فاز الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، أمس الأحد، بولاية ثانية بحصده نحو 95 في المئة من الأصوات في انتخابات جرت في اليوم السابق واتّسمت على غرار سابقتها بمشاركة منخفضة.
وأعلن رئيس السلطة المستقلّة للانتخابات محمد شرفي أنّه من أصل خمسة ملايين و630 ألف صوت مسجّل، حصل تبون على خمسة ملايين و320 ألف صوت، أي 94,65 في المئة من الأصوات.
ولم يُقدّم شرفي أرقاماً جديدة بشأن المشاركة بعدما أعلن خلال ليل السبت الأحد أنّ "معدّل نسبة المشاركة بلغ 48 في المئة عند غلق مكاتب الاقتراع".
وكانت نسبة المشاركة الرهان الرئيسي للاقتراع، فقد أراد تبون أن يكون "رئيساً عاديّاً من دون تشكيك في شرعيته" كما كان الحال قبل خمس سنوات، وفق ما رأى حسني عبيدي مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف.
فاز تبّون بولايته الأولى في انتخابات كانون الأول 2019 بنسبة 58 في المئة من الأصوات ولكن بمشاركة أقل من 40 في المئة. وأجري التصويت في حينه وسط الحراك الاحتجاجي المنادي بالديموقراطية وتغيير النظام القائم منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1962. ودعا العديد من الأحزاب حينذاك إلى مقاطعة الاستحقاق.
وفي انتخابات 2024، نافس تبون مرشحان هما رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية عبد العالي حساني شريف (57 عاماً)، وهو مهندس أشغال عمومية، والصحافي السابق يوسف أوشيش (41 عاماً) رئيس جبهة القوى الاشتراكية وهو أقدم حزب معارض في الجزائر ومعقله منطقة القبائل بوسط شرق البلاد.
بيان مشترك
وفي بيان مشترك، قالت مديريات الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة، يوسف أوشيش وعبد المجيد تبون وحساني شريف: "نبلغ الرأي العام بضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام التي تم تسجيلها مع إعلان النتائج الموقّتة للانتخابات الرئاسية من طرف رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات".
وعدّد البيان المشترك خصوصاً "ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة، تناقض الأرقام المعلنة من طرف رئيس السلطة مع مضمون محاضر فرز وتركيز الأصوات المسلّمة من طرف اللجان الانتخابية البلدية والولائية، غموض بيان إعلان النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والذي غابت عنه جل المعطيات الأساسية التي يتناولها بيان إعلان النتائج كما جرت عليه العادة في كل الاستحقاقات الوطنية المهمة، والخلل المسجل في إعلان نسب كل مترشح".
وقبل صدور هذا البيان، وبمجرد إعلان النتائج، ندّد أحمد صادوق، مدير الحملة الانتخابية لحساني شريف، بها واصفاً إيّاها بـ"المهزلة والعبث وتشويه لصورة البلد".
وقال: "تابعنا الإعلان المهزلة الذي كان منذ قليل باستغراب واستهجان كبير. هذه الأرقام المعلنة التي لا علاقة لها بما تم إعلانه أمس خاصة بما تعلّق بنسبة المشاركة ولا علاقة لها بالمحاضر التي لدينا".
وتساءل: "لماذا لم يتم إعلان نسبة المشاركة بالأصوات الملغاة وهي رقم رئيسي في إعلان النتائج؟".
وبحسب الأرقام التي أعلنتها السلطة، فقد تحصل حساني شريف على 178797 صوتاً أيّ بنسبة 3,17 في المئة، بينما أكد صادوق أن "محاضر 41 ولاية (من أصل 58) أعطت حساني شريف 328 ألف صوت".
وكانت حملة المرشح قد استنكرت "استخدام مصطلح غريب لما سمي بـ(معدّل نسبة المشاركة)"، أي متوسط المشاركة في مختلف الولايات. وتُحتَسب نسبة المشاركة عادة بعدد الأصوات مقسوما على عدد الناخبين المسجلين (24,5 مليون في الإجمال).
وقالت فهيمة حملاوي، وهي فرنسية جزائرية تبلغ 41 عاما، إنها "سعيدة" بإعادة انتخاب تبون، وأضافت في تصريح لوكالة "فرانس برس": "أنا أحبه، لا أعرف الكثير عنه ولكنّ لدي شعورا جيداً".
وكان تبون الأوفر حظّاً في الانتخابات بعدما استفاد من دعم أربعة أحزاب رئيسية، أبرزها حزب جبهة التحرير الوطني.
وتعهّد المرشحون الثلاثة بمواصلة تعافي الاقتصاد الذي ينمو بمعدّل 4 في المئة منذ عامين، وجعله أقل اعتمادا على النفط والغاز (95 في المئة من عائدات النقد الأجنبي).
"فشل يتطلّب إصلاحاً"
معتمداً على المكاسب من بيع الغاز الطبيعي الذي تعد الجزائر المصدّر الرئيسي له في أفريقيا، وعد تبون بتحسين المعاشات التقاعدية والرواتب، وتوفير 450 ألف وظيفة جديدة، وتعزيز الإسكان الاجتماعي، وجعل الجزائر "الاقتصاد الثاني في أفريقيا".
واعتبر المحلّل حسني عبيدي أن النتيجة القياسية التي حققها تبون "ليست مفاجئة بالنظر إلى صورة منافسيه والموارد المستخدمة" في حملته.
لكنه أشار في تصريح لـ"فرانس برس" إلى أنه "لم يحصل سوى على 319 ألف صوت إضافي مقارنة بسنة 2019 ولم يحشد سوى ما يزيد قليلاً عن خمسة ملايين ناخب من أصل 24 مليوناً مسجلين، أي أقل من الربع، وهو فشل يتطلّب إصلاحاً عميقاً لسياسته".
في حين لم يتطرّق تبون إلى ملف الحريات، وعد مرشحا المعارضة بمزيد من الحقوق والحريات خلال حملتهما الانتخابية. وتعهد مرشح حزب جبهة القوى الاشتراكية بـ"الإفراج عن سجناء الرأي من خلال عفو رئاسي ومراجعة القوانين الجائرة" المتعلقة بالإرهاب والإعلام.
واتهمت منظمة العفو الدولية غير الحكومية السلطة في الجزائر الأسبوع الماضي، بـ"خنق المجتمع المدني من خلال قمع مروّع لحقوق الإنسان" و"توقيفات تعسفية جديدة ورفض أي تسامح مع الأصوات المعارضة".
وبحسب اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، ما زال عشرات الأشخاص في السجون بسبب نشاطهم المرتبط بالحراك.
بعد صدور النتائج الرسمية، هنّأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تبون على إعادة انتخابه، متمنيا له "التوفيق والسداد في ولايته الرئاسية الجديدة"، بحسب بيان للديوان الأميري.
كما هنّأ الرئيس التونسي قيس سعيّد نظيره الجزائري في اتصال هاتفي دعاه فيه إلى "المضي قُدماً معاً لمواصلة بناء مستقبل مشترك"، وفق بيان للرئاسة التونسية.
وقدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "أحرّ التهاني" لتبون بمناسبة إعادة انتخابه، مشدّداً على "العلاقة الاستثنائية" بين البلدين رغم الأزمات المتكررة.
وقال الإليزيه في بيان: "على الساحة الإقليمية والدولية، الحوار بين بلدينا ضروري، خصوصاً في سياق حضور الجزائر في مجلس الأمن الدولي".