عمل جان بيار ديلومييه على الصراعات الكبرى والكوارث الطبيعية في العقود الثلاثة الماضية، ولكن الحرب في غزة حيث يحاصَر المدنيون تحت القصف ويُحرمون من المساعدات الإنسانية، هي "أسوأ أزمة" يواجهها هذا المسؤول في "هانديكاب انترناشونال".
بعد عودته من ثمانية أيام وليالٍ قضاها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يقول نائب مدير العمليات في المنظمة غير الحكومية الفرنسية إن المدينة باتت أشبه ب"فخ" حشر فيه 1,5 مليون نسمة مقابل ما يزيد قليلاً عن 200 ألف نسمة قبل السابع من تشرين الأول، محاوِلين البقاء على قيد الحياة وسط القتال الذي تشهده بقية مناطق القطاع الصغير.
ويقول إنّ هذا الصراع "لم يسبق له مثيل بالنسبة لي... بسبب قصف منطقة مغلقة ومكتظة بالسكان، والغياب شبه الكامل لوصول المساعدات الإنسانية".
ويضيف الرجل ذو اللحية البيضاء البالغ من العمر 61 عاماً "رأيت شاحنات مساعدات تنتظر في طوابير تمتد لكيلومترات على أربعة مسارات، لتتمكن من الدخول إلى غزة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "الطائرات التي تحلّق لإسقاط بعض المساعدات، بينما تنتظر خلفها مباشرة منصات مساعدات على كيلومترات منتظرة والتي يمكن السماح لها بالدخول مرّة أخرى".
بدأ جان بيار ديلومييه حياته المهنية في العام 1991، بعد الانتهاء من دراسته مباشرة أثناء حرب البوسنة والهرسك.
ويقول "ما زلنا نحاول أن نرى إلى أيّ مدى تشبه (غزة) الإبادة الجماعية في رواندا والأزمة السورية والوضع في اليمن"، وغيرها من المناطق التي شهدت كوارث طبيعية، مثل تسونامي العام 2004 في آسيا.
- ضجيج مستمر -
في مقابلة طويلة أجرتها معه وكالة فرانس برس، يقول إنّ الوضع في غزة "هو أسوأ ما رأيته"، مضيفاً أنّه "مزيج من القصف المكثّف وعدم الوصول إلى الاحتياجات الأساسية".
أمّا الصدمة الأخرى بالنسبة إليه، فتتمثل في الضجيج المستمر للقنابل والمسيّرات. ويقول "في غزة، تسمع هذا الضجيج الباهت للغاية. هناك أيضاً رشقات نارية من المدفعية، وفوق كل شيء طنين دائم للطائرات بدون طيار. طوال الوقت، ليلاً ونهاراً، هناك نوع من الضوضاء المحيطة".
ويشير إلى أنّ في أوكرانيا حيث كان يعمل سابقاً، "رأيت آثار القصف على بعد عشرات الكيلومترات من مكان تواجدي، لكني لم أسمع صوتاً".
اندلعت الحرب إثر هجوم نفّذته حركة حماس في السابع من تشرين الأول في جنوب إسرائيل وأسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفقاً لتعداد أجرته وكالة فرانس برس بالاستناد إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وخُطف أكثر من 250 شخصاً أثناء هجوم حركة حماس، وفق الدولة العبرية التي تقدّر أن 130 منهم لا يزالون محتجزين في القطاع. ومن بين هؤلاء يعتقد أن 31 قد قتلوا.
وتوعّدت إسرائيل حماس ب"القضاء" على الحركة بعد الهجوم، وبدأت قصفا مدمرا على قطاع غزة أتبع بعمليات برية ما تسبّب بمقتل 30717 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.
- "ساخط" -
باتت مسألة الوصول إلى المساعدات الإنسانية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وقد دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حركة حماس إلى قبول "وقف فوري لإطلاق النار" مع إسرائيل، في وقت تجري مفاوضات في القاهرة بين الحركة الإسلامية ووسطاء دوليين.
ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي الثلاثاء إلى جعل المساعدات "تتدفق" على غزة لإنقاذ حياة الأطفال "الذين بدأوا يموتون من الجوع".
من جهته، شدد الرئيس الأميركي على وجوب "إدخال المزيد من المساعدات إلى غزة"، معتبراً انّ "لا أعذار" لدى إسرائيل في مواصلتها منع دخول شاحنات المساعدات المتوقّفة عند الحدود مع مصر.
وفي السياق، يقول المسؤول في "هانديكاب إنترناشونال" إن "غزة هي كلّ هذا"، مضيفاً أنّها "فخ ومساعدات تصل بالتقطير وقصف... في حين أنّ كلّ ما تحتاجه موجود هناك، في مكان قريب...".
بعد أسبوع أمضاه في منطقة "حيث يحتاج الناس إلى كلّ شيء"، يقول العامل الإنساني إنّه عاد "مذهولاً وخائفاً". واستنكر قائلاً "في الواقع، أنا غاضب".