تجدَّد الأمل بالتوصل إلى هدنة في الحرب الدائرة بين إسرائيل و"حماس" منذ أكثر من خمسة أشهر في قطاع غزة المحاصر، في حين أفرغت أول سفينة نقلت 200 طن من الأغذية حمولتها في مدينة غزة تمهيداً لتوزيعها على السكان المتضوّرين جوعاً.
في غضون ذلك، لم يهدأ القصف والغارات الإسرائيلية طوال الليل. وأعلن الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، صباح السبت، مقتل 36 شخصاً في ضربة استهدفت عند السحور في ليلة الجمعة الأولى من رمضان، منزلاً يؤوي عشرات النازحين من عائلة الطباطيبي وأنسبائهم، بينهم أطفال وحوامل، في مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة.
في مستشفى "شهداء الأقصى" في دير البلح القريبة، وقف محمد الطباطيبي (19 عاماً) وهو مصاب في يده اليسرى، بين عشرات الجثث الملقاة أرضا في ساحة قسم الطوارئ يبكي عائلته.
وقال: "هذه أمي وهذا أبي وهذه عمتي وهؤلاء أخوتي... قصفوا البيت ونحن فيه. كانت أمي وعمتي تجهزان طعام السحور... كلهم استشهدوا، لا أعرف لماذا قصفوا البيت وعَملوا مجزرة".
وردّاً على استفسار لوكالة "فرانس برس"، قال الجيش الإسرائيلي إنه ينظر في "الوقائع الظرفية"، مؤكداً أنّه استهدف مقاتلَين لـ"حماس" "في منطقة النصيرات بناء على معلومات استخباراتية".
تنسيق من أجل تهدئة
نظمت يوم السبت عائلات رهائن تظاهرات في تل أبيب للمطالبة مجدّداً بتحرير أحبائهم المحتجزين في غزة. وهتف المحتشدون "أينما ذهبنا... نتحدّث عنكم ونغني لكم ونصلي من أجلكم".
بعد أكثر من خمسة أشهر على بدء الحرب، تعمل دول الوساطة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، على التوصّل إلى اتفاق على هدنة وصفقة تبادل بين رهائن وسجناء فلسطينيين لدى إسرائيل.
اقترحت "حماس"، الجمعة، اتفاق هدنة من ستة أسابيع يتضمّن مبادلة رهائن بأسرى فلسطينيين، في ما اعتُبر موقفاً أكثر مرونة بعد أن كانت تطالب بوقف إطلاق نار نهائي قبل أي اتفاق بشأن إطلاق الرهائن المحتجزين في غزة.
وقال قيادي في "حماس" لـ"فرانس برس" إنّ الحركة مستعدة للإفراج عن 42 رهينة إسرائيليين من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، على "أن تفرج إسرائيل عن 20 الى 30 أسيراً فلسطينيّاً مقابل كل محتجز إسرائيلي". وتطالب الحركة بالإفراج عن 30 إلى 50 معتقلاً فلسطينيّاً في مقابل الإفراج عن كل جندي محتجز لديها. وتحدّثت عن استعدادها للمرة الأولى للإفراج عن مجندات.
كذلك، تشمل المرحلة الأولى المقترحة "الانسحاب العسكري من كل المدن والمناطق المأهولة في قطاع غزة وعودة النازحين بلا قيود، وتدفّق المساعدات بما لا يقل عن 500 شاحنة يوميّاً".
والسبت، خلال محطة له في العاصمة البحرينية المنامة، تعهّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "مواصلة التنسيق" مع "شركاء إقليميين ودوليين" من أجل "تهدئة خلال شهر رمضان"، وفق المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر.
من جهته، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ وفداً إسرائيليّاً سيتوجّه إلى قطر للمشاركة في مفاوضات على صفقة للإفراج عن رهائن مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين في إطار تهدئة في غزة.
وأوضح المكتب، السبت، أنّ رئيس الوزراء دعا "حكومة الحرب والحكومة الأمنية (...) للاجتماع الأحد لاتّخاذ قرار بشأن تفويض الوفد المفاوض قبل توجّهه إلى الدوحة".
لكن وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش دعا، السبت، عبر منصة "إكس"، نتانياهو، إلى "إعطاء أوامر للوفد بالبقاء في إسرائيل" وإلى "تشديد الضغط العسكري إلى حين القضاء على حماس".
وكان نتنياهو قد وافق على "خطط عمل" الجيش لشنّ هجوم برّي على رفح حيث يؤوي، وفق الأمم المتحدة، حوالي 1,5 مليون فلسطيني معظمهم نازحون، هم أكثر من نصف إجمالي سكان القطاع.
والسبت، دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إسرائيل الى الامتناع عن شن هجوم على رفح "باسم الإنسانية".
سفينة ثانية جاهزة
في ظل الدمار الهائل والحصار وانقطاع الماء والكهرباء، تخشى الأمم المتحدة من مجاعة تعم القطاع ولا سيما في الشمال الذي يصعب الوصول إليه ويعاني حالات تفلت أمني.
وتصل المساعدات أساساً من مصر عبر معبر رفح في جنوب غزة، بعد إخضاعها لتفتيش إسرائيلي دقيق. لكنها تظل غير كافية على الإطلاق نظراً إلى الاحتياجات الهائلة للسكان البالغ عددهم 2,4 مليوني نسمة.
وغادرت السفينة التابعة لمنظمة "أوبن آرمز" الخيرية الإسبانية غزة السبت بعدما أنزلت 200 طن من الأغذية بمساعدة رصيف بنته منظمة "وورلد كيتشن سنترال".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القبرصية، تيودوروس غوتسيس، إنّ سفينة مساعدات ثانية جاهزة وستنطلق إلى غزة في نهاية الأسبوع.
لكن وفق "وورلد كيتشن سنترال"، فإنّ الأرصاد الجوية تشير إلى طقس سيّئ بين الأحد ونهاية الأسبوع المقبل، ما من شأنه تأخير إبحار السفينة.
وثمة سباق مع الزمن في محاولة لإيصال مزيد من المساعدات الانسانية مباشرة إلى شمال القطاع من خلال إلقائها جواً انطلاقاً من الأردن.
وتُشدّد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أن نقل المساعدات بحراً أو جوّاً لا يمكن أن يكون بديلاً من إدخالها برّاً.