شنّت إسرائيل ليل الثلثاء الأربعاء غارات جوية مكثفة على مناطق في جنوب غزة، بعد ساعات من إعلان توصل الدولة العبرية و"حماس" بوساطة قطرية، إلى اتّفاق يتيح إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع المحاصر وأدوية للرهائن المحتجزين لدى الحركة.
وأفاد مراسلو "وكالة فرانس برس" بوقوع ضربات جوية ليلاً قرب مستشفى ناصر في خان يونس كبرى مدن جنوب القطاع حيث تتركز العمليات العسكرية منذ أسابيع.
وأشار شهود إلى أنّ الغارات أثارت الذعر لدى مئات النازحين الذين لجأوا إلى المستشفى، بينما أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" أنّ القصف اللّيلي على خان يونس ومناطق أخرى في قطاع غزة، أدّى إلى مقتل 81 شخصاً على الأقل.
وقال مكتب الإعلام الحكومي التابع لـ"حماس" إنّ "الاحتلال يشن عشرات الغارات الجوية ويواصل القصف المدفعي المكثّف في أعنف وأشرس عدوان اللّيلة على خان يونس" منذ بدء الحرب.
واندلعت الحرب بعد هجوم غير مسبوق شنّته حركة "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول أدّى إلى مقتل نحو 1140 شخصاً.
وردّاً على الهجوم، تعهّدت إسرائيل "القضاء" على "حماس" وتشن منذ ذلك الحين حملة كثيفة من القصف والغارات المدمرة أتبعتها بهجوم بري اعتباراً من 27 تشرين الأول، ما أدّى إلى مقتل 24448 شخصاً غالبيّتهم من النساء والفتية والأطفال، بحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لـ"حماس".
وأطبقت إسرائيل حصارها على القطاع منذ التاسع من تشرين الأول، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء والوقود. ومنذ بدء الحرب، تدخل المساعدات الإنسانية بشكل متقطّع بعد الموافقة الإسرائيلية عليها. وتؤكد الأمم المتحدة ومنظمات دولية أنّ الكمية تبقى أقل بكثير مما يحتاجه 2,4 مليون نسمة يقطنون القطاع.
وحذّرت الأمم المتحدة من الوضع "الكارثي" وخطر الجوع الذي يتهدّد القطاع حيث بات 85 في المئة من أهله نازحين يقيمون في مدارس تابعة للمنظمة الدولية أو لدى أقارب أو في مخيمات عشوائية تعاني ظروفاً مأسوية خصوصاً في أيام المطر والبرد.
ونظراً للدمار الذي لحق بمناطق واسعة جراء القصف والعمليّات العسكرية، يواجه سكان القطاع صعوبة في إيجاد مكان للعيش حتى متى انتهت الحرب.
وأظهر فيديو لـ"فرانس برس" دماراً واسعاً في مخيم المغازي وسط القطاع الثلثاء، حيث هدمت مبانٍ بأكملها، وغطى الركام الطرق والشوارع. وعمل سكان على البحث بين الحطام علّهم يعثرون على حاجيات لا تزال صالحة للاستخدام.
وقالت فاطمة المصري وهي تقف أمام مبنى تعرّض لدمار واسع "حسبي الله ونعم الوكيل. الجيش الإسرائيلي قتلوا الشباب والأطفال ودمّرونا ورمونا في الصقيع والبرد، لكننا صامدون".
- أدوية ومساعدات -
وأضافت متوجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أسراك عندنا، اذا أردت أن تحصل عليهم، فُكّ الحرب".
وخلال هجوم حماس "خُطف" نحو 250 شخصاً واحتجزوا رهائن، لا يزال 132 منهم في القطاع، وفقًا للسلطات الإسرائيلية. وقضى 27 رهينة في الأسر وفق تعداد لفرانس برس بناء على أرقام معلنة.
كذلك أطلق سراح أكثر من مئة رهينة بموجب هدنة في أواخر تشرين الثاني، لقاء الإفراج عن 240 معتقلاً فلسطينيّاً من سجون إسرائيلية، وفق وساطة قادتها قطر بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة.
وأعلنت الدوحة الثلثاء أنّ إسرائيل و"حماس" توصلتا بوساطتها وبالتعاون مع باريس إلى اتفاق "يشمل إدخال أدوية وشحنة مساعدات إنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة، لا سيما في المناطق الأكثر تأثراً وتضرراً، في مقابل إيصال الأدوية التي يحتاج إليها المحتجزون في القطاع".
وأعلن المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أنّ "الأدوية والمساعدات سترسل غداً (الأربعاء) إلى مدينة العريش" المصرية "على متن طائرتين تابعتين للقوات المسلحة القطرية، تمهيداً لنقلها إلى قطاع غزة".
وأكد نتنياهو الاتفاق موضحاً أنّ "الأدوية ستنقل بواسطة ممثلين قطريين في قطاع غزة إلى وجهتها النهائية".
بدوره، أبدى البيت الأبيض الثلثاء "تفاؤله" بشأن المباحثات التي تجرى بوساطة قطرية للتوصل إلى اتفاق جديد للإفراج عن رهائن محتجزين في غزة.
وأوضح الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جو كيربي: "لا أريد أن أقول الكثير بما أن لدينا مباحثات وكلنا أمل بأن تؤتي ثمارها قريباً".
- خطر "على المدى الطويل" -
وباستثناء هدنة الأيام السبعة أواخر تشرين الثاني، تواصلت الحرب بلا هوادة منذ السابع من تشرين الأول. وينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف من الجو والبر والبحر، إضافة إلى عملياته البرية داخل القطاع. في المقابل، تُعلن حماس وفصائل أخرى أبرزها حركة الجهاد الإسلامي، أن عناصرها يواصلون التصدي للجنود الإٍسرائيليين في الميدان، وإطلاق رشقات صاروخية نحو إسرائيل.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جنديين إضافيين في قطاع غزة، ليرتفع عدد جنوده الذين قُتلوا منذ بدء الهجوم البرّي الإسرائيلي في 27 تشرين الأول، إلى 192 جندياً.
وحذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلثاء من أنّ مواصلة إسرائيل تنفيذ عمليات عسكرية غير دقيقة في غزة يطرح "خطراً على أمنها على المدى الطويل"، داعياً مجدداً إلى وقف لإطلاق النار.
وقال ماكرون: "أقول ذلك لأنه يصبّ أمنياً في مصلحة إسرائيل على المدى الطويل بينما الاستمرار في شنّ عمليات كما تشنّ الآن يشكّل مخاطرة على المدى الطويل نظراً لما يخلّفه في المنطقة برمّتها على أمن إسرائيل نفسها".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أعلن الإثنين أنّ العمليات المكثّفة في جنوب القطاع ستنتهي "قريباً"، من دون أن يحدّد مدى زمنيّاً.
وأثارت الحرب في غزة مخاوف من اتساع نطاق التصعيد، إنّ في الضفة الغربية المحتلة حيث تزايدت الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية وهجمات المستوطنين، أو على جبهات إقليمية أخرى مثل الحدود الإسرائيلية-اللبنانية حيث يتم تبادل القصف يوميّاً بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، أو في منطقة البحر الأحمر مع الهجمات التي يشنّها الحوثيون في اليمن ضد سفن تجارية يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل.
وأعلن مسؤول أميركي الثلثاء أنّ قوات بلاده شنّت ضربات استهدفت أربعة صواريخ كانت تهدّد سفناً مدنية وعسكرية.
وأتى ذلك بعد ساعات من تبنّي الحوثيين استهداف سفينة يونانية في البحر الأحمر.
وأكّد ماكرون الثلثاء أنّ فرنسا قرّرت "عدم الانضمام" للتحالف الذي تقوده واشنطن لتوجيه ضربات ضدّ الحوثيين "لتجنّب التصعيد" في المنطقة.
ودفعت هذه الهجمات وتصعيد التوتر العسكري في هذا الممر البحري الحيوي، بعدد من شركات الشحن والطاقة الى تحويل مسار سفنها لتفادي المنطقة.
وأكّدت ثلاث شركات يابانية للشحن البحري الأربعاء أنها علقت مرور سفنها في البحر الأحمر على خلفية تصاعد التوتر. وقال متحدّث باسم "نيبون يوسن" لوكالة فرانس برس إنّ الشركة اتّخذت القرار "لضمان سلامة الطواقم"، بينما أكدت "ميتسوي أو إس كيه لاينز" و"كواساكي كيسن" أيضاً الإجراء ذاته.
أفادت وسائل إعلام أميركية الثلثاء أنّ الولايات المتّحدة قرّرت إعادة إدراج الحوثيين على قائمتها للمنظمات "الإرهابية" على خلفية مهاجمة السفن.