وقفات النهار الحرب اللبنانية عام 1975 شخصيات مؤثرة

إعداد: مجد بو مجاهدلكل حدث وجوهه، ولكلّ تحوّل شخصيّاته المؤثرة. لا يمكن اختصار أسباب اندلاع الحرب اللبنانية في عام 1975 بشرارة 13 نيسان (أبريل)، لا بل تعود أسبابها إلى محطاّت سابقة لهذا التاريخ، بدأت بأحداث عام 1958، واستمرّت مع تطوّر الحضور الفلسطيني المسلّح في لبنان، وصولاً إلى الجولات القتالية التي سبقت عام 1975 بين الجيش اللبناني والمسلّحين الفلسطينيين، وما حصل بعد عام 1975 من معارك بين لبنانيين رفضوا تشريع العمل الفدائي من الأراضي اللبنانية وآخرين دعموا الكفاح المسلّح.في ملحق اليوم، اخترنا أبرز الشخصيّات المؤثرة في هذه المحطّات، في "وقفة" الحرب اللبنانية في عام 1975.كميل نمر شمعون (1900 – 1987) "إن هذه الرئاسة تكليف وخدمة، ليست مكافأة ولا رتبة، فهي تحمّل متوليها واجبات وأعباء، ولا تدرّ عليه منافع أو تمنحه امتيازات. إن رئيس الجمهورية لن يسمى رئيس البلاد، ولا بالأحرى سيّد البلاد، فأمثال هذه الألقاب تنافي أسس الجمهورية والديموقراطية، وتحطّ من كرامة الشعب، الذي لا سيّد سواه".(الرئيس كميل شمعون)لم يكن كميل نمر شمعون شخصاً على تخوم صفحات التاريخ اللبنانيّ، إنّه كان اسماً في عمق صناعة جزءٍ من محطات التاريخ اللبنانيّ الذي دوّن يوم ولادته في 3 نيسان (أبريل) 1900 كبداية لمن استطاع أن يترعرع على أدراج مرتفعات السياسة حتى الهدف الأكثر شموخاً مع انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية. لكن، قبل بلوغه تلك المرحلة السرمدية في سيرته، كان كميل شمعون يمشي درباً من الطموحات التي لم تخلُ من التحديات، بعد نفي والده إلى الأناضول بين عامي 1916 و1918، فإذا بالعائلة ترافق الوالد في منفاه قبل أن يعود كميل شمعون إلى بيروت ليتابع دراسته الجامعية في الجامعة اليسوعية وينجزها في عام 1923 حائزاً إجازة في الحقوق، ثم يستهلّ مهنة المحاماة في بيروت في عام 1924.عندما استهوته السياسة، نشأ كاتباً في جريدة "لو ريفاي" مع تحضيراته للعمل السياسيّ في عام 1926. وما كان للنجاح السياسيّ الأول إلا أن تبلور في عام 1929 حين انتخب كميل شمعون نائباً عن جبل لبنان. تكلّل زواجه في عام 1930 من السيدة زلفا تابت. أعيد انتخابه نائباً في عام 1934 قبل أن يتولى وزارة المال في حكومة الأمير خالد شهاب. تسلُّق سلّم النجاحات النيابية يتابع في مسيرة شمعون، إذ انتخب نائباً في عام 1938 عن الشوف. تولّى وزارة الداخلية في عام 1943 وشارك في معركة الاستقلال. محطات دولية انتظرت شمعون بعد ذلك، فإذا به يعيّن في عامي 1943 و1944 وزيراً مفوّضاً للبنان في لندن. ثمّ رأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الطيران المدني في شيكاغو بنهاية عام 1944، قبل أن يمثّل لبنان في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في لندن ونيويورك في عام 1945. مقعد وزاريّ آخر كان في انتظار شمعون في عام 1947، حيث عيّن وزيراً للمال في حكومة الرئيس عبدالله اليافي. انتخب كذلك نائباً عن الشوف في عام 1947. وكان له موقف بارز دفاعاً عن القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة في عام 1948. بعد النيابة والوزارة، حان زمن رئاسة الجمهورية. الأول من أيلول (سبتمبر) 1952 تاريخ انتخاب كميل نمر شمعون رئيساً للجمهورية اللبنانية، فيما بقي مناصروه من اللبنانيين يستذكرون عهده الذي تميّز بالخير والبحبوحة والازدهار. وعندما أرادت "النهار" أن تسترجع صفحات ما نقشه التاريخ النابض بمحطات الرئيس كميل شمعون في انطباعات اللبنانيين، كتبت أن اللبنانيين أحبّوا فيه النهضة العمرانية والازدهار الاقتصادي وبساطته وسلوكه الشعبي وصداقاته العربية والدولية وبدايات عهده التي تميّزت بالاستقرار والوحدة الوطنية و"فتى العروبة الأغر".وقف الرئيس كميل شمعون في وجه المدّ الناصري بانضمامه إلى حلف بغداد، ولم يخضع لرياح الجمهورية العربية المتحدّة، ما كلّفه محاولة انقلاب جديّة على عهده في أحداث عام 1958. لكن ولاية شمعون عرفت بفترة ذهبية تجسدت في نهضة عمرانية وازدهار اقتصادي وصداقات عربية ودولية. ويضاف إلى خصال عهده أنه كان رئيساً سيادياً مرتكزاً على مبادئ الحرية والسيادة التي جذبت الجمهور إليه. واستطاع أن يحصل على شعبية لافتة بعد مواقف كلّلت نشاطه السياسي خلال معارضته سلطة الرئيس بشارة الخوري. وكانت "الشمعونية" التي أسّسها عابرة للطوائف، فإذا بها تتحوّل بذاتها مذهباً سياسيّاً. ومن الإنجازات التي تحققت في عهد شمعون تأسيس مشاريع تنموية كان يشرف رئيس الجمهورية على تنفيذها.كان كميل شمعون رئيساً تغييرياً وسط نشاط عمرانيّ وتنفيذ إصلاحات إدارية شملت البلديات في عهده. كذلك، تعاظم دور مرفأ بيروت في العهد الشمعوني وتأسست الجامعة اللبنانية وارتفع مستوى الاهتمام بالأدب والثقافة. وافتتح أوّل معرض لبناني للرسم تنظّمه الدولة اللبنانية. وبرزت قوّة علاقات كميل شمعون العربية بدءاً من تقدير موقفه الذي دافع خلاله باسم الوفود العربية جميعاً عن وجهات النظر العربية خلال اجتماعات الأمم المتحدة في عام 1947، وبقيت قوّة علاقاته العربية في فترته الرئاسية أيضاً. ارتبط شمعون أيضاً بعلاقاته مع الدول الغربية، حتى أنه كان مشبعاً بالثقافة الغربية. بعد نهاية ولايته الرئاسية في عام 1958، بدأ يهتمّ أكثر في العمل الحزبي. فإذا به يؤسّس حزب "الوطنيين الأحرار" في عام 1959، قبل انتخابه نائباً عن المتن في عام 1960. لم يستطع الوصول إلى البرلمان في انتخابات عام 1964، لكنه انتخب بعد ذلك نائباً عن الشوف في عام 1968 ثم في عام 1972.بقي الرئيس كميل شمعون ناشطاً في توليه المقاعد الوزارية بعد تلك المرحلة، فإذا به يشترك في حكومة الرئيس رشيد كرامي وزيراً للداخلية والموارد المائية والكهربائية والبريد والبرق والهاتف في عام 1976. ثم عيّن وزيراً للمال والإسكان والتعاونيات في حكومة الرئيس رشيد كرامي في عام 1984، قبل أن يصبح عميداً لحزب "الوطنيين الأحرار" بعدما انتخب نجله داني شمعون رئيساً للحزب في عام 1985.تولّى رئاسة "الجبهة اللبنانية" منذ تأسيسها في أواخر عام 1976 وحتى وفاته، وانخرط بجولات الحرب اللبنانية إلى جانب حلفائه راعياً كبيراً للمقاومة اللبنانية التي خاضت مواجهات قتالية ضد الفدائيين دفاعاً عن لبنان وكذلك الجيش السوري وهيمنة حافظ الأسد في جولات قتالية عديدة وأهمّها "حرب المئة يوم" في الأشرفية في عام 1978.من كتاباته في القضية اللبنانية: "مراحل الاستقلال" باللغة العربية في عام 1960، "أزمة في الشرق الأوسط" باللغة الفرنسية في عام 1963، "أزمة في لبنان" باللغة الفرنسية في عام 1977، "مذكّرات وذكريات"، جزءان باللغة الفرنسية.حاز الرئيس كميل شمعون أوسمة كثيرة، وتوفي في 7 آب (أغسطس) 1987. في اليوم التالي عنونت "النهار" إحدى صفحاتها الأساسية عن رحيله: "كميل شمعون...