الإثنين - 16 أيلول 2024
close menu

إعلان

هل تسرّع مقتدى الصدر في قراراته الأخيرة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
عنصر أمني في شوارع بغداد (أ ف ب).
عنصر أمني في شوارع بغداد (أ ف ب).
A+ A-

خطوات متلاحقة اتّخذها رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر خلال الأشهر القليلة الماضية لكسر أزمة انسداد الأفق السياسي التي تعيشها البلاد منذ ما يقارب العام. لكن مع انزلاق بغداد إلى اشتباكات سريعة منذ يومين، بدا أنّ تلك الخطوات متباينة النتائج. فاز الصدر في الانتخابات التشريعية الأخيرة (تشرين الأول 2021) بأكبر كتلة نيابية حاصداً 73 مقعداً بزيادة 19 مقعداً عن انتخابات 2018. أمّا القوى الموالية لإيران فتلقّت خسارة كبيرة مع تراجع أبرز فصائلها (تحالف الفتح) بـ31 مقعداً عن الانتخابات الماضية.

 

تسلسل زمني

استطاع الصدر مع حلفائه في "الحزب الديموقراطي الكردستاني" وفي "تحالف السيادة" الذي يضمّ أكبر كتلتين سنّيّتين حصد 175 مقعداً من أصل 329. لكنّ الإطار التنسيقيّ عطّل انعقاد جلسات مجلس النوّاب لانتخاب رئيس جديد. وفي شباط الماضي، قرّرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق استبعاد هوشيار زيباري، حليف الصدر ومرشّح "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، عن الانتخابات الرئاسية بسبب اتهامات سابقة بالفساد. وفي الشهر نفسه، صدر عن المحكمة العليا تفسير للمادة سبعين المتعلّقة بانتخاب رئيس الجمهورية حيث اشترطت تأمين نصاب وغالبية الثلثين من مجلس النوّاب لفوز المرشّح بالرئاسة العراقية. وبما أنّ الصدر وحلفاءه لا يملكون العدد الكافي لفرض مرشّحهم، ومع استمرار الإخفاق في تشكيل الحكومة، انتقل رجل الدين العراقي إلى موقع المعارضة في أيار.

في حزيران، أعلن الصدر عن انسحاب كتلته من البرلمان والانسحاب من العملية السياسية في البلاد. وقال إنّه لن يخوض أي انتخابات مقبلة حتى لا يتشارك مع السياسيين "الفاسدين". وتوجّه إلى أعضاء كتلته قائلاً إنّ "هذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم ومع شعبي إلّا إذا فرج الله وأزيح الفاسدون...". استغلّ "الإطار التنسيقي" الفرصة ليشكّل الحكومة من دون الصدر فبدأ مناصروه يتقاطرون إلى المنطقة الخضراء احتجاجاً على محاولات تهميشه مطالبين بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وهذا ما طالب به الصدر أيضاً. وبسبب الاستقالة النيابية، حاز "الإطار" على 40 مقعداً للكتلة الصدرية فوصل مجموع مقاعده إلى نحو 130 ممّا جعله القوة الكبرى في المجلس التشريعي.

 

ذروة التوتّر

اتّخذت الأمور منحى تصعيدياً أكبر يوم الأحد مع إعلان المرجع الشيعي كاظم الحائري اعتزاله ودعوته إلى تقليد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، منتقداً بشكل ضمني الصدر بوصفه "غير مؤهل للاجتهاد". ردّ الأخير عبر بيان جاء فيه: "يظنّ الكثيرون، بمن فيهم السيد الحائري، أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم.. كلا إن ذلك بفضل ربي ومن فيوضات الوالد الذي لم يتخل عن العراق وشعبه." وأضاف أنّه "على الرغم من تصوّري أنّ اعتزال المرجع لم يك من محض إرادته.. وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً (...) فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام.. (...)"

بعد الإعلان عن "الاعتزال النهائي"، توافد مناصرو الصدر إلى المنطقة الآمنة في بغداد وتوجهوا إلى القصر الحكوميّ كما إلى مقرّ إقامة المالكي فاندلعت اشتباكات بين القوات الأمنية والمناصرين وعناصر من الحشد الشعبي ممّا أدى إلى سقوط عشرات القتلى. أدّى ذلك إلى تدخّل الصدر ودعوة جميع مؤيّديه إلى الانسحاب من المنطقة وحثّهم على عدم الاحتجاج حتى بطرق سلميّة فعادت الأمور تدريجياً إلى طبيعتها.

 

ماذا يريد الصدر؟

قد يكون السؤال عن هوية المنتصر في التطورات الأخيرة أول ما يتبادر إلى الأذهان في بلد منعه جمود التوازنات السياسية من تشكيل حكومة بعد مرور عشرة أشهر على آخر استحقاق تشريعيّ. في مقال لهما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي، رأى الباحثان المتخصصان في الشأن العراقي في معهد "تشاتام هاوس" ريناد منصور وبنديكت روبين-دكروز أنّ الاحتجاجات الماضية عزّزت موقع الصدر في السابق وربّما تفعل ذلك اليوم.

لكنّ هذا الأمر غير مؤكّد بحسب رأيهما. فهنالك جيل جديد مناهض للسلطات السياسية التقليدية وللتيار الصدري الذي شغل مواقع نافذة في الحكم خلال السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أنّ التيّار راكم رصيده بناء على مواجهة "المنظومة السياسية الفاسدة" والقوات الأميركية، يبدو أنّ الجيل الجديد ينظر إلى التيّار كجزء من "المنظومة". كذلك، أزاحت الاحتجاجات الجيل الأكبر سنّاً من اليساريين والمثقفين الذين عملوا مع التيار الصدري ممّا أنتج "انهياراً" جوهرياً بين النشطاء الجدد والصدريّين.

انطلاقاً من هذا التحليل، قد تكون خطوات الصدر الأخيرة جزءاً من تكتيك سياسيّ أحد أهدافه استمالة أكبر عدد ممكن من الشباب العراقي ولتعبئة حتى الفئات الصدريّة الشابة (مواليد 2003 وما بعد). لكنّ هذا التكتيك ربّما حمل عيوباً عدّة أبرزها أنّه كان قائماً، ولو في جانب منه، على ردّ الفعل، وفقاً لما كتبه المحلل السياسي العراقي سجاد جياد في مجلة "نيو لاينز" الأميركية.

 

استدراج

رأى جياد أنّ الصدر استُدرج إلى الاشتباكات الأخيرة عبر سلسلة من الاستفزازات حيث تمّ تصويره على أنّه "المعتدي" خصوصاً أنّ القوى الأمنيّة و"الحشد الشعبيّ" لم يردّا بقوّة على مسلّحيه حتى حين كانوا يستهدفون المقار الرسمية ومكاتب الحشد وفقاً لملاحظاته.

أراد الصدر إظهار أنّه قادر على ضبط الحشود الغاضبة ومنع أسوأ تجاوزاتها ضد الحكومة الفاسدة لكن فقط إذا تمكّن من السيطرة على النظام. ورأى جياد أنّ بيان الصدر الذي دعا فيه مؤيّديه إلى الانسحاب من المنطقة الخضراء كان "غاضباً، مليئاً بالندم وعاطفياً – وهو إدراك ربما بأنه قد يكون ارتكب خطأ لكنّه هدف أيضاً إلى إعادة تأكيد السيطرة على جماعته". ولم يمنع هذا الأمر المحلّل العراقيّ من الإشارة إلى أنّ الوقت يقف إلى جانب الصدر لأنّه أصغر سنّاً من القادة الآخرين كما أنّ دعمه الشعبيّ يمنحه أمداً طويلاً من الحياة السياسية.

وفي تعليقٍ لـ"النهار"، رجّح الأستاذ في "مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية" التابعة لجامعة لندن الدكتور دارا سلام أن تكون استقالة الصدر من العملية السياسية هادفة إلى دفع قادة "الإطار التنسيقي" إلى الاستقالة، وخصوصاً رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وأمين عام "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي وقائد "منظمة بدر" هادي العامري. لكنّ هذه الخطوة كانت مثيرة للإرباك لدى مناصريه ولم تأخذ مشاعرهم بالاعتبار وفقاً لسلام، مما أدى إلى عدم تحقيق النتائج المرجوّة. 

 

قرار نهائيّ؟

ربّما تسرّع الصدر في الانسحاب من البرلمان والحياة السياسية بما أنّ ذلك يترك فراغاً بدأ خصومه المدعومون من إيران بملئه. مع ذلك، لا يعتقد المدير المشارك لبرامج الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسيّ" مسعود مستجابي أن يكون الصدر في وارد الانسحاب "النهائي" من الحياة السياسية خصوصاً أنّ عينيه شاخصتان بنسب متفاوتة إلى السلطتين السياسية والدينية في البلاد بحسب رأيه. لكنّه في نهاية المطاف، يعتقد أنّ الصدر ينتهز الظرف بتصوير نفسه كأفضل بديل عن النخبة وأنّه سيبقى لاعباً أساسياً في العراق طوال سنوات.

وهذا هو رأي سلام أيضاً. بعد الصدامات العنيفة، عاد الصدر، وعبر من يعرف باسم "وزير الصدر" (صالح العراقي)، إلى الساحة السياسية وحذّر الإطار التنسيقيّ من استئناف الجلسات البرلمانية وتشكيل الحكومة. "لهذا لم تكن استقالته نهائيّة بأي حال من الأحوال" وفقاً لسلام.
 
 ما يجمع عليه هؤلاء المراقبون وغيرهم أنّ وضع العراق في المستقبل القريب صعب جداً. من غير المرجّح أن يتوجّه العراق إلى انتخابات مبكرة أخرى خصوصاً أنّ على البرلمان حلّ نفسه وهذا ما يميل "الإطار" إلى رفضه (على الأقل قبل تشكيل الحكومة) إلى جانب تردّد حلفاء أساسيين للصدر تجاه هذه الخطوة. ودعوة الصدر مناصريه للنزول إلى الشارع مجدداً من أجل كسر الجمود لم تعد خياراً حيوياً للصدر بعد الصدامات العنيف على ما أوضحه سلام.
 
باختصار، ليس لدى مختلف اللاعبين العراقيين وسائل كثيرة لكسر الجمود الحاليّ. 
__________________________________________________
 
*تمّ تحديث التقرير ليورد تعليق الدكتور دارا سلام لـ"النهار".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم