بعد قرابة تسعة أشهر من الاعتقال، خرج الصحافي الفلسطيني معاذ عمارنة من السجن من دون أن توجّه إليه رسميا أي تهمة، وهو واحد من عشرات الصحافيين من الضفة الغربية وقطاع غزة المعتقلين في إسرائيل.
وتقول لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقرّا إن تحقيقاتها الأولية أظهرت مقتل 103 صحافيين وعاملين في مجال الإعلام في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، في حين اعتقل بين السابع من تشرين الأول والثالث من تموز 51 صحافيا.
ومُنعت الزيارات عن معاذ عمارنة (37 عاما)، وهو مصوّر صحافي حرّ، خلال فترة اعتقاله. وشكت عائلته من أنه لم يُسمح لها بإدخال عين اصطناعية يستخدمها منذ أن اقتلعت رصاصة مطاطية من الجيش الإسرائيلي عينه في العام 2019.
وقالت زوجته ولاء عمارنة (34 عاما) قبل أسابيع لوكالة فرانس برس "أرسلنا العين الاصطناعية مع المحامي، لكن لم يسمحوا بإدخالها".
وروت أن زوجها تعرّض "لتنكيل من الجنود الإسرائيليين في بداية الاعتقال"، ما أدّى الى "كسر نظارته". وسُمح للعائلة بإرسال مبلغ 500 شيكل (نحو 133 دولارا أميركيا) لتوفير نظّارة له.
وقالت ولاء عمارنة إن زوجها يعاني من آلام حادة في الرأس جراء "استقرار الرصاصة في رأسه".
في العام 2019، كان عمارنة يغطّي تظاهرة ضد مصادرة إسرائيل أراضي في قرية صوريف في جنوب الضفة الغربية عندما أصيب برصاصة مطاطية أفقدته عينه اليسرى، وفق ما تقول عائلته.
الثلثاء، أكدت عائلة معاذ عمارنة الإفراج عنه من سجن النقب الصحراوي.
وتشهد الضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل منذ العام 1967 تصعيدا بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ أن اندلعت الحرب في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول.
وكثّف الجيش الإسرائيلي عملياته في الضفة، مشيرا الى أنها تستهدف "مجموعات إرهابية".
وقتل ما لا يقلّ عن 561 فلسطينيا في الضفّة بأيدي القوات الإسرائيلية أو مستوطنين منذ اندلاع حرب غزة، بحسب مسؤولين فلسطينيين.
- عقوبة "التحريض" -
وأظهرت صور تمّ تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد الإفراج عنه عمارنة وقد بدا نحيلا مع لحية كثة وشعر طويل.
وأصدرت عائلته بيانا قالت فيه إنها ستنقل "معاذ الى المستشفى للمعاينة الطبية بسبب الحالة الصحية الصعبة التي أفرج عنه فيها"، مشيرة الى أنه لن يدلي بتصريحات للإعلام.
وكان اعتقل من منزله في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين في مدينة بيت لحم في جنوب الضفة الغربية بعد أقلّ من أسبوع على اندلاع الحرب. ووضع في الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر تمّ خفضها إلى خمسة قبل أن يجدّد في آذار الماضي اعتقاله الإداري لأربعة أشهر.
ويسمح الاعتقال الإداري لإسرائيل باحتجاز مشتبه بهم دون تهمة أو محاكمة، أو مع إبقاء التهم سرية، لفترة طويلة قد تمتد سنوات.
ولم تردّ مصلحة السجون الإسرائيلية على سؤال لوكالة فرانس برس حول ادعاءات عائلة عمارنة.
ويقول نادي الأسير الفلسطيني إن إسرائيل تعتقل صحافيين "على خلفية ما يسمى التحريض عبر وسائل الإعلام (...) ومنصات التواصل الاجتماعي التي تحوّلت من أداة لحرية الرأي والتعبير إلى أداة لاستهداف الصحافيين والفلسطينيين عموما".
في قطاع غزة، تسببّت الحرب بمقتل 38193 شخصا، غالبيتهم مدنيون، وفق وزارة الصحة في قطاع غزة.
وكان هجوم حماس أوقع 1195 قتيلا، غالبيتهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى بيانات رسمية إسرائيلية.
وبحسب رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين الفلسطينية محمد اللحام، "90 في المئة" من الصحافيين المعتقلين "محكومون إداريا".
وتضمّ قائمة الصحافيين المعتقلين ست صحافيات، بينهم أم لطفلة رضيعة وهي الصحافية رولا حسنين.
- حبس منزلي -
في شباط، دان خبراء من الأمم المتحدة قتل الصحافيين وإسكاتهم في الأراضي الفلسطينية.
وجاء في بيان أصدروه "نعرب عن قلقنا البالغ حيال الارتفاع غير المسبوق في أعداد الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام الذين تعرّضوا للقتل والاعتداء والجرح والاحتجاز في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، لا سيما في غزة، خلال الأشهر الأخيرة في تجاهل صارخ للقانون الدولي".
منذ تشرين الثاني والصحافية الفلسطينية سمية جوابرة رهن الحبس المنزلي غير المحدّد بسقف زمني في نابلس في شمال الضفة الغربية، بعد اعتقال لأسبوع بتهمة التحريض عبر فايسبوك. وقال زوجها الصحافي طارق يوسف إن المحكمة قالت إن المنشورات مرتبطة بهجوم السابع من تشرين الأول.
وبحسب يوسف، اعتقلت جوابرة التي كانت تعمل كصحافية حرّة بعد أن "طالها تحريض مستوطنين نشروا صورتها كأنها مطلوبة".
وأفرج عن الصحافية التي كانت حاملا في شهرها السابع بشروط أهمها الحبس المنزلي وعدم استخدام الهاتف المحمول أو اقتنائه أو استخدام الإنترنت وعدم الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام، إلى جانب دفع كفالة بقيمة 50 ألف شيكل (13443 دولارا) تقريبا.
ويقول يوسف "بسبب هذه الشروط، انتهى مستقبلها المهني".
ولم يتسنّ لفرانس برس الاطلاع على المنشورات بسبب حذف جوابرة حسابها على فايسبوك.
- "مخيف" -
في تشرين الثاني، وافقت إسرائيل وحركة حماس على هدنة في قطاع غزة استمرت أسبوعا أفرج خلالها عن أكثر من مئتي معتقل فلسطيني من سجون إسرائيلية مقابل 105 رهائن لدى حماس خطفوا خلال هجوم السابع من تشرين الأول.
حينها، كان المصور الصحافي المتعاون مع فرانس برس مصعب شاور في طريقه إلى مدينة يطا قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية لتغطية وصول ثلاثة من المفرج عنهم، قبل أن يوقفه حاجز إسرائيلي.
ويقول شاور (33 عاما) "تمّ توقيفي مع زميلين صحافيين واحتجاز المركبة وتفتيشها وفحص بطاقاتنا الشخصية ومصادرة هواتفنا المحمولة وتفتيش محتوياتها".
ويضيف "تمّ اقتيادنا، ونحن مقيّدو الأيدي بأربطة بلاستيكية ومعصوبو الأعين، إلى برج عسكري".
وبحسب شاور، فإن مهمة التصوير تحوّلت سبع ساعات من الاحتجاز قبل أن يفرج عنهم.
ويشير إلى أنه كان أصيب في اليوم الأول من الحرب "برصاصة مطاطية في الفخذ الأيسر" في الخليل.
بالنسبة لشاور، أصبحت التغطية بعد الحرب "مخيفة" بسبب التضييق الذي يمارسه الجيش ضد الصحافيين.
ويقول "بعد الحرب أصبح كلّ شيء مخيفا... نفكّر مرتين قبل التوجّه الى تغطية".