تواصلت عمليات القصف الإسرائيلي على مختلف أنحاء قطاع غزة، حيث طالت بشكل خاص مخيّمات للنازحين بعد هجوم دامٍ على مدرسة تابعة للأونروا، في وقت دخلت الحرب شهرها التاسع.
ويكثف الوسطاء القطريون والمصريون، بدعم من الولايات المتحدة، جهودهم للتوصل إلى اتفاق يوقف الأعمال القتالية ويضمن إطلاق سراح رهائن إسرائيليين ومحتجزين فلسطينيين، فضلا عن تدفق المساعدات للقطاع المدمر لتخفيف الأزمة الإنسانية هناك، لكن مصادر قريبة من المحادثات قالت إنه لا توجد مؤشرات الى تحقيق انفراجة.
وأسفرت الحرب التي اندلعت في أعقاب هجوم نفّذته حركة حماس على الأراضي الإسرائيلية عن مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين، معظمهم من المدنيين، وفقاً لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس. كذلك حولت مباني القطاع ومؤسساته وطرقاته أكواما من الدمار، فيما يواجه سكّانه الذين يبلغ عددهم 2,4 مليوني نسمة خطر المجاعة.
ميدانياً، تواصلت عمليات القصف من الجو والبر والبحر على كامل أراضي القطاع المحاصر، والذي سيطرت حركة حماس على الحكم فيه في العام 2007.
وقالت وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع إنها أحصت 77 قتيلا على الأقل خلال 24 ساعة حتى صباح الجمعة.
وقُتل ستة أشخاص في دير البلح (وسط)، فيما أصيب ستة آخرون خلال الليل، بقصف صاروخي على منزل عائلة في مخيّم المغازي، وفقاً لمصدر طبي.
وقال أسامة الكحلوت من الهلال الأحمر الفلسطيني في قطاع غزة لوكالة فرانس برس، إنّ "قوات الاحتلال وقنّاصته تمركزوا في منطقة المطاحن شرق دير البلح، ما يشكّل خطورة على الحركة في شارع صلاح الدين" الساحلي.
وفي مدينة غزة، قُتل شخصان بينما أُصيب آخرون في هجوم صاروخي إسرائيلي على منزل، حسبما أفاد مصدر طبي.
وأفاد متحدث باسم بلدية النصيرات الجمعة أن غارة إسرائيلية أدت مساء الخميس إلى مقتل رئيس البلدية إياد مغاري بينما كان يزور محطة ضخ مياه. وقال الجيش الإسرائيلي إنه سينشر بيانا بشأن الغارة.
وذكر سكان أن الدبابات الإسرائيلية توغلت أكثر باتجاه الغرب في مدينة رفح بجنوب القطاع على الحدود مع مصر وسط معارك عنيفة بين القوات الإسرائيلية ومقاتلين بقيادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
من جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنّ قواته تواصل عملياتها في مناطق شرق البريج وشرق دير البلح حيث "قضت على عشرات" المقاتلين ودمرت أنفاقا وبنى تحتية يستخدمونها.
وفي مدينة رفح، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي عمليات "محدّدة الأهداف"، قالت القوات الإسرائيلية إنها عثرت الخميس على "أنفاق وأسلحة عديدة...".
وقال سكان إن القوات المدرعة، التي سيطرت على الشريط الحدودي لرفح، شنت هجمات عدة في غرب المدينة ووسطها مما أسفر عن إصابة مدنيين عدة حوصروا داخل منازلهم.
وذكر بعض السكان أن الدبابات ظهرت حديثا بمنطقة العزبة في أقصى جنوب غرب رفح بالقرب من ساحل البحر المتوسط.
وقال فلسطيني "أنا برأيي إنه قوات الاحتلال بتحاول توصل لمنطقة الشاطئ في رفح، الغارات طول الليل ومحاولة التوغل كانت تكتيكية وتحت غطاء من النار قبل ما يتراجعوا".
وأردف قائلا لرويترز عبر تطبيق للتراسل "كانت واحدة من أسوأ الليالي، في ناس اتصابوا جوات دورهم قبل ما يخلوهم الصبح".
أ ف ب
- فرار من المعارك -
من جانبه، أفاد مراسل وكالة فرانس برس أنّ زوارق حربية إسرائيلية أطلقت الجمعة قذائف باتجاه منازل في منطقة ميناء الصيد في الشيخ عجلين غرب مدينة غزة.
واستهدف الجيش الإسرائيلي مخيّمي المغازي والبريج في وسط قطاع غزة، إضافة إلى بلدة القرارة قرب خان يونس ومدينة رفح، وفقاً لمصادر محلية. كذلك، شن قصفا عنيفا بالطائرات والدبابات على مخيمي المغازي والنصيرات ومدينة دير البلح.
وأفاد الجناحان العسكريان لحركتي حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى أصغر بأن مقاتليهم نفذوا هجمات على القوات الإسرائيلية في مناطق عدة في وسط القطاع وجنوبه.
وقال الجيش الإسرائيلي في آخر تحديث له إنه قتل "عشرات" المسلحين وعثر على أنفاق أخرى ودمر المزيد من البنية التحتية للمسلحين في عملياته المستمرة في البريج ودير البلح بوسط غزة.
وأدى الهجوم على رفح الذي دفع مليون فلسطيني معظمهم نازحون بحسب الأمم المتحدة إلى الفرار شمالاً، إلى إغلاق المعبر مع مصر الذي يعد أساسياً لدخول المساعدات الدولية إلى القطاع المحاصر.
ويتوجّه النازحون إلى شواطئ دير البلح، رغم تلوّثها بمياه الصرف الصحي، وفق صور لوكالة فرانس برس.
ويقول محمد غابن "نزحت إلى منطقة بحرية للتخلّص من الحشرات والجو الحار... وروائح الجثث... نحاول تخفيف الحر عبر النزول إلى المياه، غير أنّ المياه غير صالحة... نتيجة تصريف مياه الصرف الصحي في البحر".
اندلعت الحرب في قطاع غزة بعد هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على الدولة العبرية، أسفر عن مقتل 1194 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفقاً لتعداد وكالة فرانس برس استناداً إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
خلال هذا الهجوم، احتجز المهاجمون 251 رهينة، ما زال 120 منهم في غزة، من بينهم 41 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.
ومنذ ذلك الحين، ترد إسرائيل بحملة عنيفة من القصف والغارات والهجمات البرية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 036731 شخصاً في غزة، معظمهم من المدنيين، وفقا لوزارة الصحة في القطاع. وقالت الوزارة إن عدد المصابين بلغ 83530 شخصا.
وأفاد مستشفى في قطاع غزة الخميس عن مقتل 37 شخصاً في قصف طال مدرسة تابعة للأونروا، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عنه قائلاً إنّ المدرسة تؤوي "مجمعا لحماس".
وقال الجيش في بيان إنّ "طائرات مقاتلة... نفذت ضربة دقيقة استهدفت مجمعاً تابعاً لحماس داخل مدرسة للأونروا في منطقة النصيرات".
أ ف ب
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الغارة بأنها "مثال مرعب جديد عن الثمن الذي يدفعه المدنيون"، بينما دان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد "القصف المتعمد لمدرسة تابعة للأونروا".
وأضاف أبو زيد عبر منصة إكس "تستمر الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية اليوم تلو الآخر على مرأى ومسمع من العالم".
- مطالب متضاربة -
ديبلوماسياً، دعا البيت الأبيض الخميس في بيان مشترك مع قادة فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا ودول في أميركا اللاتينية، إسرائيل وحماس إلى "تقديم التنازلات النهائية المطلوبة" للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
عرض الرئيس الأميركي في 31 أيار خريطة طريق قال إنّ إسرائيل اقترحتها، تنص في المرحلة الأولى على وقف لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع يترافق مع انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة، وإطلاق سراح رهائن احتجزتهم حماس خلال الهجوم، وسجناء فلسطينيين لدى إسرائيل.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري الخميس، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا)، إنّه "لم يرِد للوسطاء ردّ حتى الآن من قبل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، على المقترح الأخير حول صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين "حماس" وقوات الاحتلال الإسرائيلي".
ونقلت قناة القاهرة الإخبارية المقرّبة من الاستخبارات المصرية عن "مسؤول كبير" قوله إنّ حماس "ستقدم ردها بشأن مقترح الهدنة خلال الأيام القادمة" مشدداً على أن قادة حماس "يدرسونه بجدية وإيجابية".
لكن يبدو أن مطالب الجانبين المتضاربة تعرقل لتوصل إلى اتفاق.
وتقول حركة حماس إنّها مستعدّة لقبول أيّ اتفاق فقط إذا تضمّن وقفاً دائماً لإطلاق النار وانسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وقال مسؤول في حماس لرويترز "لقد أبدينا كل المرونة المطلوبة للتوصل إلى صفقة ولكن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يرفض أي التزام بوقف العدوان على شعبنا وسحب قواته من قطاع غزة".
وأضاف "الاحتلال والأمريكان بيتحملوا المسؤولية عن عدم الوصول لاتفاق حتى الآن بسبب معارضتهم لإنهاء الحرب على شعبنا".
وقال عضو المكتب السياسي لحماس أسامة حمدان المقيم في بيروت، لفرانس برس الخميس "ليس هناك مقترح، بل هي كلمات قالها بايدن في خطاب. وحتى اللحظة لم يقدم الأميركيون شيئاً موثقا أو مكتوبا يلتزمون من خلاله بما قاله بايدن في خطابه".
من جهتها، تؤكد إسرائيل، رغم الضغوط الدولية، أنّ هدفها هو القضاء على حركة حماس التي تصنّفها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أنّها "إرهابية".
- "الخيار العملي الوحيد" -
أدى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة المحاصر منذ الثامن من تشرين الأول، والدمار واسع النطاق، إلى إثارة أزمة إنسانية حادة، مع تباطؤ دخول المساعدات إلى القطاع الفلسطيني.
وأعلنت القيادة العسكرية المركزية (سنتكوم) الجمعة أنها "نجحت في إعادة الرصيف الموقت إلى غزة، ما يتيح الاستمرار في ايصال المساعدات الإنسانية التي تشتد حاجة سكان غزة إليها".
وقالت سلطات جمهورية قبرص، الجزيرة المتوسطية التي تمثل نقطة الانطلاق للممر البحري للمساعدات إلى غزة، إن أعمال الإصلاح "لم تعطل الإمدادات المقررة من المساعدات" وأن السفن المغادرة إلى غزة "أصبحت روتينا يوميا".
وصرّح وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس للصحافيين بأن "الطرق البرية الأكثر فعالية تمثل أولوية للجميع"، لكن في الوقت الحالي فإن الطريق البحري "هو الخيار العملي الوحيد لإرسال المساعدات إلى غزة، وهو غير كاف".