ينتظر حافظ غزاونة في متجره الصغير في البيرة في الضفة الغربية المحتلة الزبائن بفارغ الصبر، فمنذ 7 تشرين الأول لم يشتر منه سوى عدد قليل من الناس السندويشات والفلافل.
قبل الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الإسلامية في قطاع غزة، كان العديد من الحرفيين من الورش المجاورة يأتون الى محل غزاونة لشراء وجبة الإفطار أو الغداء.
ويقول غزاونة لوكالة فرانس برس "الآن يحضرون وجباتهم اليومية معهم من منازلهم، لأن الوضع صعب للغاية بالنسبة لهم أيضاً".
ويخشى غزاونة أن يضطر إلى إغلاق محله إذا استمرت الحرب، خاصة وقد انخفض دخله خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويقول إنه كان يكسب 8000 شيكل تقريباً (حوالى 1950 يورو) شهريًا لكن في هذه الايام لا يدر عمله عليه سوى 2000 شيكل (480 يورو) شهريا.
ومنذ 7 تشرين الاول تأثر الاقتصاد الفلسطيني سلبا، وقدر البنك الدولي في كانون الأول أن الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني قد ينخفض بنسبة 6 في المئة في عام 2024.
وأعلنت منظمة العمل الدولية في كانون الأول فقدان "32 في المئة من الوظائف" في الضفة الغربية، "أي ما يعادل 276 ألف وظيفة".
يعاني من البطالة في الأراضي الفلسطينية وفق التقديرات "حوالى 30 في المئة من السكان"، بينما كانت النسبة قبل الحرب بحدود 14 في المئة، كما يقول طاهر اللبدي الباحث في الاقتصاد السياسي في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط.
كما سحبت إسرائيل عقب اندلاع الحرب 130 ألف تصريح عمل من الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتركتهم دون دخل.
والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، مفصولة عن الأراضي الإسرائيلية بجدار، ولا يستطيع سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة الذهاب إلى هناك دون تصريح.
من جهته، يعتبر بشارة جبران مدير شركة الصناعات العربية لمواد التنظيف والتجميل في المنطقة الصناعية في رام الله نفسه محظوظا إذ أنه لم يسرح أيا من موظفيه البالغ عددهم 70 موظفا.
لكن عمله تعرض لضربة قوية عقب اندلاع الحرب حيث تم إغلاق خط إنتاج الصابون المصنوع من مكونات من البحر الميت بالكامل منذ 7 تشرين الأول.
وإجمالا، تسبب توقف هذا الإنتاج في خسارة 200 ألف دولار (183 ألف يورو) عام 2023، وهو يتوقع ان يخسر ذات المبلغ خلال العام 2024 مع استمرار الحرب.
رغم ذلك، يواصل بيع المنظفات المخصصة للغسيل والمنتجات المنزلية الأخرى في السوق الفلسطينية، و"المنتجات الأساسية" للمنازل، مما يبقي المصنع قيد العمل.
وكان جبران يعتمد في صادراته على سوق غزة بنسبة 20%لكن لم تعد أي من بضائعه تدخل إلى غزة. ويوضح أن تكاليف النقل في الضفة الغربية ارتفعت بسبب انتشار نقاط التفتيش وإغلاق بعض البلدات من قبل الجيش الإسرائيلي.
اقتصاد "مختنق"
يقول بشارة "أحياناً يستغرق الأمر للشاحنة أربع أو خمس ساعات للوصول إلى نابلس في الشمال، وعند وصولها لا يستطيع السائق دخول المدينة بسبب حواجز واغلاقات، فيعود" أدراجه.
يضيف أنه الآن يقوم "بتسليم واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام، بينما في السابق، كنا نسلم اثنتين يوميا".
وقد أدت هذه العوامل إلى "انكماش الاقتصاد" الذي يعمل الآن بنسبة 50 في المئة فقط من طاقته كما يقول عبده إدريس رئيس غرف التجارة الفلسطينية.
ومع الحرب، كان الاقتصاد الفلسطيني "مختنقًا" بالفعل ومعتمدًا بشكل كبير على إسرائيل، كما يؤكد طاهر اللبدي.
ومع أن اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، حافظت على "الوضع السياسي الراهن"، فقد وعدت "بالتنمية الاقتصادية" التي "من شأنها أن تجمع الأطراف المختلفة معا"، كما أوضح اللبدي.
لكن هذا الوضع الراهن تم تقويضه "بسبب الاحتلال في الضفة الغربية. مع تقسيم الأراضي، لم تحدث هذه التنمية الاقتصادية".
ويوضح أنه نتيجة لذلك، في فترات الأزمات، يجد الاقتصاد الفلسطيني الذي يزداد ضعفا نفسه "محروما من جميع موارده ولديه قدرة محدودة للغاية على الصمود".
وكمثال على هذا الاعتماد، تسيطر إسرائيل على حدود الضفة الغربية وتقوم بجمع الضرائب على المنتجات الفلسطينية والتي يجب عليها بعد ذلك تحويلها إلى السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، منذ 7 تشرين الاول، لم يتم دفع هذه الضرائب.
بدون أموالها، فإن السلطة الفلسطينية "تواجه صعوبة في دفع رواتب موظفيها المدنيين ونفقاتها الجارية"، كما يوضح اللبدي.
وبحسب وزارة المالية الفلسطينية فان اسرائيل من المفترض ان تحول شهريا قيمة الضريبة المستحقة للسلطة الفلسطينية البالغة حوالى 600 مليون شيكل (150 مليون يورو)، لكنها لم تحول هذه المبالغ منذ تشرين الاول.
وأعلنت اسرائيل نيتها خصم نسبة من هذه المبالغ والتي كانت السلطة الفلسطينية تخصصها لعملها في قطاع غزة، لكن السلطة الفلسطينية رفضت هذه الخصومات، ما أدى الى تعليق تحويل المبالغ وتراكمها لتصل تقريبا الى مليار و800 مليون شيكل (450 مليون يورو).
وبحسب موظفين حكوميين اتصلت بهم وكالة فرانس برس، فإن رواتب شهر كانون الاول/ديسمبر لم تُدفع بعد. وفي تشرين الثاني، حصلوا على 65% فقط من رواتبهم و50% في تشرين الأول/اكتوبر.
يؤكد بشارة جبران أن "الوضع أسوأ مما كان عليه خلال الانتفاضة الثانية" (2000-2005) قائلا "حينها كنا نعرف ما يمكن توقعه".
ويضيف بقلق "من الآن فصاعدا الخوف من المجهول يقتلنا"، ومن المستحيل وضع ميزانية أو توقعات للمبيعات "لأننا لا نعرف ما إذا كنا سنتمكن من الذهاب إلى العمل غدًا أم لا".