قامت فرنسا ببادرة مهمة باتجاه الرباط، الثلثاء، بتأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب للصحراء الغربية معتبرة أنه "الأساس الوحيد" للتوصل إلى تسوية للنزاع المستمر منذ نحو خمسين عاما مع جبهة بوليساريو.
وعلقت جبهة بوليساريو مستنكرة دعم فرنسا "للاحتلال العنيف وغير المشروع" للصحراء الغربية.
وبعدما نددت الجزائر الداعمة للناشطين الصحراويين بالموقف الفرنسي منذ الأسبوع الماضي، أعلنت الثلثاء "سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري، على أن يتولى مسؤولية التمثيل الديبلوماسي الجزائري في فرنسا من الآن فصاعدا قائم بالأعمال"، وفق ما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية.
وقال مصدر ديبلوماسي بعد قرار الجزائر سحب سفيرها في باريس "لا تعليق لدينا على هذا القرار السيادي، من جهتنا، نبقى عازمين على مواصلة تعميق علاقتنا الثنائية مع الجزائر".
وكان المغرب الذي يعتبر مسألة الصحراء الغربية قضية وطنية، يترقب هذه الخطوة الفرنسية، في ظل الفتور الذي سيطر على العلاقات مع فرنسا في السنوات الأخيرة بعد سلسلة من الأزمات الديبلوماسية.
وأشادت سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بـ"دعم واضح للسيادة المغربية"، في تعليق لوكالة فرانس برس.
وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة إلى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتوليه العرش، أن "حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية"، بدون أن يعترف صراحة بأن هذه المنطقة جزء من المغرب.
وأكد أنه "بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية" مضيفا "دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت".
وكتب ماكرون في الرسالة التي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منها أن هذا المخطط "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة يسيطر المغرب على 80% من مساحتها، لكن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر تطالب بالسيادة عليها.
وتقترح الرباط منح هذه المنطقة حكماً ذاتياً تحت سيادتها، فيما تدعو جبهة البوليساريو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتّفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.
وتعتبر الأمم المتحدة المنطقة التي تحتوي على ثروات سمكية واحتياطات كبيرة من الفوسفات، من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".
- "ضرورة" التنمية -
وأشار ماكرون إلى أنه "من الضروري مواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة" منوها "بجهود المغرب" على هذا الصعيد ومشيرا إلى أن فرنسا "ستواكب المغرب في هذه الخطوات لفائدة السكان المحليين".
وعلق الديوان الملكي في بيان أن "إعلان الجمهورية الفرنسية، العضو الدائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يشكل تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء".
وبعد اعتراف الولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب أواخر 2020 بسيادتها على هذه المنطقة مقابل تقارب بين المغرب وإسرائيل، تبذل الرباط مساعي ديبلوماسية حثيثة للحصول على دعم دول أخرى.
وفي 2022 بدلت إسبانيا موقفها المحايد واعتبرت المخطط المغربي "القاعدة الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لتسوية الخلاف"، ما خفف من حدة التوتر في العلاقات بين البلدين.
غير أن وزير خارجية "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" المعلنة من طرف واحد محمد سيداتي استنكر التبدل في الموقف الفرنسي.
وقال في بيان نشرته مساء الاثنين "وكالة الأنباء الصحراوية" إن "الحكومة الفرنسية لم تعد تخفي موقفها" بإعلانها رسميا "دعم" هذا المخطط.
ورأى أن فرنسا كانت "منذ البداية طرفا في النزاع" حول الصحراء الغربية إذ اتهمها بـ"التصدي لعملية السلام فيها" و"تسليح المغرب".
وحذر سيداتي من أن المنطقة "على شفير زعزعة واسعة للاستقرار" فيها.
وكانت الجزائر "استنكرت بشدة" الخميس "قرارا غير منتظر" اتخذته الحكومة الفرنسية بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية، مشيرة إلى أن باريس أبلغتها "في الأيام الأخيرة" هذا القرار.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيانها الأسبوع الماضي "أخذت الحكومة الجزائرية علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة".
وحذر البيان من أن الحكومة الجزائرية "ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتُحمِّل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك".
واثارت سياسة التقارب التي اعتمدها ماكرون حيال الجزائر استياء المغرب، كما تصاعد التوتر بين البلدين في السنوات الأخيرة على وقع سلسلة من الأزمات الديبلوماسية.
غير أن سميرة سيطايل أكدت أن "المواضيع الخلافية باتت خلفنا، لا بل تخطيناها" متوقعة تحقيق "تقديم سريع" بين البلدين في الأشهر المقبلة.
وكان من المقرر أن يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة دولة لفرنسا نهاية أيلول، لكن هذه الزيارة باتت رهن التطورات بحسب ما أورد موقع "تي إس آ" الإعلامي متوقعا "خلافا ديبلوماسيا جديدا" مع فرنسا.