فيما تتواصل المعارك الضارية والقصف المدمر في قطاع غزة، تكثفت الجهود الديبلوماسية في الأيام الأخيرة لا سيما من جانب الولايات المتحدة ودول عربية على أمل التوصل إلى تسوية دائمة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ولو أن التنازلات المطلوبة تبدو اليوم بمثابة شروط مستحيلة.
وإسرائيل في حالة نزاع متفاوت الحدة مع جيرانها منذ إنشائها في 1948. إلا ان حملتها العسكرية على حركة حماس الإسلامية الفلسطينية التي سيطرت على قطاع غزة في 2007، تبدو الأكثر تدميرا في تاريخها.
وبعدما سقطت القضية الفلسطينية من أولويات الأسرة الدولية، تغيرت المعطيات الآن مع احتمالات التصعيد الخطرة وضراوة المعارك الدائرة.
يقول إلداد شافيت من معهد دراسات الأمن الوطني في تل أبيب "تكرس إسرائيل الجزء الأكبر من جهودها للترويج لخطة تحدد المشهد الإقليمي بعد الحرب مع أنه من الواضح أن الطريق سيكون طويلا".
ويوضح أن الإدارة الأميركية "حددت، ربما للمرة الأولى بهذا الوضوح، استعدادا لذلك في الجانب العربي، وإن رُبط بشرط إحراز تقدم باتجاه حل للمسألة الفلسطينية".
وزار بريت ماغورك مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط الثلثاء القاهرة للبحث في "هدنة" والافراج عن الرهائن المحتجزين في غزة.
ويتوجه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام برنز إلى أوروبا للقاء نظيريه الإسرائيلي والمصري ورئيس الوزراء القطري في الأيام المقبلة على ما ذكرت وسائل إعلام أميركية من دون أن تحدد المكان.
- "اختبار الحقيقة" -
إلا ان العوائق أمام تحقيق السلام لا تزال هائلة.
فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارا وتكرارا أن السبيل الوحيد لتحرير الرهائن هو في القضاء على حركة حماس. وفي هذا السياق شن حملة عسكرية واسعة أسفرت عن مقتل أكثر من 26 ألف فلسطيني غالبيتهم من النساء والفتية والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
وأتى ذلك ردا على هجوم غير مسبوق شنته حركة حماس داخل إسرائيل في السابع من تشرين الأول أدى إلى مقتل 1140 شخصا غالبيتهم من المدنيين وفق تعداد أعدته وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
وخُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا لا يزال 132 منهم محتجزين في قطاع غزة، بحسب السلطات الإسرائيلية. ويرجح أنّ 28 على الأقل لقوا حتفهم.
وتنظر الديبلوماسيات العربية والغربية خصوصا بقلق إلى انزلاق المنطقة نحو الفوضى في حال فتح جبهة ثانية رئيسية بين إسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة اخرى وبينهم حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن.
وتدعو إلى مباحثات في أجواء انعدام ثقة وكراهية غذاها النزاع المستمر منذ عقود. ويوضح جيمس دورسي من كلية س. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة "الأمر يتعلق أكثر بالإرادة السياسية وباختبار للحقيقة" منه الديبلوماسية.
- تنسيق المقاربات -
ويؤكد "الطرف الوحيد القادر على التأثير على الإسرائيليين هو الولايات المتحدة. إلا أن الضغط الأميركي يشمل المسائل التكتيكية" مثل حماية المدنيين وإيصال المساعدة الإنسانية إلى قطاع غزة. ويضيف "لكنهم لم يتطرقوا مع الإسرائيليين إلى المسائل الجوهرية".
والدول العربية بحاجة أيضا إلى منطقة أكثر أمانا، ما دفع بعضها إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل في لعام 2020.
إلى جانب الدوحة والقاهرة، للأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دور تلعبه، على ما كتبت بهذا الشأن مديرة كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن لينا الخطيب في كانون الأول/ديسمبر.
وأضافت "لو تمكنت من تنسيق مقارباتها لامتلكت فرصا أكبر في تحقيق نتيجة تفيدها جميعا : عملية سلام إسرائيلية فلسطينية تساعد في حصولها (..) واستراتيجية أفضل لمواجهة إيران".
وتؤكد International Crisis Group المتخصصة في تسوية النزاعات، أن الأسلحة يجب أن تصمت قبل التمكن من تحقيق أي تقدم.
وكتبت المجموعة "بانتظار حصول وقف لإطلاق النار، سيكون من المهم للاعبين الذين يتمتعون بنفوذ على الأطراف أن يمنعوهم من السقوط في الهاوية"، مشيرة الى التوترات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني عند حدود الدولة العبرية الشمالية.
وتبقى الديبلوماسية الملاذ الأخير. ويقول كولن كلارك مدير الأبحاث في مركز صوفان سنتر في نيويورك إن التاريخ يزخر بأمثلة عن حركات تمرد و"جماعات إرهابية" استحالت أطرافا تضمن الاستقرار بعد تنازلات هائلة.
ومن بين هؤلاء الرئيس الجنوب إفريقي نلسون مانديلا الحائز جائزة نوبل للسلام والذي كانت تصنفه واشنطن "إرهابيا". وكذلك القوات المسلحة الثورية في كولومبيا (فارك) التي دخلت البرلمان في العام 2018.
ويصنف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حركة حماس "منظمة إرهابية".
ويشدد كلارك على أنه "يجدر بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تحديد شخصيات معتدلة داخل حماس" والتباحث مع الذين "قد ينبذون الإرهاب".
ويؤكد "التوصل إلى اتفاق يتطلب تنازلات رئيسية من كل الأطراف والتي قد تبدو هائلة راهنا. ويتطلب حلا دائما أكثر من معالجة شكلية للمطالب الفلسطينية".