مع بدء موسم الجراد الصحراوي، انتشرت فيديوهات عدّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر وصفات جديدة ومبتكرة للجراد، الذي يبدأ موسمه في فصل الشتاء، ويستوطن صحاري الجزيرة العربية في المملكة العربية السعودية واليمن وعمان والسودان وموريتانيا وأثيوبيا وشمال أفريقيا، ومناطق جنوب غرب آسيا الممطرة.
وبعد تداول فيديو "الجراد برغر" على نطاق واسع، تواصلت "النهار" مع مدوّنة سعودية عبر تطبيق "تيك توك"، تدعى الهنوف "Al_hanuv"، لتشارك وصفة الجراد الأصلية لمدينة القصيم في السعودية، حيث يتوافر الجراد بكثرة.
وأكّدت الهنوف أن "الجراد برغر" ليست الطريقة الأصليّة لطهو الجراد، بل "افتعلها الناس لإثارة الجدل". وشاركت الوصفة المتعارف عليها في السعودية، قائلة: "يُسلق الجراد لمدة ساعة كاملة في الماء والملح، ثمّ يُجفّف. وفي الخطوة الأخيرة يمكننا شويه أو قليه، ويؤكّل بمفرده أو مع (كاتشب)"، لافتة إلى أنّه قديماً كان "الجراد يُطحن ويُستخدم عصيدة مع السّمن البلدي أو العسل".
فوائد الجراد
يصف كثيرون من محبّي الجراد مذاقه بـ"المقرمش واللذيذ". ويُقال إنّه كان يُتناول قديماً بسبب كثرة انتشاره، بالإضافة إلى فوائده العديدة؛ ولكن هل أكله آمن؟ وهل له فوائد فعلاً؟
تعدّ الحشرات في عدّة بلدان موارد غذائيّة صالحة للأكل، وتحتوي على ما يكفي من العناصر الغذائية. ويحتوي الجراد على 50 إلى 65 في المئة من البروتين (إذا كان جافًا).
ومن خلال تجربة علمية أجريت على الفئران بعد إطعامها 1 و3 في المئة من مسحوق الجراد لمدّة 28 و90 يوماً، تمكّن العلماء من فحص: العلامات العامة للتسمّم، وزن الجسم، البلازما ومكوّنات الدم، وتراكم الدهون في الأنسجة، وإفراز الدهون في البراز، فتبيّن أنّ مسحوق الجراد غنيّ بالبروتينات والأحماض الأمينية الأساسية والمعادن والأحماض الدهنية المتعدّدة غير المشبعة؛ ولم تلاحظ أيّ علامات عامّة للسميّة الحادّة.
وفي هذا الصدد، أكّد الاختصاصي السعودي راشد المسيعيد أنّ الجراد صالح للأكل، وأنّ النوعين المستهلكين في السعودية هما: "المكن والزعيري، وهما كبيرا الحجم طيّبا المذاق"، واستذكر مثلاً شعبيّاً قيل قديماً، هو: "إذا كثر الجراد كبّ الدواء"، دلالة على أنّه مفيد جداً.
وقال المسيعيد إنّ "الجراد يأتي في مواسم تكاثره، ويقومون بصيده وطبخه بالماء والملح فقط، وتجفيفه، ثمّ تقديمه كما تُقدّم المكسرات". وأشار إلى أنّ الجراد الصحراوي "يهاجر إلى السعودية من أفريقيا، خاصة السودان".
ومن جهتها، قالت اختصاصية التغذية، داليا حرب، إنّ "الجراد صالح للأكل في العديد من الثقافات. وإذا تمّ تجهيزه وطهوه بشكل صحيّ، فيمكن أن يكون مصدراً جيّداً للبروتين والعناصر الغذائية الأخرى". وأضافت: "عند تناول الجراد بكميات معتدلة، لا يُسبّب آثاراً جانبية على صحة الإنسان، إلا أنّه يجب تجنّب جمع الحشرات من مناطق قد تكون ملوثة. فالحشرات قد تحتوي على بكتيريا أو موادّ كيميائيّة ضارّة إن كان الإمساك بها يتمّ في مواقع غير آمنة".
وأشارت حرب إلى أنّ "استخدام الحشرات، بما في ذلك الجراد، كمصدر للبروتين والعناصر الغذائية الأخرى في مجال الغذاء خياراً، قد يكون مستداماً وفعّالاً في مواجهة تحديات الأمن الغذائي المستقبليّة. ومع ذلك، يجب إجراء البحوث العلمية اللازمة والالتزام بمعايير السلامة الغذائية". وتؤكّد أنّه "يُفضل دائماً استشارة اختصاصي في التغذية، قبل إضافة أيّ نوع من الطعام إلى النظام الغذائي المعتمد".
أضرار الجراد
على الرغم من فوائد تناوله، فإن الجراد يسبّب العديد من الأضرار الزراعيّة، إذ إنّه يتغذى على المحاصيل الزراعية، ويُدمّر الأشجار إذا انتشر بمجموعات كبيرة، ويفسّد النباتات بإفرازاته الضارّة. وفي الكثير من الحالات، قد يُعرّض الجراد الأمن الغذائيّ للخطر.
ورُصدت أخيراً أسراب ضخمة من الجراد الصحراوي الأصفر في المناطق الحدودية في مصر، في مدن حلايب وشلاتين وأبو رماد، جنوب محافظة البحر الأحمر، بكميّات هائلة تجاوزت عشرات الكيلومترات، قادمة من السودان. وهاجمت تلك الأسراب الأشجار وبعض الزراعات الجبليّة بشكل كبير. وأكدت وسائل إعلام مصرية أن أفراد ومهندسي "قواعد مكافحة الجراد" يعملون بشكل متواصل للسيطرة على أسراب الجراد ومكافحتها.
وأوضح المسيعيد أن مكافحة الجراد تقام عبر "الرّش بالمبيدات بوساطة الطائرات، وذلك لأنه قد يقضي على المحاصيل الزراعية، خصوصاً الورقيات".
مئات الآلاف من حشرات الجراد تهاجم المحاصيل في شمال أفغانستان (أ ف ب).
وكانت هيئة مكافحة الجراد الصحراوي في المنطقة الوسطى، التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، التي ترأسها السعودية، قد عقدت اجتماعاً تشاورياً طارئاً للدول الأعضاء في الهيئة، في تشرين الثاني المنصرم، في القاهرة، للتأكيد على أهمية اتخاذ التدابير اللازمة، والاستعداد المبكر لمواجهة خطر الجراد الصحراوي في المنطقة.
وناقش الاجتماع حالة الجراد الصحراويّ في المنطقة، والإجراءات المطلوبة لمكافحته، وعرض تقارير الدول الأعضاء حيال خطط مكافحة الجراد، والإجراءات الاستباقية المتّخذة في إطار خطة الطوارئ الوطنية، إلى جانب خطط إدارة مخاطر الجراد وآليات التمويل المالي.