الأحد - 30 حزيران 2024

إعلان

مراسلة "وفا" رشا حرزالله... من قسوة الميدان إلى سجن "دامون"

المصدر: "النهار"
مراسلة "وفا" رشا حرزالله
مراسلة "وفا" رشا حرزالله
A+ A-
رولا عبدالله
 
مدّدت المحكمة العسكرية الإسرائيلية اعتقال مراسلة وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) رشا حرزالله، حتى 11 آب المقبل بتهمة التحريض. كان آخر ما كتبته رشا عبارة موجزة على "فايسبوك": "مجزرة في رفح: أطفال بلا رؤوس". ومنذ السادس والعشرين من أيار الفائت، غابت الزميلة على غير عادتها هي التي درجت العادة أن تنقل الصورة بمهنية موجعة من الميدان. ولأنّ كلماتها أكثر إيلاماً من صفعة سجّانها، اتُّخذ القرار بإسكاتها بأيّ ثمن، على الرغم من عنادها بخبرة تجاربها المرّة منذ قتل شقيقها الأكبر "أبو حمدي" برصاص الجيش الإسرائيليّ. وبات على شقيقها الأصغر من ذوي الحاجات الخاصّة أن يبكي مرّتين، واحدة لأنّه خسر أخاً العام الفائت، والثانية لأنّ "سنده في الحياة" حتماً تعاني حيث أودعت في سجن "دامون" مع عدد كبير من الأسيرات.
 
 
وعلى مرّ الأشهر الأخيرة، منذ بدأ العدوان، ابتعدت رشا عن تعداد أسماء وأعداد الضحايا الذين سقطوا في الغارات أو برصاص الجيش الإسرائيليّ، لتنبش في ذاكرة "بنك الأهداف" البشريّ. تعدّد: "عبد الكريم الحشاش جثّة أمامي. مناضل وكاتب وباحث فلسطينيّ، من مواليد بئر السبع عام 1947، وبعد النكبة نزح مع عائلته إلى مخيم رفح في غزّة، وبعد نكسة عام 1967 خرج إلى الأردن وثمّ إلى سوريا.
درس تخصّص اللغة العربية في جامعة دمشق، وعمل أستاذاً وكاتباً وباحثاً، وانتسب إلى اتّحاد الكُتّاب والصّحافيين الفلسطينيين وإلى اتّحاد الكتّاب العرب قبل أن يلقى مصرعه في غزّة". أمّا الطفلة حلا أبو سعدة، يتّمَها الجيش الإسرائيليّ بينما كانت طفلة رضيعة. حلا طفلة موهوبة لديها شغف استثنائيّ بالمسرح والدبكة والتصوير، وكانت تحكي باسم الأطفال الصمّ والبكم، وأدّت آخر أعمالها بلغة الإشارة. كبرت حلا من دون أب، وبعد 13 عاماً على ارتقائه، قتلها الاحتلال ووالدتها وأخوتها بتاريخ 16-10-2023 بينما بقيت شقيقتها دينا وحيدة".
 
 
ولا يفوت رشا أن تتذكّر شقيقها في كلّ شارة وواردة. تخاطبه باستمرار: "أبو حمدي، لو بقيت أكتبك لآخر يوم في حياتي فلن أنتهي، فأنا أحتاج عمراً فوق عمري لأبقى أتحدّث عنك ولا أبالغ، لكنّه الدم يمنعني الآن بل يخرسني ويعقد لساني ويجمّد ذاكرتي... نحن في حضرة دماء كثيرة يا أبو حمدي وأشلاء أكثر. قبل عام كما اليوم لفظت النفس الأخير بينما كنت أقف فوق رأسك، لكنّي مذ ذلك الحين صرت أراك أكثر... صدّقني أراك... أراك في وجه كلّ شهيد، وفي ضحكات الأطفال ودموعهم، أراك على وجه السماء، وعلى جذع زيتون البلاد وعلى بنادق الثائرين".
 
 
 
وتضيف رشا: " أتعلم حتّى في الموت يمكن أن تكون محظوظاً أكثر من غيرك في هذه البلاد، هناك من يدفنون في مقابر جماعيّة، من دون رثاء، من دون أن يجدوا من ينتحب فقدانهم، ومنهم من خطّ على أكفانهم "مجهولو الهوية"، لكنّنا نعلم ألّا مجهول عند الله. أبو حمدي... هل استقبلت أطفالنا؟ أتخيل أنّك استقبلت أطفالاً كثراً، استقبلت يوسف ابن الـ7 سنين "أبيضانيّ وشعره كيرلي وحلو"، واستقبلت الطفلة التي اكتفى جدّها بتسميتها "روح الروح"، وجوانا ذات العينين الزرقاوين، وغيرهم... لقد قتلوهم بلا رحمة، عجنوا أجسادهم الطرية بالصواريخ والنار"...
 
 
في زيارتها الأخيرة إلى لبنان قبل نحو عامين، حيث شاركت في مؤتمر نظّمته "نساء في الأخبار"، تحدّثت عن يوميات الفلسطينيّ وذلك الكفاح للصمود، وحين عادت أخبرت زميلاتها بحسرة: "لقد سرق الجنديّ الإسرائيليّ "كيلو" البقلاوة الذي أخذته معي. فتح العلبة والتهم ما فيها قطعة قطعة وتركني أنتظر إشارة عبور منه تحت وطأة شمس حارقة. هذه أحوالنا يا رفيقاتي، لكنّي وصلت بخير". بعدها كان في انتظار مراسلة "وفا" خسائر بشرية بالجملة من عائلتها الصغرى إلى رفاقها والمنازل والصور وكلّ ما يدلّ على هويتها: "فلسطينية مع وقف التنفيذ".
 
على صفحتها الخاصّة كتبت رشا تغريدة توجز حال الانقسام الفلسطينيّ:
- "شو وصيتك يا عبود؟
-ولا فصيل ينعاني"
أحوال رشا في سجن "دامون" قد لا تكون سهلة، وحتماً قلبها على والدتها وشقيقها من ذوي الحاجات، لكنّها لها "بشهامتها ونخوتها"، أينما تواجدت في الميادين والمؤتمرات وعلى مواقع التواصل. رشا تعرف كيف تنقل الرسالة وتصيب الهدف "نقفة في عين الإسرائيليّ". عسى ألّا تمدّد جلستها المقبلة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم