الإثنين - 09 أيلول 2024
close menu

إعلان

وقفات "النهار" البشير في السودان (1989) الانقلاب الغامض

المصدر: "النهار"
Bookmark
وقفات "النهار"
وقفات "النهار"
A+ A-
إعداد: عباس هدلةفجر 30 حزيران (يونيو) 1989، نفذت مجموعة من الضباط في القوات المسلحة السودانية انقلاباً أطاح الحكومة المدنية التي يرأسها السيد الصادق المهدي. وأصدر مجلس قيادة ثورة "الإنقاذ الوطني" برئاسة عمر حسن أحمد البشير ثلاثة مراسيم علق بموجبها العمل بالدستور وأعلن حال الطوارئ في البلاد وحلّ الجمعية التأسيسية ومجلس رئاسة رأس الدولة ومجلس الوزراء والأحزاب السياسية. وجاء في بيان قيادة الثورة أن الوحدات العسكرية المختلفة "أعلنت دعمها للثورة وهي تؤمن مسيرة المؤسسات والقطاعات الحيومية في البلاد". وأشار إلى أن الاستيلاء على السلطة تم من دون مقاومة من الميليشيات الحزبية، وأن الجيش فرض نظام منع التجول وأغلق المطار لمواجهة أي احتمال إلى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد. وبثت إذاعة أم درمان أن مجلس قيادة الثورة يتألف من 15 عضواً، برئاسة العميد أركان حرب البشير ورتبته ثالث أرفع رتبة عسكرية في سلاح المظلات، وتولى إحدى الوحدات العسكرية في جنوب السودان. وعيّن المجلس العميد محمد صالح نائباً لرئيسه. وفيما أفادت مصادر وزارة الخارجية المصرية أن الحكومة تتابع عن كثب المعلومات الواردة من السودان، أبدت مارغريت تتوايلر، الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، أسف حكومتها لأن الجيش السوداني أطاح "الحكومة السودانية المنتخبة ديموقراطياً"، وحضّت على "عودة مبكرة للديموقراطية". انقلاب الفريق عمر حسن البشير في السودان ليس الأول، ولن يكون الأخير، في بلد شهد خلال 20 عاماً نحو 15 انقلاباً ومحاولة انقلاب، وقع معظمها أو أحبط خلال فترة حكم الرئيس السابق جعفر النميري بين عام 1969 تاريخ وصول النميري إلى السلطة في الخرطوم ونيسان (أبريل) 1985 تاريخ إطاحته على يد الفريق عبد الرحمن سوار الذهب. وكان النميري قد بشّر في منتصف حزيران (يونيو) 1989 بأن انقلاباً سيحصل في السودان قريباً. وبالفعل وقع انقلاب على يد أنصاره، لكن رئيس الوزراء الصادق المهدي استطاع إحباطه وإفشاله، ثم أعلن النميري أنه سيغادر القاهرة منفاه إلى لندن، ومنها إلى بلد مجاور للسودان تمهيداً لانقلاب جديد، وحصل الانقلاب الذي سرعان ما أيده النميري. بعد إطاحة النميري، شهد السودان مرحلة مخاض سياسي بدأت مع التجربة الديموقراطية التي سمحت الانتخابات النيابية فيها ببروز تيارات وأحزاب سياسية على ساحة السلطة. ومنذ أيار (مايو) 1986، أي تاريخ تشكيل حكومة الصادق المهدي، والبلاد تعاني أزمات في الداخل ومع الخارج، وأبرزها الحرب الأهلية الدائرة في الجنوب منذ عام 1983. أتى انقلاب سوار الذهب رفضاً لفرض الشريعة الاسلامية التي حاول النميري تطبيقها لاحتواء نقمة الأصوليين. وتوصل الصادق المهدي خلال المفاوضات التي جرت مع "جيش التحرير الشعبي الجنوبي" بزعامة جورج غارانغ إلى التخلي عن هذا الفرض، وظهر في لقاءات أديس بابا التي أقر فيها المؤتمر الدستوي انتهاج الصادق المهدي منهج إبعاد الدين عن السياسة ثمناً للتوصل إلى اتفاق مع مسيحيي الجنوب ووثنييه الذين يهددون بالانفصال. دفع المهدي ثمن هذه السياسة عندما استقالت حكومته في شباط (فبراير) 1988، ووجد نفسه أمام ضغط العسكريين الذين رفعوا إليه مذكرة حددوا فيها مهلة للإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية تشكلت من دون أن تستطيع حلّ مشاكل السودان الاقتصادية والمالية، من عجز مالي وركود اقتصادي وأزمات المجاعة والفقر والأمراض، ومشاكل سياسية أبرزها نقمة الأصوليين الإسلاميين على سياسة الصادق المهدي. تركزت أولويات بيان الفريق عمر البشير الانقلابي على استعادة وحدة السودان المهددة ونيته "تجميد" موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية، استكمالاً لمصلحة الوحدة وحلّ الأحزاب السياسية. كما بشّر البشير الشعب السوداني بمكافحة الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية وكذلك الرشوة. وأكد إخراج السوادن من العزلة وتوطيد علاقاتها مع الدول العربية "التي أضحت مجالاً للصراع الحزبي في البلاد". كما نفى البشير أي علاقة له أو لأي أعضاء المجلس بالرئيس السابق جعفر النميري، ووعد بإجراء محاكمات عامة للمسؤولين المتهمين بالفساد في حكومة الصادق المهدي، وصهر المجتمع السوداني في بوتقة واحدة. أظهر البشير في بداية عهده تقرباً من مصر وتجانساً معها، حيث التقى مبعوث الرئيس المصري حسني مبارك السيد حسن أمين نمر الذي أكد دعم الحكم المصري للثورة، وأن مصر ستقدم العون إلى السودان في أي وقت. وفي أول رحلة خارجية له منذ تسلمه السلطة، قام البشير بزيارة خاطفة إلى القاهرة واجتمع مع الرئيس المصري حسني مبارك، وأكد أن مشكلة الجنوب السوداني "لا تحل إلا من خلال المفاوضات وأن الحل العسكري غير وارد اطلاقاً". وأكد أن "المعاونة التي قدمها إلينا الرئيس حسني مبارك سهلت مهمتنا وحملت عنا المشاكل التي كنا نتوقع أن تواجهنا ما سهل انتظام دولاب العمل في السودان". وفي 6 تموز (يوليو) 1989، تم اعتقال رئيس الحكومة المخلوع الصادق المهدي، لينجح الانقلاب في تدعيم ركائزه وينهي أي خطر على سيادة الحكم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم