استدعت بغداد، الثلثاء، سفيرها في طهران للتشاور وندّدت بضربات إيرانية بصواريخ بالستية في إقليم كردستان العراق وسوريا المجاورة وضعتها الجمهورية الإسلامية في إطار "الحق المشروع" في الدفاع عن أمنها بعد هجمات طالتها في الآونة الأخيرة.
وتأتي هذه الضربات التي دانتها الولايات المتحدة وأطراف دولية، في سياق توتر متصاعد في الشرق الأوسط ومخاوف من نزاع إقليمي شامل على خلفية الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) المنضوية ضمن ما يعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده طهران في المنطقة.
وأعلن الحرس الثوري الإيراني ليل الإثنين الثلثاء أنه استهدف "مقرات تجسس وتجمع الجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في المنطقة"، مؤكدا تدمير "مقر لجهاز الموساد الصهيوني" في إقليم كردستان العراق وتجمعات لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
واستدعت وزارة الخارجية العراقية سفيرها في طهران للتشاور "على خلفية الاعتداءات الإيرانية الأخيرة على أربيل، والتي أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين".
وأفادت سلطات الإقليم بمقتل "أربعة مدنيين" على الأقلّ وإصابة ستة آخرين. ومن بين القتلى رجل الأعمال البارز في مجال العقارات بشراو دزيي وزوجته.
وأفاد مراسل لوكالة فرانس برس أنّ الصواريخ أصابت منطقة سكنية راقية في الضاحية الشمالية الشرقية لأربيل. وأظهرت صور من المكان مبنى على الأقل من طبقتين مدمّرا بشكل شبه كامل.
واعتبرت بغداد أن الضربات "عدوان على سيادة العراق وأمن الشعب العراقي"، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات منها "تقديم شكوى إلى مجلس الأمن" الدولي.
وندّد رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بـ"هذه الجريمة ضد الشعب الكردي". ودعا الحكومة الاتحادية إلى اتّخاذ "موقف صارم ضدّ هذا الانتهاك للسيادة العراقية".
والتقى بارزاني وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية الثلثاء.
وأكد المسؤول الكردي أن "هذه الهجمات غير مبرّرة وغير مشروعة، وعلى المجتمع الدولي ألّا يظل يلتزم الصمت" تجاهها، بحسب بيان لحكومة الإقليم.
- "العقاب العادل" -
في طهران، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن الجمهورية الإسلامية "لن تتردد في استخدام حقها المشروع للتعامل الرادع مع مصادر تهديد الأمن القومي والدفاع عن أمن مواطنيها".
وأوضح أن القصف "جزء من ردّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أولئك الذين يتخذون إجراءات ضد الأمن القومي الإيراني وأمن المواطنين"، ويأتي في إطار "العقاب العادل" ضد "المعتدين على أمن البلاد".
وسبق للحرس الثوري أن قصف أربيل بصواريخ بالستية في آذار 2022، وأشار في حينه الى استهداف "مقر" لجهاز الموساد. ونفت سلطات الإقليم يومها تواجد الاستخبارات الإسرائيلية.
وفي بيانه ليل الإثنين الثلثاء، أكد الحرس الثوري تدمير مقر للموساد أيضا، وذلك في إطار الرد "على الأعمال الشريرة الأخيرة للكيان الصهيوني والتي أدّت إلى استشهاد قادة من الحرس الثوري ومحور المقاومة".
وقتل خلال الأسابيع الماضية القيادي في الحرس الثوري رضي موسوي قرب دمشق، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، والقيادي العسكري في حزب الله وسام الطويل في جنوب لبنان، في عمليات نسبت الى الدولة العبرية.
وبحسب بيان الحرس الثوري، فإنّ المقرّ المستهدف "كان مركزاً لتوسيع العمليات التجسّسية والتخطيط للعمليات الإرهابية بالمنطقة وداخل إيران على وجه الخصوص".
لكن مسؤولا عراقيا بارزا اعتبر أن وجود مقر للموساد هو ادعاء "باطل".
وقال مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي بعد تفقده المكان "تجولنا في كل زاوية من هذا البيت وكل شي يدل على أنه بيت عائلي للسيد رجل الأعمال العراقي من أهالي أربيل، وبالتالي هذا الادعاء باطل وغير صحيح".
- تنديد أميركي -
وتجد حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الحليف لطهران، نفسها في موقع دقيق لموازنة علاقتها بين العدوين اللدودين، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة.
وندّدت المتحدّثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون بـ"سلسلة ضربات متهوّرة وغير دقيقة"، مؤكّدة أنّه "لم يتمّ استهداف أيّ طواقم أو منشآت أميركية" في كردستان.
ودان المتحدّث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر "بشدة" الهجمات، مضيفا "نحن نعارض الضربات الإيرانية الصاروخية المتهوّرة التي تقوّض استقرار العراق".
واعتبر وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن "هذه الأعمال غير المبررة وغير المسوغة هي انتهاك غير مقبول لسيادة العراق وسلامة أراضيه".
ودانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) "بشدة" الضربات الإيرانية. وشددت عبر "إكس" على "ضرورة أن تتوقف الهجمات التي تنتهك سيادة العراق وسلامة أراضيه من قبل أي جانب".
ويجد العراق نفسه في خضم التوترات الإقليمية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة. وتعرضت قواعد عسكرية على أراضيه حيث تتواجد قوات أميركية أو من التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين، لهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ تبنّتها فصائل موالية لطهران.
وسبق للولايات المتحدة أن نفذت ضربات في العراق استهدفت هذه الفصائل، آخرها في مطلع كانون الثاني أسفرت عن مقتل قيادي عسكري في حركة النجباء التي تشكل جزءا من قوات الحشد الشعبي.
- ردّ على هجوم كرمان -
كما تتبنى هذه الفصائل توجيه ضربات عبر الحدود نحو قواعد في سوريا.
وطالت الصواريخ الإيرانية سوريا كذلك.
وأكد الحرس أنه استهدف "أماكن تجمّع القادة والعناصر الرئيسية للإرهابيين (...) وخصوصا تنظيم داعش، في الأراضي المحتلّة في سوريا".
وقال إنّ قصفه هذا أتى "ردّاً على الفظائع الأخيرة للجماعات الإرهابية التي أدّت إلى استشهاد مجموعة من مواطنينا الأعزاء في كرمان وراسك".
وفي الثالث من كانون الثاني، وقع تفجيران انتحاريان في مدينة كرمان بجنوب إيران قرب مرقد القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وذلك خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الرابعة لمقتله بغارة أميركية في العراق.
والتفجيران اللذان تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية، أوقعا نحو 90 قتيلاً وعشرات الجرحى.
وفي كانون الأول، قتل 11 شرطياً إيرانياً في محافظة سيستان-بلوشستان في جنوب شرق إيران تبناه تنظيم "جيش العدل" السني المتطرف.