رولا عبدالله
تستمدّ عارضة الأزياء بيلا حديد قوّة مواقفها من التاريخ. لم تأخذها "تسويات" النجوميّة يوماً من حقيقة أنّها فلسطينية على الرغم من كونها أميركيّة المولد ووالدتها عارضة أزياء هولنديّة.
تجاهر على الدوام بأنّها من أحفاد الشيخ ظاهر العمر، أمير الناصرة وشيخ الجليل، وعن سيرته كتب الروائي إبراهيم نصرالله ملحمة "قناديل ملك الجليل". وفي زمانه، في حدود عام 1780، نجح في طرد الوالي العثماني أحمد باشا الجزار من بيروت ووطّد العلاقات مع التجار الأوروبيين لدعم اقتصاد المنطقة. تاريخ جدّها الظاهر، الذي أشار إليه المؤرّخ الفرنسي فولتي: "لم تر سوريا مثيلاً لظاهر العمر في الأزمنة الّتي توالت عليها لأنّه كان داهية في السياسة حكيماً محنّكاً"، وطّد علاقة بيلا بأرض عاشت بعيدة عنها، لكن بقيت جذورها راسخة في قلبها مثل شجرة زيتون معطاء.
"دمي فلسطيني". تعرّف بيلا عن هويتها الأم في مواجهة حملات شرسة تتهمها بمعاداة الساميّة، وليس آخر هذه الحملات إلغاء شركة الملابس والمعدّات الرياضية الألمانية "أديداس" مشاركتها في حملةإعلانيّة ضخمة تترافق مع أولمبياد باريس 2024، وبالتالي حذف صورها من اللافتات الإعلانية مع تقديم اعتذار رسمي لإسرائيل ووعد بـ"مراجعة حملتنا". انطلقت الحملة من البناء على حادثة هزت أولمبياد ميونيخ عام 1972، حين قامت مجموعة "أيلول الأسود"بعمليات خطف لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين.
قبلها لم تجدّد "ديور" عقدها مع العارضة التي استبدلتها بأخرى إسرائيليّة. وعلى المنوال حذت شركات قاطعت بيلا خوفاً من هجمة اسرائيلية تكون قاسية على الصعيد الإقتصادي. تبرر "أديداس": "تفوّقنا على نايكي الأميركية هذا العام بعد تحديث إصدارات قديمة بينها سامبا وغازال وSL72 وغيرها من أيقونات الموضة، ولن نسمح بخطوات ناقصة في هذا المجال". ماذا عن بيلا حديد هي الأخرى المتمسّكة بثابتة أنها من بلد "شجرة الزيتون"؟ بيلا تخبر حكايتها:
تقول إيزابيلا محمد حديد، ولديها ثلاث شقيقات هنّ جيجي ومارييل وألانا وشقيق يدعى أنور يعمل عارض أزياء، إنّ تاريخ أجدادها، ومعاناتهم لاحقاً، لا يسمح بالتهاون في مسألة الانتماء. وعلى منوالها اختارت شقيقتها ألانا تأسيس شركة مستقلّة لتوزيع وإنتاج وتمويل الأفلام، كرّستها لصالح الشعب الفلسطيني ونقل ثقافته وموروثه إلى العالم.
وإن كان ظاهر العمر جد بيلا، فمن غير المستغرب أن تنتصر للتاريخ مهما جاءت خساراتها الماليّة والمهنيّة مرتفعة. أكثر من ذلك اختارت أن تقاضي "أديداس" وتنتقم من المنصّات الإسرائيلية التي وحدت العبارة على "إكس": "خمّنوا من وجه حملتهم؟ بيلا حديد.. عارضة أزياء نصف فلسطينية".
نشأت إيزابيلا وإخوتها في مزرعة في سانتا باربرافي كاليفورنيا، وبعد عشر سنوات انتقلت العائلة إلى بيفرلي هيلز. والدها مطوّر عقارات يربح كثيراً ويخسر في أحيان إلى حدود الإفلاس، ومع ذلك العائلة ثابتة في دعمها فلسطين من منطلق ما كتبت بيلا على منصتها: " أقف مع إخوتي وأخواتي الفلسطينيين، وسأحميكم وأدعمكم بأفضل ما أستطيع. أحبكم. أناأشعر بكم. وأنا أبكي عليكم. أتمنى أن أزيل ألمكم... لقد قيل لي طوال حياتي إنني: امرأة فلسطينية ليست حقيقة. لقد قيل لي إن والدي ليس له مكان ميلاد إن كان من فلسطين. وأنا هنا لأقول إن فلسطين حقيقية إلى حد كبير، والشعب الفلسطيني موجود هنا ليبقى ويتعايش. كما فعلوا دائماً. وسنجتمع كعائلة دائماً".
أخذت بيلا جميلة فلسطين، المولودة في واشنطن في 9 تشرين الأول 1996، جمال والدتها وحب المغامرة من والدها والإرادة من أجدادها منطلقة من مزرعة العائلة في كاليفورنيا إلى بيفرلي هيلز حيث تعلمت الفروسيّة على أمل مشاركتها في الأولمبياد لكنّ تشخيص إصابتها ووالدتها وشقيقها بمرض لايم أنهى حلم الفروسيّة لتخطو بثقة نحو عالم تصوير الأزياء ومن ثمّ تعاقدت عام 2014 مع كالة "آي إم جي مودلز". وظهرت لأول مرة في أسبوع الموضة في نيويورك فيأيلول من العام نفسه، حيث سارت على منصّة عرض الأزياء لصالح الشركة. وبإطلالتها اللافتة ظهرت على أغلفة المجلات وباتت تتدرّج في نجوميتها وكرّت سبحة الإعلانات.
وبجانب عملها الاحترافي في دنيا عروض الأزياء، تطوّعت في إعداد 500 وجبة لمنظمة Bowery Mission، وهي منظمة غير ربحية تقدم الوجبات الساخنة والمأوى لسكان نيويورك الذين يعانون من التشرد.
في عام 2020، أعلنت بيلا أنها تبرعت لبنوك الطعام المحلية في مدينة نيويورك ولمؤسسة Feeding America لدعم الإغاثة من فيروس كورونا. كما دعمت الأونروا في الولايات المتحدة الأميركية وتحالف أطفال الشرق الأوسط (MECA) للمساعدة في دعماللاجئين.
باعت بيلا في المزاد العلني تصاميم الملابس التي ابتكرتها في منزلها أثناء إغلاق كوفيد-19، حيث ذهبت جميع العائدات إلى منظمات خيرية. وبعد حادثة انفجار بيروت، أعلنت أنها ستتبرع لثلاث عشرة جمعية خيرية في لبنان.
شعارها على صفحاتها: "فلسطين من النهر إلى البحر ستكون حرة". عبارة كفيلة بإثارة مشكلات لا تنتهي مع النجمة التي تؤكّد: "دمي فلسطيني". وعلى "إنستغرام" غردت: "إن شجرة الزيتون، المتجذرة في التربة القديمة، تعكس صورة الفلسطينيين الراسخين في أعماق وطنهم".
يقول والدها المليونير محمد حديد: "فخور بأن بيلا هي ابنة فلسطين وتعكس ذلك في مواقفها الجريئة".
في الغرب بيلا حديد كسرت الصورة النمطيّة للفلسطيني الذي لا يظهر إلا ضمن أخبار الفقر والجوع والتشرّد منطلقة نحو دنيا مفعمة بالحياة وعيشها الحلو من دون تنازلات لثوابت بينها الوطن والأسرة. أمّا المهنة، فيها الربح والخسارة والموقف ووقع "الصورة" الأقوى من أي إعلان.