العزي بالردّ، قائلا "تعرّضت بلادنا لهجوم عدوانيّ واسع من سفن وغوّاصات وطائرات حربيّة أميركيّة وبريطانيّة... يتعيّن على أميركا وبريطانيا الاستعداد لدفع الثمن باهظا".
وأكد المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين الجمعة في بيان أن كل المصالح الأميركية والبريطانية صارت "أهدافاً مشروعة" لهم.
وتظاهر مئات آلاف اليمنيين في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء تنديدا بالضربات الأميركية والبريطانية تحت شعار "الفتح الموعود والجهاد المقدس".
ونددت إيران بالضربات وقال الناطق باسم خارجيتها ناصر كنعاني إنها "عمل تعسفي وانتهاك واضح لسيادة اليمن ووحدة أراضيه وانتهاك للقوانين والأعراف الدولية".
وعبر تلغرام كتبت حركة حماس "ندين بشدة العدوان الأميركي والبريطاني السافر على اليمن ونحمّلهما مسؤولية تداعياته على أمن المنطقة".
كذلك ندد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان برد "غير متناسب" وقال إن "أميركا وإسرائيل تستخدمان القوة غير المتناسبة نفسها ضد الفلسطينيين والبريطانيين يسيرون على خطى الولايات المتحدة".
وأدى هجوم حركة حماس في إسرائيل إلى سقوط نحو 1140 قتيلاً، معظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استناداً إلى تقارير إسرائيلية. ردا على ذلك، تشن إسرائيل حملة قصف مدمرة وعمليات برية، ما أسفر عن سقوط 23708 قتيلا معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة التابعة لحماس.
وأثارت الحرب في غزة مخاوف من اتساع رقعة النزاع مع تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة وحصول تبادل إطلاق نار شبه يومي بين حزب الله والقوات الإسرائيلية عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتزايد الهجمات على قواعد تضم قوات أميركية في العراق وسوريا.