أخفقت الغارة المزدوجة التي نفّذتها طائرتان مسيّرتان إسرائيليتان في القنيطرة، الخميس 12 أيلول الجاري، في تحقيق ما كانت تهدف إليه من اغتيال أبرز الأذرع الاقتصادية التي يعتمد عليها "حزب الله" في إدارة شؤونه في المنطقة.
وكشفت تفاصيل الغارة وحصيلتها أنّ بعض الإجراءات البسيطة التي يتخذها الحزب من شأنها أن تمنع الطائرات الإسرائيلية من تحقيق أهدافها، رغم أن هناك أشخاصاً آخرين يدفعون حياتهم ثمناً لهذا التمويه.
الغارة التي تُمثّل واحدة من الغارات النادرة التي سارع الجيش الإسرائيلي إلى الاعتراف بها، وتبني المسؤولية عنها، ناشراً مقطعاً مصوّراً لها، جاءت بعد يوم واحد من العملية العسكرية "الغامضة" التي نفذتها قوات إسرائيلية في مدينة مصياف في ريف حماة، ولا تزال تُحاط بكثير من الكتمان من الجانب السوري، رغم التقارير التي تحدثت عن "تفاصيل صادمة" حولها، مؤكدة أنّها تضمنت تنفيذ عمليّة إنزال جويّ، وذلك في خطوة تصعيدية غير مسبوقة فوق الأراضي السورية.
وقد يشير تنفيذ إسرائيل لعمليتَي مصياف والقنيطرة، إلى مخطّط جديد لدى تل أبيب في ما خص التعامل مع الساحة السورية.
في الوقائع، استهدفت مسيّرة إسرائيلية صباح 12 أيلول سيارة كان يستقلّها شخصان عند حاجز أمني في بلدة خان أرنبة، بينما جرى استهداف نقطة أخرى في بلدة الرفيد، عبر طائرة مسيّرة أيضاً في وقت متزامن. وتبيّن أنّ هاتَين الغارتَين اللتَين لم يصدر حولهما أي تعليق رسمي عن دمشق، أسفرتا عن مقتل أحمد الجبر الذي كان ضمن السيارة المستهدفة في خان أرنبة، وإصابة خطّاب عبد المولى الخضر في الاستهداف الذي طاول قرية الرفيد، وفق ما ذكر موقع "صوت العاصمة" السوري المعارِض الذي حصل على تفاصيل خاصة عن حصيلة قصف القنيطرة من مصادر أمنية لم يذكر اسمها ولا مركزها.
وعلى عكس تكتّم الدولة السورية، نشر الجيش الإسرائيلي صباح الجمعة 13 أيلول، لقطات مصوّرة للعملية العسكرية المزدوجة، أظهرت استهداف منطقة زراعية وسيارة، فيما رمت طائرات مسيّرة مناشير ورقية على دفعتَين، حملت عبارات تهديد للمتعاونين مع "حزب الله" من أبناء تلك المنطقة، وتبنّياً للاستهدافين والمسؤولية عن مقتل الجبر.
وفي التفاصيل، التي نشرها موقع "صوت العاصمة"، أنّ خالد خطاب الخضر يُعتبر من أبرز أذرع "حزب الله" الاقتصادية في المنطقة.
وتحدثت الأنباء الأولية عن مقتل الجبر وإصابة الخضر، الذي قيل إنّه أسعف إلى مستشفى ممدوح أباظة لتلقّي العلاج. ولكن تبيّن لاحقاً أنّ الشخص الذي أدخل إلى المستشفى هو شاب لبنانيّ كان يحمل الهوية الشخصية للمستهدَف الخضر، ممّا تسبَّب بحدوث إشكال حول هُويّة المصاب. وأكّد المصدر السابق أن خالد الخضر لم يكُن في السيارة المستهدفة.
أما الغارة التي ضربت منطقة الرفيد، فقد تسبّبت بإصابة خطاب عبد المولى الخضر، أحد أقارب خالد الخضر، والذي يُعدّ يده اليمنى في الأعمال الممتدّة ضمن بلدات عدّة في القنيطرة وريفها لمصلحة "حزب الله". ويتلقّى خطاب العلاج في أحد مستشفيات دمشق، وفق المصدر السابق ذاته.
وخالد وخطاب الخضر هما أبناء عمومة، يتحدّران من بلدة غدير البستان في ريف القنيطرة الجنوبي، ويعملان منذ سنوات لمصلحة "حزب الله".
خالد المعروف باسم "أبو خطاب"، إلتحق بالخدمة الإلزامية عام 2015، وانقطعت أخباره عن أبناء بلدته لمدة طويلة، ثم عاد إلى المنطقة بعد اتفاق التسوية عام 2018، في أعقاب خضوعه لدورات تدريبية في إيران وتجنيده لمصلحة "حزب الله" ليكون ذراعاً اقتصادية له، قبل أن يضمّ بعدها بعض أقاربه إلى العمل في شراء المنازل والعقارات ومحطات الوقود ومتاجر الموادّ الغذائية بتمويل كامل من الحزب.
ونجا خالد الخضر من محاولة اغتيال قبل نحو عامين، قُتل فيها شقيقه الذي كان برفقته، من دون أن تتبنّى أيّ دولة أو جهة عسكرية مسؤوليّة الحادثة آنذاك.
أما خطاب عبد المولى الخضر، الذي يتشابه اسمه مع اسم والد خالد، فهو الشخص الأقرب إلى خالد من أبناء العائلة، والمسؤول عن استثمار معظم الأراضي الزراعيّة لمصلحة خالد في الرفيد وغدير البستان.
ويتحدّر أحمد الجبر من قرية الأصبح في ريف القنيطرة، ويبلغ من العمر 60 عاماً، وهو متطوّع رسمياً في "فوج الجولان" التابع لـ"حزب الله" اللبناني، والذي يضمّ كوادر سورية بتطويع وتبعية لشعبة المخابرات العسكرية السورية.
ويعمل مرافقاً لخالد خطاب، ودليلاً للقياديين التابعين لإيران و"حزب الله" خلال جولاتهم الدورية في المنطقة. وكان قد خرج من دمشق، صباح يوم الاستهداف، بسيارة خالد الخضر إلى القنيطرة برفقة أحد ضباط "حزب الله"، الذي كان يحمل هوية خالد للتغطية الأمنية، وقُتل خلال استهداف السيّارة عند حاجز أبو الطيب شرق "خان أرنبة".
وختم "صوت العاصمة" تقريره مشيراً الى أنّ إسرائيل فشلت في العملية التي كان من المفترض أن تقطع أذرعاً اقتصادية تابعة لـ"حزب الله"، عبر استهداف أبناء العمومة خالد وخطاب في توقيت واحد، والتي لم يتأذّ فيها أيّ منهما، وقُتل في خلالها شخص ليس له أي أهمية سوى أنه يرافق الشخصيات العسكرية التي تزور المناطق الحدودية.