أصبح مجرّد سماع صوت الطائرات بالنسبة للشاب الفلسطيني مهند السنداوي الذي يقيم بالقرب من مطار في غرب العاصمة المصرية، مؤلماً ويذكّر بالحرب في قطاع غزة.
ويقول الشاب البالغ من العمر 23 عاماً، وهو واحد من بين مئة ألف فلسطيني عبروا إلى مصر من قطاع غزة بحسب السفارة الفلسطينية في القاهرة، لوكالة فرانس برس، "بمجرّد سماع صوت طائرة نشعر بالرعب، حتى ضجيج السيارات يذكّرنا بالصواريخ".
لكن السنداوي ممتنّ لما وجده في مصر وكان ينقصه في غزة "تجد ماء ساخناً ونظيفاً يخرج من الصنبور... في غزة، كان الاستحمام مشكلة".
واندلعت الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في السابع من تشرين الأول بعد هجوم غير مسبوق للحركة الفلسطينية على الدولة العبرية أسفر عن مقتل 1194 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين.
وردّت إسرائيل بحملة قصف مدمّر وعمليات برية، ما تسبب بسقوط 36586 قتيلاً، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وخرج آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، بموجب إجراءات معقّدة تطلبت موافقة إسرائيل ومصر وشروط معينة أخرى، عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، والذي كان بوابة اساسية لنقل أيضاً عدداً كبيراً من الجرحى الى الخارج ودخول المساعدات الإنسانية الى القطاع المحاصر.
لكن هذا المعبر مغلق منذ السابع من أيار، تاريخ سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من المعبر.
ويحاول عشرات الآلاف من الفلسطينيين التأقلم في مصر مع تداعيات صدمة الحرب ومغادرة الوطن، فضلاً عن التحديات التي تواجههم سواء في إقاماتهم ببلد جديد أو طلب المساعدة.
وتقول الشابة الفلسطينية رغد شبير البالغة 22 عاماً لفرانس برس "لقد فقدنا كل شيء".
وتتابع "اتصلنا بالمنظمات ولكن دون جدوى، بعضها لم يستجب، والبعض الآخر طلب منا الانتظار".
وتوضح شبير أن من التحديات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين في مصر هو "وضعنا القانوني: فنحن نستفيد فقط من الإقامة لمدة 45 يوما بعد وصولنا، وبعد ذلك يصبح وضعنا غير قانوني".
- شبكات مساعدة -
ويلجأ بعض الفلسطينيين إلى شبكات مساعدة يشكّلها متطوعون، خصوصاً أنهم "يفتقرون إلى كل شئ"، على ما يقول الشاب الأميركي نسيم طويل، أحد المتطوعين في هذه الشبكات.
ويقول طويل البالغ من العمر 26 عاماً إن بين "المجموعات والأفراد من يقوم بإعارة شقق للسكن أو جمع أموال وأدوية ومواد غذائية وملابس".
ويشير إلى أن الوافدين الجدد من الفلسطينيين "يحتاجون إلى المال لتغطية نفقاتهم اليومية... ومراقبة طبية على الأقل"، لافتاً إلى أنهم "عاشوا في خيم ولم يكن معهم سوى سلع معلبة منتهية الصلاحية أو طعام تلوثّه الحشرات".
ودخل الفلسطينيون إلى مصر عبر عمليات إجلاء منظمة لأسباب طبية أو عبر قوائم رسمية، وهناك من لجأ إلى شركة "هلا" الخاصة في مصر التي تقوم بهذا الدور مقابل مقابل آلاف الدولارات.
وتشير شبير الى خروج عدد من أفراد عائلتها عبر هذه الشركة، مضيفة "خرجت مع 13 من أقاربي، وبلغ إجمالي ما دفعناه 75 ألف دولار”.
ومن بين المئة ألف فلسطيني الذين عبروا إلى مصر، وصل 44065 جريحا من بينهم 10730 طفلا، في الفترة الممتدة بين تشرين الثاني وشباط، بحسب بيانات الحكومة المصرية.
في القاهرة، يتجمّع بشكل شبه يومي العشرات من الفلسطينيين الذين عبروا إلى مصر حاملين حدّا أدنى من أغراض شخصية على ظهورهم، أمام سفارتهم يطالبون بالمساعدة. وتحاول السفارة تقديم الدعم للمواطنين الأكثر ضعفاً.
وكانا والدا السنداوي من بين القليلين الذين حصلوا على مساعدة بسبب تقدمهم في العمر، على الرغم من أن العائلة بأكملها مسجّلة لدى السفارة.
- "ليس خياراً" -
وتعنى عادة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) برعاية اللاجئين الفلسطينيين، لكنها غير ممثلة في القاهرة إلا بمكتب اتصال صغير، ما يجعل عملياتها محدودة.
وتفخر مصر بعدم إقامة مخيمات إيواء للاجئين، إذ تفضّل السلطات أن ينخرطوا في المجتمع المصري ويتمتعوا بمعاملة المواطن بما له من حقوق وما عليه من مسؤوليات.
وتعد مصر أوّل دولة عربية أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل في العام 1979. وهي تلعب دور الوسيط اليوم، الى جانب الولايات المتحدة وقطر، من أجل التوصل الى اتفاق هدنة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس".
وترى شبير أنّ "البقاء في مصر ليس خياراً"، مشيرة إلى أنه سيكون من الضروري السفر "للخارج".
أمّا السنداوي فيقول "في الوقت الحالي، ننتظر وقف إطلاق النار... ثم ربما يمكننا التفكير في المرحلة التالية من حياتنا".