يُعتبر موسم الحج واحداً من أهم المواسم الدينية والاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي. يتوافد ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحج، ما يجعل من هذا الموسم مصدراً مهماً للعائدات الاقتصادية للمملكة، تتنوع بين الإيرادات المباشرة من خدمات الحج والإقامة، والإيرادات غير المباشرة من القطاعات الداعمة.
عدد الحجاج
سجّل موسم الحج في السعودية في هذا العام وصول نحو مليون ومئتي ألف حاج من مختلف دول العالم حتى نهاية 6 حزيران 2024، بحسب ما أعلن وزير الحج والعمرة السعودي توفيق الربيعة. وقد وضعت "رؤية السعودية 2030" هدفاً واضحاً يقضي برفع الطاقة الاستيعابية لضيوف الرحمن إلى 30 مليون معتمر بحلول عام 2030.
ويقدر بعض الاقتصاديين أن تتجاوز إيرادات الحج والعمرة 40 مليار ريال سنوياً (10,7 ملايين دولار تقريباً)، مشيرين إلى أن هذه الإيرادات تصبّ في صالح القطاع الخاص وليس في خزينة الدولة، ولا تمثل من الناتج المحلي أكثر من 4 في المئة. ومتوقع أن تتجاوز هذه الإيرادات 50 مليار ريال سنوياً (13,3 مليار دولار تقريباً) بعد تحقيق أهداف "رؤية 2030".
على صعيد متصل، أظهرت دراسة أجراها مركز السجيني للاستشارات الاقتصادية والإدارية أن 40 في المئة من إنفاق الحجاج يٌخصص للسكن، يليه النقل والمواصلات بنسبة 31 في المئة، ثم الهدايا بنسبة 14 في المئة، فالغذاء بنسبة تقترب من 10 في المئة، في حين تذهب نسبة 5 في المئة الباقية في أوجه إنفاق مختلفة.
رسوم الحج
تفرض المملكة رسوماً على تأشيرات الحج تختلف بناءً على الدولة التي يأتي منها الحجاج. تُعتبر هذه الرسوم مصدراً رئيسياً للدخل حيث تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً. في السنوات الأخيرة، تراوحت رسوم تأشيرة الحج بين 300 و500 ريال سعودي تقريباً (بين 80 و130 دولاراً).
توزيع رسوم الحج في المملكة العربية السعودية يعتمد على عوامل عدة، منها الجنسية، والخدمات المقدمة، والباقات التي يختارها الحجاج. توفر المملكة باقات مختلفة للحج، تتضمن خدمات الإقامة والنقل والإعاشة وتقدر تكلفة كل منها بناءً على مستوى الخدمات المقدمة.
يمكن تقسيم الباقات إلى فئات أساسية وفاخرة. في الباقات الأساسية، تتراوح التكلفة بين 10,000 إلى 15,000 ريال سعودي (بين 2,700 و4,000 دولار تقريباً) للشخص الواحد. وتشمل هذه التكلفة الإقامة في مخيمات أو فنادق متوسطة، والتنقل بالحافلات، وتوفير الوجبات الأساسية. وفي الباقات الفاخرة، تتراوح التكلفة بين 20,000 و40,000 ريال سعودي (بين 5,300 و10,600 دولار تقريباً) للشخص الواحد، وتشمل الإقامة في فنادق من فئة خمس نجوم، والتنقل بالطائرات أو الحافلات الفاخرة، وتوفير وجبات فاخرة.
قد تطال الحجج رسوماً إضافية، على رأسها رسوم النقل الداخلي، وتتراوح بين 1,000 و3,000 ريال سعودي (بين 270 و800 دولار تقريباً)، اعتماداً على وسيلة النقل المستخدمة، إلى جانب رسوم الخدمات الصحية شاملة التأمين الصحي والفحوصات الطبية، وتتراوح بين 500 و1,000 ريال سعودي (بين 130 و270 دولاراً تقريباً).
قطاعا النقل والفنادق هما الأكثر استفادة
يعتبر قطاع الفنادق والنقل من أهم القطاعات المستفيدة من موسم الحج، حيث تُقدَّر العائدات بمليارات الريالات.
فقد أعلنت وزارة السياحة السعودية أن عدد مرافق الضيافة الحاصلة على التراخيص اللازمة للتشغيل في مكة المكرمة بلغ 816 مرفقاً، بعدد غرف يتجاوز 227 ألف غرفة. وكشفت أن نسبة عدد الغرف في مرافق الضيافة التي حصلت على التراخيص في العاصمة المقدسة ارتفعت خلال الربع الأول من 2024 لتصل إلى 38 في المئة، مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.
إلى ذلك، يشتري الحجاج الهدايا والسلع خلال إقامتهم في المملكة لأداء مناسك الحج، ما يعزز نشاط الأسواق المحلية ويساهم في زيادة الدخل التجاري.
خدمات جليلة
يحقق موسم الحج للمملكة إيرادات غير مباشرة، تأتي من تطوير البنى التحتية والسياحة الدينية. من هذا المنطلق، تحرص الحكومة السعودية على تطوير البنية التحتية لمكة المكرمة والمدينة المنورة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج، حيث عملت على تهيئة المنشآت في المشاعر المقدسة وتطويرها لتحسين تجربة الحجاج، مي تتواءم مع خطط التفويج والتنظيم، إضافة إلى تدشين مشروع مسار المشعر الحرام ليكون ملائماً للسير والتنقل بيسر وسهولة، وتجهيز أكبر محطة تبريد بالعالم في المسجد الحرام لتلطيف الأجواء وتبريدها للحجاج.
كذلك، سيتم تشغيل قطار المشاعر بطاقة استيعابية تبلغ 72 ألف راكب في الساعة الواحدة، للمساهمة في نقل ما يزيد على 350 ألف حاج بين المشاعر المقدسة. وسيتم تطبيق 32 تجربة تقنية في موسم حج هذا العام، منها 17 تقنية جديدة تتنوع بين تجارب "التاكسي الطائر" وتوصيل الطلبات، وغيرهما من الخدمات المتنوعة.
وهيأت السعودية ستة مطارات لاستقبال رحلات الحجاج، مع تخصيص 21 ألف كادر بشري لخدمتهم في تلك المطارات، وتوفير 3.4 ملايين مقعد للحجاج على الرحلات الجوية، من خلال تسيير 7700 ألف رحلة.
وتحرص المملكة على ضمان التكامل الرفيع بين أنماط النقل كافة لخدمة ضيوف الرحمن منذ وصولهم إلى مطارات المملكة وتنقلهم في 35 قطاراً من خلال شبكة قطار الحرمين السريع، التي تضم أكثر من 1.6 مليون مقعد، أو من خلال قطار المشاعر، مع توفير 27 ألف حافلة لنقل ضيوف الرحمن خلال رحلتهم الإيمانية.
فرصة استثمارية
يُعتبر هذا التطوير فرصة للاستثمارات المحلية والدولية، ما يخلق فرص عمل كثيرة، ويساهم في النمو الاقتصادي. بعد أداء مناسك الحج، يتوجه العديد من الحجاج لزيارة المدينة المنورة وغيرها من المواقع الدينية والتاريخية في المملكة، لذا تُعتبر السياحة الدينية مصدراً مهماً للعائدات، إذ تُساهم في زيادة الإشغال الفندقي والمبيعات التجارية.
على الرغم من العائدات الكبيرة التي يجلبها موسم الحج، فثمة تحديات كثيرة تواجه المملكة، مثل إدارة الحشود وضمان سلامة الحجاج. تعمل الحكومة السعودية بشكل مستمر على تحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية لضمان تجربة حج آمنة ومريحة.
في هذا الإطار، أطلقت حملة دولية للتوعية بخطورة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج والحملات الوهمية وممارسات الاحتيال الإلكترونية في أكثر من 20 دولة بالعالم، إضافة إلى إطلاق حملة "لاحج بلا تصريح" بالشراكة مع وزارة الداخلية والجهات المعنية، فضلاً عن تدريب أكثر من 120 ألفاً من العاملين في بعثات الحج وقادة مجموعات الحجاج، من خلال 2500 دورة تدريبية بعدد من اللغات، أقيمت في السعودية وفي دول أخرى.