نفّذت الولايات المتّحدة وبريطانيا ليل الاثنين الثلثاء جولة جديدة من الضربات على أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، في إطار عملياتها لردع الحوثيين عن مواصلة استهداف سفن تجارية تضامنًا مع الفلسطينيين في حربهم مع إسرائيل.
وشنّت القوّات الأميركيّة والبريطانيّة في وقت سابق من الشهر الحالي ضربات مشتركة ضد الحوثيين، فيما نفّذت الولايات المتحدة وحدها المزيد من الغارات ضد مواقع تضم صواريخ قالت إنها تمثّل تهديداً وشيكاً للسفن المدنية والعسكرية على حد سواء.
لكن الحوثيين تعهّدوا مواصلة هجماتهم التي تمثّل جانباً واحداً فقط من الأزمة المتصاعدة في الشرق الأوسط المرتبطة بالحرب بين إسرائيل وحماس والتي فاقمت التوتر في أنحاء المنطقة وأثارت مخاوف من اتساع رقعة النزاع.
وكتب المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع على منصّة "إكس" الثلثاء: "شن طيران العدوان الأمريكي البريطاني 18 غارة جوية خلال الساعات الماضية توزعت كالتالي: 12 غارة على أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء. ثلاث غارات على محافظة الحديدة. غارتان على محافظة تعز. غارة على محافظة البيضاء".
وحذّر من أن "هذه الاعتداءات لن تمر من دون رد وعقاب".
وكانت واشنطن ولندن قد أكدتا في بيان أصدرتاه ليلًا بالاشتراك مع دول أخرى شاركت في إسناد هذه الضربات، أنّ قواتهما شنّت "جولة جديدة من الضربات المتكافئة والضرورية على ثمانية أهداف حوثية في اليمن ردّاً على الهجمات الحوثية المتواصلة ضدّ الملاحة والتجارة الدولية وضدّ سفن تعبر البحر الأحمر".
وأوضح البيان أنّ هذه "الضربات الدقيقة" هدفت إلى تقويض "القدرات التي يستخدمها الحوثيون لتهديد التجارة الدولية وأرواح بحارة أبرياء".
وفي بيان منفصل، أوضحت القيادة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط (سنتكوم) أنّ "الأهداف شملت أنظمة صواريخ ومنصات لإطلاق الصواريخ، وأنظمة دفاع جوي ورادارات ومرافق لتخزين الأسلحة مدفونة بعمق تحت الأرض".
وأفاد سكان في العاصمة صنعاء وكالة فرانس برس عن سماع دويّ انفجارات عنيفة حوالى منتصف الليل بالتوقيت المحلي (الساعة 21,00 ت غ).
- "تراجع بنسبة 22 في المئة" -
من جانبه، أكّد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الثلثاء أنّ لندن ستواصل الردّ على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في حال استمرّت.
كما أكد وزير خارجيّته ديفيد كاميرون أنّ الضربات الجديدة تبعث "الرسالة الأكثر وضوحا بأننا سنواصل إضعاف قدرة (الحوثيين) على تنفيذ هجمات".
ومنذ منتصف تشرين الثاني، ينفّذ الحوثيون اليمنيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، تضامنًا مع قطاع غزة الذي يشهد حربًا بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من تشرين الأول.
وعلى إثر الضربات الغربية، بدأ الحوثيون يستهدفون السفن الأميركية والبريطانية في المنطقة معتبرين أن مصالح البلدين أصبحت "أهدافًا مشروعة".
ويؤكد الحوثيون أنهم سيواصلون "منع السفن الإسرائيلية" من عبور البحر الأحمر وخليج عدن حتى نهاية الحرب في غزة و"الرد على أي هجوم" ضد اليمن.
وفي السياق، أعلن المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي الثلثاء أنّ حركة الملاحة للشحن البحري عن طريق البحر الأحمر تراجعت بنسبة 22 في المئة خلال شهر واحد، بسبب مهاجمة السفن.
وقال فالديس دومبروفسكيس للصحافيين "هذا الانخفاض يجب أن يكون أكبر الآن، بعدما قامت شركات الشحن بتغيير مسار سفنها حول رأس الرجاء الصالح".
في نيويورك، صرح وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الاثنين بأن بلاده وجهت "رسالة وتحذيرًا جديًا للأميركيين" مفادهما أن ضرباتهم بالاشتراك مع بريطانيا في البحر الأحمر واليمن تمثّل "تهديدا للسلام والأمن وتصعيدا لنطاق الحرب في المنطقة"، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية.
وأوضح أن "في الوقت الذي شنّت فيه أمريكا وبريطانيا اعتداءاتهما على اليمن، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن حوالي 230 سفينة تجارية ونفطية كانت تتحرك في البحر الأحمر" مشيرًا إلى أن السفن تلقت "رسالة اليمنيين جيداً بأن السفن المتجهة الى موانئ کیان الاحتلال الصهیوني هي فقط التي يوقفها اليمنيون".
وأكد أمير عبد اللهيان أنه أبلغ نظيره البريطاني خلال لقائهما الأسبوع الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أنّ "ما قاموا به من تصعید التوتر في البحر الأحمر وضد اليمن كان خطأ استراتيجيا".
والحوثيون جزء من "محور المقاومة" الذي تقوده إيران ويضمّ أطرافًا أخرى تدعمها طهران مثل حزب الله اللبناني وفصائل عراقية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
وتقدّم الجمهورية الإسلامية دعمًا سياسيًا للحوثيين لكنّها تنفي تقديمها الدعم العسكري لهم.
في هذه الأثناء، أفاد مسؤول في لأمم المتحدة وكالة فرانس برس الثلثاء، بأنّ الحوثيين منحوا الأميركيين والبريطانيين العاملين في الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم شهراً للمغادرة.
وفي رسالة صادرة بتاريخ 20 كانون الثاني، وتمّ تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي، أبلغت السلطات التابعة للحوثيين في صنعاء، مكتب المنسّق المقيم للأمم المتحدة في اليمن، و"من خلاله جميع المنظمات الإنسانية" بأنّ الموظفين الذين يعملون لدى الأمم المتحدة ولدى هذه المنظمات والذين يحملون الجنسية البريطانية أو الأميركية، أمامهم شهر واحد "للاستعداد لمغادرة البلاد".
- "استهداف مدروس" -
وأفاد مسؤول عسكري أميركي رفيع بأن ضربات الاثنين نُفّذت باستخدام ذخيرة موجّهة بدقة أُطلقت من الطائرات الأميركية والبريطانية وصواريخ كروز من طراز "توماهوك".
وأكد للصحافيين عدم وجود أي مخاوف من إمكانية سقوط ضحايا مدنيين في المواقع التي تم استهدافها، فيما لم تتضح بعد الخسائر في صفوف الحوثيين.
وقال إن "الاستهداف كان محددا للغاية... ومدروسا جدا لاستهداف الإمكانيات التي يستخدمونها لمهاجمة السفن في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. لم يتم اختيارها عمدا للتسبب بسقوط ضحايا، بل كان الهدف أنظمة الأسلحة".
وخلال الليل، ذكرت قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحوثيين أنّ طائرات أميركية وبريطانية استهدفت "بأربع غارات قاعدة الديلمي الجوية شمال العاصمة".
وبالإضافة إلى التحرّك العسكري، تسعى واشنطن للضغط ديبلوماسيا وماليا على الحوثيين إذ أعادت إدراجهم على لائحتها للكيانات "الإرهابية" الأسبوع الماضي. وعام 2021، ألغت إدارة الرئيس جو بايدن ادراج الحوثيين في قائمة "الإرهاب" بعدما أدرجتهم إدارة سلفه دونالد ترامب.