من خلال بوابات خشبية ضخمة، تبدأ جولة مميزة في داخل قصر الحكم وسط العاصمة السعودية الرياض، تأخذنا إلى عبق التراث والأصالة، وتشعرنا كزوار برهبة المكان الذي شهد أحداثاً مهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، ولا يزال دوره قائماً إلى الآن، إذ من خلاله تنطلق البيعة لجميع ملوك وأولياء عهد المملكة.
وفي اليوم الوطني السعودي الـ 94، وفي عصر التطور والازدهار الذي تشهده المملكة في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان آل سعود، لا بدّ من التوجه إلى منطقة الديرة التاريخية وسط الرياض، للتعرّف على رموز أساسية في تاريخ توحيد المملكة العربية السعودية وتأسيسها، حيث مركز الحكم الأوّل في المملكة، وهو قصر المصمك، الذي انبثقت منه بداية تأسيس الوطن، بعبارة تاريخية هي: "المُلك لله، ثمّ لعبدالعزيز". وهناك قصر الحكم الذي انطلقت من أبوابه مسيرة تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1319هـ.
لذلك، قدّمت الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وإمارة منطقة الرياض، فرصة مميزة للمواطنين والمقيمين في المملكة، لاستكشاف قصر الحكم وسط العاصمة، بهدف توثيق الرابط بين الشعب وقيادته، وتعزيز شعور الانتماء إلى الوطن.
وفي حديث خاص لـ "النهار"، يؤكّد الصحافي السعودي إبراهيم العقيلي أهمية قصر الحكم في الرياض، قائلاً: "قصر الحكم هو رمز سياسيّ للمنطقة، حيث تلقّى فيه ملوك المملكة العربية السعودية البيعة من قبل الأسرة الحاكمة والمواطنين، ويتلقّى أولياء العهد البيعة فيه أيضاً".
معالم قصر الحكم
استلهم تصميم قصر الحكم من الملامح التقليدية لعمارة المنطقة. وقد أعيد بناؤه على أرض مساحتها 11500 متر مربع، ويضم بعد التطوير مكتباً للملك، وصالة رئيسية للطعام، ومكتب أمير منطقة الرياض، ومكتب نائب أمير منطقة الرياض، ومجلساً يستقبل فيه أمير منطقة الرياض المواطنين، بحسب لافتة تعريفية في داخل القصر.
وفي مجلس البيعة، "تتوافد جموع المواطنين إلى المجلس لتقديم البيعة للملك وولي العهد، وهو المجلس الذي غالباً ما نراه من خلال وسائل الإعلام المختلفة لتلك المناسبة، كما يقوم أمير منطقة الرياض باستقبال المهنئين في الأعياد".
وتبلغ مساحة مجلس البيعة 2000 متر مربع، وارتفاعه 14 متراً، ويوجد على جانبيه صفوف من الأعمدة المغطّاة بالرخام، فيما زيّنت جدرانه بزخارف ونقوش على الطراز المحليّ.
بعدٌ تاريخيّ ودينيّ وثقافيّ في الديرة
عن قصر المصمك، يقول العقيلي إنّه "يمثل رمزية تاريخية للشعب السعودي، حيث بدأ الملك عبدالعزيز رحلة الحكم من خلاله، بعدما تمكّن من الدخول إليه (بخوض معركة)، وتالياً حكم البلد بأكمله. وعندما دخل الملك عبد العزيز إلى هذا القصر، تمّت المناداة بعبارة: "الملك لله، ثم لعبد العزيز"، ليبدأ بذلك توحيد المملكة العربية السعودية". وأشار أخيراً إلى البعد الثالث لمنطقة الديرة، وهو جامع الإمام تركي بن عبد الله.
وأكّد العقيلي أن ّهذا الموقع "يمثل رمزية تاريخية سياسية دينية لكلّ المملكة العربية السعودية، وله قيمة من كلّ النواحي، فهو يمثل شأناً كبيراً في فكر الملك سلمان، وفي فكر كلّ أعضاء الأسرة المالكة الكريمة".
في السياق نفسه، أكد المشرف العام على "قيصرية الكتاب"، أحمد الحمدان، في حديثه لـ "النهار"، أهمية ورمزية منطقة الديرة، بالقول: "انطلق من قصر المصمك "أسدُ الجزيرة العربية"، من أجل توحيد المملكة العربية السعودية؛ أمّا قصرُ الحكم فهو القصرُ السياسيّ الذي تتم فيه البيعة. والبعد الديني لهذه المنطقة هو انطلاق الدعوة الإصلاحية من جامع الإمام تركي بن عبدالله".
وأشار الحمدان إلى وجود بُعدٍ رابعٍ ثقافيّ يتمركز في "قيصرية الكتاب"، التي انطلقت منذ 1368 هــ. وشدّد على أهميتها أيضاً العقيلي، قائلاً: "قيصرية الكتاب لها قيمة تاريخية لكلّ الأسرة المالكة، يعرفونها ويثمّنونها ويحافظون عليها".