شدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء في القدس على أنه لا يزال "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به" قبل التوصل إلى اتفاق هدنة في قطاع غزة يشمل اتفاقًا لإطلاق سراح الرهائن، في وقت تدخل الحرب بين إسرائيل وحركة حماس شهرها الخامس.
وتستضيف القاهرة الخميس جولة جديدة من المفاوضات برعاية مصرية-قطرية من أجل "تهدئة" الأوضاع في قطاع غزة المحاصر، بحسب ما قال مسؤول مصري لوكالة فرانس برس الأربعاء.
وقال المسؤول الذي لم يشأ كشف هويته إن "مصر وقطر ترعيان جولة جديدة من المفاوضات بدءا من يوم غد (الخميس) بالقاهرة للتهدئة بقطاع غزة"، مشيرا إلى أن المفاوضات ستشمل الحديث عن "صفقة لتبادل الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين".
وتطالب حركة حماس بوقف إطلاق نار وليس هدنة جديدة، فيما تشدّد إسرائيل على أنها لن توقف نهائيا حربها على غزة إلا بعد "القضاء" على حركة حماس وتحرير كلّ الرهائن وتلقّي ضمانات بشأن الأمن في أراضيها.
والثلثاء، نقل بيان لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نتنياهو قوله "نحن على مسار النصر الكامل ولن نتوقف. إنه موقف الغالبية الساحقة من الشعب".
فيما كانت طائرة بلينكن تهبط في تل أبيب، كان القصف والقتال متواصلين على مسافة أقل من مئة كيلومتر إلى الجنوب، في مدينتي خان يونس ورفح في غزة.
وأفاد مراسل وكالة فرانس برس بأنّ قصفاً إسرائيلياً استهدف مدينة خان يونس ورفح المجاورة، التي لجأ إليها مئات الآلاف من النازحين الذين باتوا يخشون من تنفيذ هجوم بري في المنطقة.
من جهتها، ذكرت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس أنّ 123 شخصاً قتلوا خلال الساعات الـ24 الماضية في أنحاء القطاع.
وقالت دانة أحمد (40 عاماً) وهي نازحة من مدينة غزة (شمال) مع أطفالها الثلاثة وعدد آخر من أفراد عائلتها في خيمة غرب مدينة رفح، "لم ننم طوال الليل. صوت الطائرات لم يتوقف، القصف أصبح قريباً وعنيفاً في رفح، أشعر بالرعب من أنّ إسرائيل ستبدأ عملية برية في رفح".
أ ف ب - "فيلم رعب" - وأضافت "هم (الجيش الإسرائيلي) من طلبوا من الناس التوجّه إلى رفح، أين سنذهب؟ الوضع كارثي. أشعر بأنّني أعيش فيلم رعب لا ينتهي".
يأتي ذلك فيما يقوم بلينكن بجولته الخامسة في الشرق الأوسط منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول. والتقى الأربعاء في القدس رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، بعدما كان قد زار الثلثاء مصر وقطر اللتين تؤديان دوراً رئيسياً في جهود الوساطة.
وقال بلينكن بعد لقائه هرتسوغ "نحن ننظر إلى الأمر بشكل مركز، كما هو، أعرف ذلك و(كذلك) حكومة إسرائيل".
وأضاف "هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، لكننا نركز بشدة على القيام بذلك ونأمل أن نتمكن من استئناف إطلاق سراح الرهائن الذي توقف".
وفي تشرين الثاني، توصلت إسرائيل وحركة حماس إلى اتفاق تهدئة استمر أسبوعا وأطلق بموجبه سراح 105 رهائن، فيما أفرجت إسرائيل عن 240 أسيرا فلسطينيا.
وتابع بلينكن "علينا جميعًا الالتزام ببذل كل ما في وسعنا لإيصال المساعدات الضرورية إلى أولئك الذي هم في أمس الحاجة اليها، والخطوات التي يجري اتخاذها، والخطوات الإضافية التي يتعين اتخاذها، هي محور اجتماعاتي هنا".
وأكّدت حماس الثلثاء أنها قدّمت ردها إلى الوسطاء المصريين والقطريين على اقتراح الهدنة الذي طرحه مسؤولون أميركيون وقطريون ومصريون نهاية كانون الثاني في باريس، من دون الخوض في التفاصيل.
وأفاد مسؤول أميركي طلب عدم كشف اسمه أن أمير قطر أبلغ بلينكن الثلثاء برد حماس مع بداية اجتماعهما في الدوحة.
والأسبوع الماضي أفاد مصدر في الحركة أن الاقتراح يشمل ثلاث مراحل وينصّ في المرحلة الأولى على هدنة تمتدّ على ستة أسابيع تطلق خلالها إسرائيل سراح ما بين 200 إلى 300 أسير فلسطيني، في مقابل الإفراج عن 35 إلى 40 رهينة محتجزين في غزة، على أن يتسنّى دخول ما بين 200 إلى 300 شاحنة مساعدات يوميا إلى غزة.
وكان رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أعلن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بلينكن في الدوحة "تلقّي ردّ من حركة حماس بشأن اتفاق الإطار يتضمن ملاحظات، وهو في مجمله إيجابي".
ولاحقا أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ جهاز الاستخبارات "الموساد" يدرس ردّ حماس على مقترح التهدئة وقال في بيان إنّ "الوسيط القطري أبلغ الموساد برد حماس. يجري المسؤولون المعنيون بالمفاوضات تقييما لتفاصيل (هذا الرد) بتمعّن".
اندلعت الحرب في 7 تشرين الأول عقب هجوم غير مسبوق على إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر 1160 شخصا، معظمهم مدنيون، بحسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس استناداً إلى أرقام رسمية.
كذلك، احتُجز في الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إنّ 132 بينهم ما زالوا في غزة، و29 منهم على الأقلّ يُعتقد أنّهم قُتلوا، بحسب أرقام صادرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وتردّ إسرائيل على هجوم السابع من تشرين الأول بحملة قصف مركز أتبعتها بهجوم بري واسع في القطاع، ما أسفر عن مقتل 27708 أشخاص غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس، التي أشارت إلى إصابة 67147 شخصاً.
أ ف ب - مخاوف بشأن رفح - منذ بداية الحرب، دمرت أحياء بالكامل بسبب القصف الإسرائيلي وهجّر 1,7 مليون شخص من بين حوالى 2,4 مليوني نسمة يعيشون في القطاع.
ويتكدس أكثر من 1,3 مليون نازح في رفح في أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، أي خمسة أضعاف عدد سكانها الاصليين، من أصل عدد سكان غزة وسط ظروف إنسانية ومعيشية يائسة، بحسب الأمم المتحدة.
لكن هذه المدينة قد تكون الهدف التالي لإسرائيل. فقد حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مساء الإثنين من أنّ الجيش "سيصل إلى أماكن لم يقاتل فيها بعد (...) حتى آخر معقل لحماس، أي رفح".
وحذر الامين العام للامم المتحدة الاربعاء من "تداعيات إقليمية لا تحصى" لهجوم اسرائيلي بري محتمل على مدينة رفح التي تضيق بمئات آلاف النازحين الفلسطينيين في جنوب قطاع غزة، على الحدود مع مصر.
وقال انطونيو غوتيريس امام الجمعية العامة للامم المتحدة إن "عملا كهذا سيزيد في شكل هائل ما هو اصلا كابوس إنساني، مع تداعيات إقليمية لا تحصى"، مجددا مطالبته ب"وقف انساني فوري لاطلاق النار" والافراج عن جميع الرهائن.
وقال محمد أبو ندى، الذي حضر إلى مستشفى النجار في رفح لتسلم جثة أحد أقاربه الذي قُتل في غارة جوية، إنّ زيارة أنتوني بلينكن تشكّل "كابوساً"، إذ إنّه مع كل زيارة "تكثّف إسرائيل هجماتها لتظهر له أنها ترفض أيّ هدنة".
وبين أنقاض مدينة خان يونس، تُظهر صور التقطها الهلال الأحمر الفلسطيني الثلثاء امرأة مسنّة يتمّ نقلها على سرير مستشفى، أثناء إخلاء مستشفى الأمل.