خلفت محاولة المئات من الشبان في المغرب الهجرة بشكل غير مشروع إلى إسبانيا الأسبوع الماضي صدمة لدى المجتمع والسلطات على حد سواء بخاصة مع انتقال هذه المحاولات من السرية إلى العلن بواسطة نداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاتفاق على يوم محدد للتحرك.
واعتبر عدد من الفاعلين المغاربة من حقوقيين وسياسيين ومحللين، أن محاولة الهجرة سباحة من مدينة الفنيدق بشمال المغرب، إلى جيب سبتة المتاخم لها والتابع لإسبانيا، يدق ناقوس الخطر لما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية المغربية.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مع بداية هذا الشهر، نداءات ودعوات لمغادرة المغرب يوم 15 أيلول الحالي، لاقت صدى واسعا لدى الشبان وعدد كبير من القصر من مختلف مناطق المملكة، الذين توجهوا إلى مدينة الفنيدق لمحاولة العبور إلى جيب سبتة سباحة، مما استنفر السلطات المغربية، التي طوقت المكان قبل وصول المهاجرين إليه، واعتقلت العديد منهم.
كما اعتقلت السلطات قبل أسبوع من وصول المهاجرين إلى الفنيدق، أكثر من 60 شخصا بسبب استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على الهجرة غير المشروعة.
وقالت الحكومة المغربية إن السلطات قدمت 152 شخصا إلى العدالة بعد هذه الواقعة التي حاول فيها 3000 شخص التسلل إلى الأراضي الإسبانية.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس يوم الخميس الماضي في الإفادة الصحافية الأسبوعية التي تعقب اجتماع مجلس الوزراء إنه "يتم تحريض بعض الشباب من طرف جهات غير معروفة".
وعزز المغرب وإسبانيا تعاونهما في التصدي للهجرة غير المشروعة، بخاصة بعد تسويتهما خلافا ديبلوماسيا في عام 2022.
وأفادت إحصاءات وزارة الداخلية بأن المغرب منع في الأشهر الثمانية الأولى من العام 45015 شخصا من الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا كما فكك 177 شبكة للهجرة غير المشروعة.
وذهبت بعض الهيئات السياسية والحزبية إلى أن ما حدث يدق ناقوس الخطر حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغرب فأصدرت شبيبة اليسار الديموقراطي، وهي حركة سياسية معارضة، بيانا اعتبرت فيه أن "الهروب الجماعي للشباب المغربي إجابة واقعية ومحاكمة في الميدان لفشل الدولة المخزنية (السلطة) في تحقيق تنمية حقيقية في بلادنا، بعيدا عن سياسات الدعاية والإلهاء الإعلامي والترويج المزيف لإنجازات لا أثر لها على أرض الواقع".
كما حملت الشبيبة "الدولة المغربية بكافة مؤسساتها المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع الكارثي الذي تعاني منه الشبيبة المغربية بشكل خاص، والمواطن المغربي بشكل عام، نتيجة ارتفاع معدلات البطالة والزيادة المهولة في الأسعار بالإضافة إلى فشل ما أطلق عليه زورا (مشروع الدولة الاجتماعية) وتسويق أوهام النموذج التنموي".
ووضع المغرب برامج تنموية عدة بهدف تحسين الأوضاع الاجتماعية منها دعم الفقراء عن طريق منح مالية مباشرة وتعميم التغطية الصحية ودعم السكن الاقتصادي، إلا أنها مشاريع تعاني من بعض صعوبات التطبيق حسب متتبعين، وفي الغالب يشكو المستفيدون من عدم استمرارية تلقي الدعم أو ضعف المبالغ المالية مقابل ارتفاع الأسعار غير المسبوق.
وقال بايتاس في الإفادة الصحافية إن "الحكومة صرفت 9.5 مليارات درهم (نحو 900 مليون دولار) لفائدة 10 ملايين مواطن مغربي من أجل أداء اشتراكات التغطية الصحية، وكذلك 25 مليار درهم لدعم الأسر الفقيرة".
وقال إن "هذا الإصلاح مهم، وسيستمر... نحن نتكلم اليوم عن 3.8 ملايين أسرة مغربية تستفيد من الدعم".
وارتفعت البطالة في المغرب إلى 13.7 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي مقارنة بـ12.9 بالمئة خلال الفترة ذاتها من 2023. أما التضخم فقد ارتفع في آب الماضي إلى 1.7 بالمئة مقارنة بـ1.3 بالمئة في تموز و1.8 بالمئة في حزيران.
من السر إلى العلن
اعتبر عدد من المحللين أن ناقوس الخطر لا يكمن في مشاكل اقتصادية أو اجتماعية بقدر ما يكمن في طريقة هذه الهجرة غير المشروعة التي تحولت من السر إلى العلن، وإلى عدد القصر الذين حاولوا الهجرة، لا سيما أن هذه الفئة غير معنية بتغيرات سوق العمل لأن مكانها هو المدرسة وليس العمل.
وقال المحلل السياسي المغربي محمد الشرقاوي لرويترز "من الصعب أن نقول اليوم إن هناك موجة كبيرة للهجرة، فالهجرة التي أحبطتها السلطات وأعطتها في إحصاءات (45015) أكبر بكثير".
واعتبر أن "السياسات العمومية والمجالية، والمشاريع التي تعطلت، تتحمل بعض المسؤولية... لكن عندما نسمع أن قاصرين يهاجرون، هؤلاء مكانهم المدرسة، وحتى إن أرادوا الهجرة هل من المعقول أن يتم تشغيلهم".
وأضاف "أوروبا ليست حضانة، وهي الأخرى تعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية، ويبدو أن هؤلاء لهم تصور خاطئ عن أوربا ولا يعرفون أوضاعها الاقتصادية الحالية".
وحمل الشرقاوي المسؤولية أيضا "للأسرة والمدرسة... كما أن هناك مشاكل المجالس المنتخبة والمؤسسات الوسيطة، بالإضافة إلى مشكلة المدن الحدودية لما أغلق القطاع الغير المهيكل (التهريب) أكيد تضررت وتعاني من صعوبات اقتصادية".
وكانت المنطقة تعيش على التهريب من معبر سبتة لكن السلطات المغربية أوقفت أنشطة التهريب في تشرين الأول من 2019 وأغلقت المعبر الحدودي في آذار 2020 عند الإعلان عن تفشي جائحة كورونا في المغرب.
وقال الشرقاوي إن هناك أضرارا اجتماعية بعد انتهاء التهريب في المنطقة "بوصلة السياسة الاجتماعية يجب أن تتجه إليها".
"مسكنات لا تحل المشكلات"
من جهته يرى المحلل الاقتصادي رشيد أوراز أن "المنظومة الاقتصادية تعاني من عجز هيكلي، تعجز معه عن خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي وتترك خلفها الكثير من ضحايا الهشاشة الذين لا يجدون إلا الهجرة كحل".
وأضاف لرويترز "ناقوس الخطر تم دقه من خلال تقارير رسمية مغربية، ومن خلال تقارير مؤسسات دولية، لكن يبدو أن الدولة عاجزة عن توفير الموارد المالية لتمويل سياسات عمومية تشغيلية، وعاجزة أيضا عن جذب الاستثمار الأجنبي وتحفيز الاستثمار الخاص".
وتوقع أوراز أن "هذه العوامل قد ستستمر لسنوات وليس لأشهر فقط، وما يتم القيام حتى الآن هو نوع من المسكنات التي لا تحل المشكلات في العمق".
وأضاف "ما يحتاج اليه المغرب هو إصلاحات عميقة وجدية، وانفتاح سياسي واقتصادي ومحاربة الفساد وترسيخ حكم القانون ومبادئ الحكامة، غير ذلك ستبقى كل الحلول ترقيعية ذات أثر آني ولا تحل المشكلات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية".