بدأ، الاثنين، السباق للانتخابات الرئاسية التونسية المقررة في السادس من تشرين الأول، بتقديم ملفات الترشيحات وسط قيود عديدة يرى خبراء أن الهدف منها تمهيد الطريق لبقاء الرئيس قيس سعيّد في سدة الحكم.
قيّدت هيئة الانتخابات شروط الترشح لتصبح أشد صرامة وأصبحت تتطلب توقيع تزكية من 10 نواب في البرلمان أو 40 رئيسًا للسلطات المحلية أو 10 آلاف ناخب (في كل دائرة انتخابية 500 توقيعا على الأقل)، وهو "رقم مهول"، وفقًا للمحلل السياسي أمين الخرّاط عن مرصد "بوصلة" السياسي.
بدورها تؤكد الخبيرة في منطقة شمال أفريقيا من "المعهد الألماني للدراسات الدولية والشؤون الأمنية" إيزابيل فيرينفيلز "لقد تمّ تشديد الشروط من خلال توكيل خاص لجمع نماذج التزكية (الرعاية) فضلا عن شروط أخرى لتقديم طلب الترشح".
ولم يتمكن اثنان من المعارضين السياسيين البارزين الموقوفين بتهمة "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" من الحصول على التوكيل الخاص، وهما عصام الشابي، زعيم "الحزب الجمهوري" وغازي الشواشي، عن "حزب التيار الديموقراطي" وتخليا عنها.
الشابي والشواشي هما ضمن مجموعة مكونة من حوالى عشرين شخصية معارضة للرئيس سعيّد، موقوفين منذ شباط 2023 في إطار تحقيق واسع النطاق نددت به المنظمات غير الحكومية، مثل منظمة العفو الدولية، ووصفته بأنه "لا أساس قانوني له" ويهدف إلى "قمع" المعارضة السياسية.
تضاف إليهم المعارضة والمحامية عبير موسي التي ترفع لواء الدفاع عن ارث الرئيس الأول للبلاد الحبيب بورقيبة، والموقوفة منذ خريف العام 2023 بتهمة التآمر على الدولة.
ومن أجل ضمان الفوز بالسباق الرئاسي "تم تنظيم كل شيء لاستبعاد بعض المرشحين ذوي المصداقية الذين يمكن أن يمثلوا خطرا حقيقيا" على سعيّد، في تقدير أحد المفكرين السياسيين والذي طلب عدم الكشف عن هويته.
انتخب سعيّد رئيساً في تشرين الأول 2019، وهو أستاذ قانون دستوري يبلغ من العمر 66 عامًا ولم يكن له تاريخ سياسي يذكر، بل غالباً ما شارك في البرامج السياسية التلفزيونية والاذاعية لتقديم تحاليله وانتقاداته لدستور 2014.
وفي خطوة غير منتظرة وغير مسبوقة، احتكر جميع السلطات منذ 25 تموز 2021. ونددت المنظمات غير الحكومية التونسية والدولية بـ"الانحراف الاستبدادي" بعد أن قام بتعديل الدستور في العام 2022 ووضع أسس نظام رئاسي يمنحه سلطة مطلقة.
ويرى أمين الخرّاط أن هناك "العديد من العناصر التي تقلل من مصداقية الانتخابات" منها الإعلان المتأخر للغاية عن الموعد وتشديد شروط الترشح والمرسوم 54 المعتمد في 2022 لمعاقبة نشر "الأخبار الكاذبة" والذي تعرض لانتقادات واسعة ويلاحق بسببه 60 شخصا من الصحافيين والمحامين والناشطين.
والجمعة، عبرت منظمة العفو الدولية عن "القلق إزاء التدهور الشديد في الحقوق" في تونس منذ أن "بدأ الرئيس سعيّد في احتكار السلطة"، بعد أن كانت البلاد مهد الاحتجاجات التي عُرفت باسم "الربيع العربي" في العام 2011.
- "قمع" -
وقدّرت المنظمة أن "القمع الحكومي يغذي الخوف بدلاً من المناقشات الجدية للمشهد السياسي التعددي"، ونددت بالاعتقالات "التعسفية" للمعارضين، و"القيود والملاحقات القضائية" ضد بعض المرشحين، وسجن الصحافيين.
عزّر المناخ المتوتر طرح أسئلة كثيرة مفتوحة وعمّق ضبابية المشهد السياسي في البلاد وأصبح التساؤل حول من ستضم القائمة النهائية يحير الرأي العام.
في المقابل أعلنت العديد من الشخصيات في مجالات السياسة والثقافة وحتى الجيش نيتها الترشح.
من بين هؤلاء مغني الراب كريم الغربي المعروف بـ"كادوريم" (43 عاما)، والعميد المتقاعد كمال العكروت المستشار السابق لرئاسة الجمهورية، والوزير السابق في عهد بن علي منذر الزنايدي المقيم خارج البلاد.
وتشهد تونس المثقلة بالديون (أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي) تباطؤاً في النمو (يتوقع أن يكون ما دون 2% هذا العام)، وارتفاع معدلات البطالة (16%)، مما يغذي ظاهرة الهجرة غير القانونية إلى أوروبا.
وفي حال استبعاد كل من العكروت والزنايدي من سباق الانتخابات "فسيكون لدينا قيس سعيّد في مواجهة الريح"، في تقدير المفكر السياسي الذي يعتبر أن التصويت "ليس شكليّا" بل "سيحدد طبيعة النظام".
فإذا فاز سعيّد بهامش كبير من الجولة الأولى فسوف "يصبح أكثر استبدادا" دون ذلك "فسيكون أكثر ميلاً إلى التسوية"، بحسب المصدر ذاته.
تؤكد الخبيرة الألمانية أن "الاعتماد الكلي سيكون على المعارضة وقدرتها على التعبئة والتوحد خلف مرشح بديل لسعيّد" في محاولة لفرض جولة ثانية.
- تقييما سلبيا -
ولا تزال العديد من الحركات اليسارية و"حزب النهضة" أبرز المعارضين لسعيّد، مترددين في مقاطعة الانتخابات.
ويقول الخرّاط "إنهم يعتقدون أنها فرصة لتحدي قيس سعيّد، وأنه من خلال الدفع نحو جولة ثانية، يمكن أن يحدث شيء ما"، مشدداً على ضعفهم وانقساماتهم القوية.
تبقى معرفة وكشف مستوى التعبئة لدى أنصار سعيّد أمراً صعباً بحكم أن استطلاعات الرأي التي تسبق الانتخابات محظورة وفقا لقانون هيئة الانتخابات.
وبالرغم من شعبيته التي تبدو قوية بين الأوساط الشعبية، وفقًا للخبراء، فإن حضور أعداد قليلة من المؤيدين في التظاهرتين الأخيرتين تكشف أنه يتمتع بدعم هش، بعيدا كل البعد عن النتيجة التي نالها في الجولة الثانية من انتخابات العام 2019 والتي بلغت 72%.
أصدرت منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية نهاية الأسبوع الفائت تقييما سلبيا لولايته، معتبرة أنه "فشل في تحقيق 87,5% من وعوده الانتخابية"، لا سيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وأكد سعيّد أنه يترشح لولاية ثانية "لمواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطنية" وأنه يلبي بذلك "الواجب الوطني المقدس".