"لم آتِ إلى الإمارات العربية المتحدة لأجل الهجن، وإنّما كان هدفي الالتحاق بتدريب في مجال الضيافة الذي تخصّصت فيه، لكن ما حصل غيّر حياتي".
هذه قصة ليندا، الشابة الألمانية التي عاشت تجربة جميلة في الإمارات جعلتها تمكث فيها وتؤسّس أول مدرسة خاصة لركوب الهجن في الدولة، تاركة بلاد أوروبا الباردة، ومستقرة بين رمال الخليج الدافئة.
انتقلت ليندا كروكينبرغر، 32 عاماً، إلى الإمارات عام 2015 للعمل في مجال الضيافة. عشقت الصحراء، وكانت تهوى الذهاب في رحلات برّية وتقود في الصحاري الكبرى في دبي والشارقة، لكنّها شعرت برغبة بقطع هذه المسافات بوسيلة غير السيارة، وفكرت بالجمال، لكونها كانت تركبها مع أصحابها عندما كانوا يأتون في زيارة للإمارات العربية المتحدة.
بعد بحث طويل، وقعت ليندا على مركز "حمدان بن محمد لإحياء التراث" الذي ينظم سنوياً برنامجاً تدريبياً على الهجن. شاركت ليندا فيها عام 2019 وكانت هذه المرة الأولى لها التي تتفاعل فيها وتتدرّب مع الجمال. وبحسب ليندا، لم يكن هناك نوادٍ للتدريب وكان أصحاب الجمال الذين يدخلون في سباقات، يتدرّبون فردياً، كلّ في مزرعته ومع جمله.
بعد الرحلة هذه، "رغبت في امتلاك جملي الخاصّ، وكنت أبحث عن مَزارع لأحتفظ بجمل لي، وأستخدمه متى شئت، لكن الأمر كان صعباً"، تقول ليندا لـ"النهار".
لم يكن من السهل بالنسبة إلى ليندا الدخول في نشاط يطغى عليه الذكور، و"كان الأمر صعباً وغير عادي بالنسبة للأشخاص في هذه الأماكن، لذا، كنت أفكر في تغيير الفكرة السائدة بأنّ ركوب الجمل ليس للنساء ولا للمقيمات منهن"، إلى أن التقت بعبيد الفلاسي، رجل إماراتي مهتم بالجمال، شارك ليندا في تأسيس مدرسة لركوب الهجن تقودها امرأة. وبعد سنتين من تأسيس المدرسة، تركت ليندا عملها في مجال الضيافة، "فالمدرسة باتت تكبر بسرعة وكبرت مسؤوليات الإدارة معها".
علاقتها بالجمال
عن علاقتها بالجمال، تروي ليندا أنّ "الجمال تتحلّى بشخصية قوية ذات ذكاء عاطفي، تحبّ أن يتعرّف المحيط بها، ومَن يتفاعل مع الجمال يمكنه أن ينسى الأشياء السلبية التي تحصل معه في يومه، فهي مخلوقات هادئة وفي حالة سلام، تعلّمنا أنّه ليس علينا أن نكون في عجلة من أمرنا دائماً، هي حيوانات تستجيب لضغوطك وعواطفك، وتمنحك الحب والوئام".
إلهام للنساء
"كان هدفي الأساسي من تأسيس المدرسة، إتاحة الفرصة أمام جميع مَن يهوى ركوب الجمل، أن يمارس هذا النشاط، وأن يحقق حلمه عبر توفير مساحة مريحة وغير مقيّدة له، للتعرف أكثر إلى الجمال، وتعلّم مهارة ركوبها". إلى ذلك، تأسيس هذه المدرسة هو "طريقة لتقدير قصّة الإمارات العربية المتحدة، فأنا مفتونة بالازدهار والنموّ السريع الذي شهدته الدولة".
ألهمت ليندا النساء لتعلّم ركوب الهجن، وازداد الطلب على هذا النشاط ولا سيما بعدما انتشرت أخبار المدرسة. وتنقل ليندا ما تسمعه من أصداء من نساء يقلن لها إنّهن لطالما أردن أن يمارسن هذا النشاط وبات متاحاً الآن. وبحسب ليندا، تشكّل النساء حوالي 75 في المئة من أعضاء المدرسة التي توفّر أكثر من 1200 ساعة من التدريب سنوياً، يتعرّف من خلالها المتدرّبون إلى مهارات ركوب الهجن والتعامل معها، مع اتباع الأشكال التقليدية للركوب، مع دمج جوانب الرفق بالحيوان والضيافة العربية. "اليوم، نحن نسافر في جميع أنحاء المنطقة، ونفوز بسباقات لم تكن موجودة للنساء قبل بضع سنوات فقط".
وتختلف دوافع الأعضاء لركوب الجمل، وفق ليندا. فمنهم مَن يرغب في أن يصبح فارساً، ومنهم مَن يرغب فقط في ممارسة النشاط في مكان هادئ، ومنهم مَن يأتينا لأنه يريد أن يشارك في سباقات الهجن. كذلك، هناك أشخاص يحبون التعرّف أكثر إلى الإبل لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتراث الإماراتي.
وتدرّب ليندا الأعضاء من خبرتها الخاصة، فهي فارسة ناجحة في سباق الهجن. وأسّست فريق النساء الأول لسباق الهجن، بعدما أصبحت السيدات قادرات على ركوب الجمل والسباق، وقد دخل فريقها في سباقات في المملكة العربية السعودية وفازت إحدى العضوات بجائزة في أحد السباقات في العلا والرياض، "فمن الممتع جداً أن نرى أن تدريباتنا فعالة".
وقد حصلت المدرسة على أول ترخيص على الإطلاق لنادٍ لركوب الجمال في الإمارات، وتوفّر حالياً 14 جملاً لتدريب العشرات من الفرسان الهواة، بدءاً من الأطفال في سن الخامسة حتى المتقاعدين، و"حالياً لديّ جملان لي".