النهار

"على كلّ الجبهات"... كلاريسّا وورد تروي لـ"النهار" تجربة تغطية حرب غزّة (فيديو)
ديانا سكيني
المصدر: "النهار"
"على كلّ الجبهات"... كلاريسّا وورد تروي لـ"النهار" تجربة تغطية حرب غزّة (فيديو)
المراسلة الدولية في شبكة "CNN" كلاريسّا وورد.
A+   A-
يقع الإعلام بأدواته التقليديّة ووسائله الحديثة في صلب حرب غزّة. وقد وثّقت عدسات الكاميرات أو الهواتف الذكيّة لحظات كثيرة شكّلت علامات فارقة في هذه الحرب، إن كان لناحية الأثمان الإنسانيّة الباهظة أو المعارك العسكريّة. كلاريسّا وورد، كبيرة المراسلين الدوليّين في شبكةCNN خاضت تجربة مكثّفة أخرى في مسيرتها الحافلة بتغطية النزاعات من العراق إلى حرب تمّوز في لبنان 2006، إلى سوريا، مروراً بأوكرانيا، ووصولاً إلى حرب غزّة الأخيرة.
 


فيديوان لكلاريسّا كانا حديث مواقع التواصل في سياق الاحتدام المواكب للنزف الكبير في الحرب. في الأوّل كانت المراسلة ضحيّة خبر كاذب صوّرها تأتمر لمخرج يديرها وتظهر الخوف في شكل مصطنع من صواريخ "حماس"، والآخر حين واجهتها ناشطة مصريّة في معبر رفح، متّهمة إياها بتجاهل سرديّة العرب وتقزيم هويّتهم.

بعد نحو خمسة أشهر على حرب غزّة، كان لنا حوار مع كلاريسّا التي اعتبرت أنّها واجهت واحدة من أكثر التجارب تحدّياً في حياتها، عند محاولة تغطية أحداث حرب غزّة بسبب عدم إمكان التغطية من الميدان، "لا أستطيع المشي في الشوارع والتحدّث إلى الناس، ولا يمكنني الجلوس في منازلهم. تمكّن فريقنا من الدخول مرّة واحدة لبضع ساعات، وهذا لا يكفي لإعطاء صورة عادلة عن أهوال ما يجري في غزّة".
 


وترى أنّ الأمر "جعل عملنا صعباً حقّاً لأنّه في كلّ يوم يجب عليّ أن أغربل كلّ المعلومات والصور، وأختار القصّة التي تناسب ذلك اليوم أو الأسبوع، وأحاول بناء صورة أفضل عمّا حدث بالضبط".

ومن الواضح أنّ ثمّة صحافيّين شجعاناً على الأرض في غزّة يقومون بعمل رائع، وقد انبهر العديد منّا بتصميمهم وعزيمتهم وإصرارهم ومثابرتهم وشجاعتهم، "لكن في عالم مثاليّ، بالطبع، يجب أن تُستكمل جهودهم مع الصحافيّين الدوليّين، وعمّال الإغاثة الدوليّين، ومنظّمات حقوق الإنسان الدوليّة الذين يمكنهم المساعدة في بناء صورة أشمل عمّا يحدث على الأرض".

تستعيد كلاريسّا الحائزة على عدد من الجوائز على أعمالها الصحافيّة، تجربة دخولها مرّة وحيدة إلى غزّة مع الفريق الإماراتيّ الذي زار المستشفى الميدانيّ، "كنت أعلم أنّ الأمر سيكون سيّئاً ومليئاً بالتحدّيات. كان التجوال في المستشفى الذي قضينا فيه بضع ساعات، ورؤية الأطفال الذين تعرّضوا للتشويه، والتحدّث إلى شابة فقدت ساقها وتحطّمت أحلامها، ولذلك تأثير عميق جدّاً، وبصراحة مفجع على أيّ إنسان".
 


عندما نتناول أعداد الضحايا في غزّة، "نتحدّث عن 30000 شخص فقدوا حياتهم. هؤلاء أفراد لديهم الكثير من الآمال والأحلام. هؤلاء أشخاص كانوا يحبّون وكانوا محبوبين. وفي تقاريري، وتغطياتي للحرب عموماً، سعيت دائماً إلى إضفاء الطابع الإنسانيّ على ضحايا الحرب. وفي الحقيقة تلك الفترة القصيرة التي قضيناها في المستشفى كانت مهمّة للغاية بالنسبة إليّ. بقينا فيه لمدّة خمس دقائق وسقطت قنبلة في مكان قريب. عرف الإسرائيليّون أنّنا كنّا هناك. كانوا يعلمون ومع ذلك أسقطوا تلك القنبلة. وبعد خمس دقائق، أُحضر ضحايا ومن بينهم صبيّ يبلغ من العمر 13 عاماً وقدمه معلّقة، ورجل مسنٌّ فقد نصف ساقه. أعتقد أنّنا قمنا بعمل جيّد في سرد قصّة رحلتنا إلى غزّة، ولكن في الوقت نفسه هذا لا يكفي. يجب أن نكون على الأرض طوال الوقت، ولهذا السبب كتبت رسائل إلى حكومتَي إسرائيل ومصر، ونشرت افتتاحيّة في صحيفة "واشنطن بوست"، وأنا أعلم أنّ العديد من زملائي يشعرون بأنّه يجب أن يُسمح لنا بأن نكون على الأرض للقيام بعملنا بطريقة صحيحة".

نسأل كلاريسّا عن حادثة الناشطة رحمة الزين حين صرخت في وجهها وهاجمتها متّهمة إيّاها بالتحيّز وإلصاق نمطيّات الإعلام الغربيّ بها. فما الرسالة التي تلقّتها؟

تجيب: "حسناً، لقد تعلّمت رسالتين مهمّتين حقّاً، عشت في الشرق الأوسط لسنوات عديدة وفهمت مدى انزعاج الناس، وأنّ هناك غضباً وإحباطاً وسخطاً، وحزناً وخوفاً. ووظيفتي كصحافيّة ليست أن أشعر بالإهانة، ولا أن أدخل معها في جدال حول ذلك، بل أن أقول لها: أنا أسمعك، وأتفهّم أنّ الكثير من الناس يشعرون مثلك، ووظيفتي هي أن أمنحك منصّة. وظيفتي هي مشاركة رأيك والسماح للآخرين في كلّ أنحاء العالم، لا سيّما في الولايات المتّحدة والغرب، فهم ما تقولينه

والشعور بالقوّة الكاملة لما تقولينه، ولكنّني فهمت أيضاً في تلك اللحظة القوة الكاملة للتضليل، لأنّ أوّل ما قالته رحمة عندما رأتني هو: أنتِ الممثّلة، لأنّ مقطعاً لي ظهر وأنا أحتمي من الصواريخ عندما كنت على الأرض في جنوب إسرائيل، بعد السابع من تشرين الأوَّل مباشرة. أخذ أحدهم المقطع وقام بتزييفه ليبدو الأمر وكأنّ مخرجاً في نيويورك يخبرني بما يجب أن أفعله، وأنّه لم يكن هناك أيّ صواريخ. وانتشر هذا المقطع على نطاق واسع ، وأصبح الأمر يسبّب لي إزعاجاً كبيراً لأنّ الناس اعتقدوا أنّني كنت أتظاهر بأنّني أتعرّض لإطلاق الصواريخ، ولذا وُجّه إليّ الكثير من الكراهية والغضب. لكنّ المهم هو ما يحدث على أرض الواقع".

دفع الصحافيّون في قطاع غزّة فاتورة باهظة من دمائهم، وفقد العشرات منّهم حياتهم، وسلّطت الحرب الضوء أيضاً على استحالة حمايتهم وقيامهم بعملهم، ورغم ذلك تبقى مهنة الصحافيّ الحربيّ مصدر سحر لكثيرين. وهنا تقول صاحبة كتاب "على كلّ الجبهات"، "إنّها ليست تجربة دراميّة ومثيرة كما في فيلم أو شيء من هذا القبيل. إنّه تحدٍّ لا يُصدّق، ومؤلم بشكل لا يُصدّق. وغالباً ما يكون خطِراً جدّاً، وستواجهون في كثير من الأحيان أسوأ ما في الإنسانيّة، وستوضعون في مواقف كثيرة ستختبركم حقّاً...!".

*يمكن مشاهدة الحوار مع كلاريسا وورد عبر منصات "النهار"
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium