عندما يتوجّه طالب الحوزة محمد حسن جعفري للإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية الإيرانية الجمعة، ستكون الحرب في غزة ماثلة في ذهنه، وهو يعبّر عن أسفه لعدم اكتراث العديد من الإيرانيين بهذه الانتخابات التي يؤكد أنّ لها "أهمية دولية".
يقول الشاب البالغ من العمر 27 عاماً "سأصوّت إن شاء الله. لأنّ الانتخابات تعزّز قوة البلاد الداخلية والدولية".
في قم حيث يدرس، تبدو نتيجة الانتخابات محسومة، فهذه المدينة المقدّسة تعدّ واحدة من معاقل المحافظين الذين يحكمون الجمهورية الإسلامية حالياً.
تقع قم على بعد 120 كيلومتراً جنوب طهران، ويقيم فيها العديد من الشخصيات الدينية البارزة، كما توجد فيها عشرات "الحوزات" (مدارس العلوم الدينية لدى الشيعة).
على طول شوارعها، عُلّقت لافتات تُظهر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي وهو يدعو الناس للإدلاء بأصواتهم، تحت شعار "لنصبح أقوى".
وانطلاقاً من هذا الشعار، يبقى تعزيز قوة طهران في مواجهة الغرب أحد الأفكار المهيمنة على القادة الإيرانيين، خصوصاً منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة في أعقاب الهجوم الذي شنّته الأخيرة على الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول.
وتقدّم طهران نفسها علناً على أنّها أحد الداعمين الأساسيين للقضية الفلسطينية، كما تدافع عن العمليات العسكرية التي تنفّذها المجموعات المسلّحة الموالية لها ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة في سوريا والعراق والبحر الأحمر.
وفي هذا السياق الجيوسياسي المتوتر، تقول رهبري (40 عاماً) وهي ربّة منزل، إنّ الانتخابات التي ستجري الجمعة تشكّل فرصة لتأكيد "استقلال البلاد".
وتضيف المرأة المقيمة في قم والتي ترتدي الشادور الأسود "في ظلّ هذه الاضطرابات في المنطقة، وهجمات العدو عبر وسائل الإعلام والتهديدات ضدّ بلدنا، يستطيع الناس تحييد كل مؤامرات العدو من خلال التصويت".
- "هجوم عسكري" -
من جهته، يحذّر محمد حسن جعفري من أنّه "في حال كانت المشاركة ضعيفة، سيكون احتمال شنّ هجوم عسكري" على إيران "أقوى".
ويضيف رجل الدين الشاب الذي يرتدي عمامة سوداء "إذا رأى أعداؤنا أنّ الحكومة تحظى بدعم الشعب، عندها لن يضعوا الخيار العسكري على الطاولة"، مشيراً إلى أنّهم سيفكّرون في هذا الخيار "إذا رأوا أنّ البلاد تشهد اضطرابات وانقسامات".
مع ذلك، لا تبدو الحرب في غزة الوحيدة التي تشغل بال الإيرانيين، إذ يشعرون بقلق أكبر إزاء الصعوبات الاقتصادية المرتبطة بارتفاع نسبة التضخّم الذي يؤثّر على قدرتهم الشرائية.
وتعدّ هذه الانتخابات الأولى منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية التي هزّت البلاد في نهاية العام 2022 في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق بسبب عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة.
وفي هذا الإطار، يتوقّع خبراء أنّ يكون معدّل الامتناع عن التصويت مرتفعاً، أو حتى أن يصل إلى أعلى مستوى له منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979.
وخلال الانتخابات التشريعية السابقة التي جرت في العام 2020، صوّت 42,57 في المئة فقط من الناخبين، وفقاً للإحصاءات الرسمية، بينما كان الامتناع ظاهراً بشكل أكبر في المدن الكبرى مثل طهران.
ويقول مجيد حسيني وهو رجل متقاعد يبلغ من العمر 79 عاماً، كان يسير في ساحة ضخمة في قم تؤدي إلى مرقد السيدة المعصومة، إنّ "هذه الانتخابات هي جزء من الجمهورية الإسلامية. إذا لم نشارك فيها، سوف تضيع السنوات الأربعون من العمل الشاق".
يشعر هذا المؤيّد المتحمّس للسلطة بالحزن لعدم قدرته على الدفاع عن "حماس"، ويقول "طلبت عدّة مرّات الذهاب للقتال في غزة، ولكنّهم قالوا إنني كبير في السن ولم يسمحوا لي بالذهاب".
من جهته، يذكّر مهدي موسوي وهو رجل دين يبلغ من العمر 39 عاماً، بأنّ الإيرانيين "يعيشون في جمهورية إسلامية"، معتبراً أنّه انطلاقاً من هذا الواقع، يجب عليهم الثقة برجال الدين الذين يحكمونها والذين يشكّلون "ضمانة لاحترام الإسلام والثورة".
بالإضافة إلى أعضاء البرلمان، سيصوّت الناخبون لاختيار أعضاء مجلس خبراء القيادة المؤلّف من 88 عضواً، للسنوات الثماني المقبلة. وتُناط بهذا المجلس مسؤولية اختيار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.