النهار

شجرة الأرز... بصلابتها كُتب تاريخ لبنان
A+   A-

اشتهر لبنان بشجر الأرز الذي كان يغطي جباله بكثافة؛ فارتبط اسمه بهذه الشجرة حتى بات يعرف "ببلاد الأرز". نظرا للدور الذي لعبه الأرز في تاريخ لبنان، وفي التراث المحلي، وثقافات الشرق الأدنى القديم، أصبحت الأرزة رمز لبنان وتتوسط علمه.  

تتميّز جذور الأرز اللبناني بضخامتها الملحوظة واستقامتها، وهي تتحمّل ضغط الحمولات والأثقال، وتقاوم الإهتراء والأمراض والعفن، لذلك واكب الأرز الحضارات العالمية منذ القدم لغاية اليوم.

لقد ورد ذكر الأرز  كرمز للصلابة والديمومة والقوة في الكتب المقدسة وفي نصوص قديمة أخرى بالكتابات المسمارية و الهيروغليفية الأمر الذي يعكس أهميته بالنسبة للشعوب القديمة. فلقد بدأ استثمار خشب الأرز بشكل مكثّف منذ الالف الثالث ق.م. في التجارة والطقوس الدينية.

 
تصوير مارك فياض
 

استخدم الفينيقيون خشب الأرز  في صناعة سفنهم التي أبحروا فيها وجابوا العالم، حاملين معهم بضائعهم وصناعاتهم الفاخرة والمميزة. ونقلوا هذا الخشب معهم أينما توجّهت مراكبهم، وبنوا بخشبه أماكن العبادة والسفن والجسور.

 
 

ولقد كان يصدّر بكثافة الى مصر ، وكان يشكل جزءا من الجزية التي كانت المدن الفينيقية تدفعها عبر العصور المتعاقبة الى غزاتها الاشوريين والبابليين والفرس.

 
 

وقدّست الشعوب القديمة الأرز ، واعتبرته طارد الأرواح الشّريرة، ويجلب البركة ويشفي من الأمراض ويقضي على الأوبئة، واستعمل الفراعنة المادة السائلة CEDARIA التي يحتويها الأرز في عملية تحنيط موتاهم.

بَنى سليمان هيكل أورشليم من خشب الأرز وبات هذا الخشب على ألسنة الشعراء، وكاتبي المزامير وأسفار التوراة منذ ذلك الحين كونه رمزًا للصّمود والجمال.

 

 

كما  تفاخر ملوك ما بين النهرين وأبرزهم الملك الأشوري سنحاريب والبابلي نبوخذ نصر لقطعهم أشجار الأرز واستلائهم عليها. وكذلك الرومان، فلقد استخدموا خشب الأرز في صناعة أثاث بيوتهم ومذابحهم وكان مصدر تباهٍ عندهم.

مع بزوغ فجر المسيحية، استمرّ استعمال خشب الأرز في بناء المذابح، ونحت تماثيل القدّيسين، وصنع الأواني المقدّسة والصّلبان وتشييد الكنائس، أشهرها  كنيسة القبر المقدّس في أورشليم، كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، كنيسة صور التي بنيت في العام 75 والتي صلّى فيها القديس بولس، وكنيسة القديسة مريم الملكية في أورشليم، وكنيسة القديس بولس في روما

نظرا لأهميتها، عمد الامبراطور الروماني هادريانوس الى اتخاذ تدابير من شأنها حماية عدد من اصناف الاشجار التي كانت تنمو في جبال لبنان. ولقد اوكل الى عدد من فرق المساحة بتحديد الاحراج والغابات بهدف تحديد الاصناف التي كان قطعها ممنوعا والتي تعتبر بمثابة محمية امبراطورية ومن بينها الارز والصنوبر والعرعر والسنديان.

 
 

ومع مرور الزمن بدأت ثروتنا الحرجية تتدهور، فأخذت الغابات تتعرّى تدريجيا من غطائها الأخضر، خصوصا في القرن التاسع عشر حيث استهلكت الغابات بشكل واسع خصوصا وأن أخشاب الأرز  قد استُخدمت لمدّ خط سكة الحديد التي أنشأها الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى.

اما اليوم، لم يعد لبنان يحتفظ الا بعدد محدود من اشجار الارز المبعثرة في ارجائه وهي تنمو على ارتفاعات تتراوح بين 1500 و2000 م. ومن اجل الحفاظ على هذه الثروة تقام حملات بيئية لغرس اعداد كبيرة من غرسات الارز الصغيرة. ولحماية غابات الأرز تم انشاء المحميات الطبيعية التي توفر ايضا فرصة التعرف على أسرار غابات الأرز والاستمتاع بمشاهدها الخلّابة.

 

 

أرز بشري

هي من أشهر غابات الأرز في لبنان، وهي تعرف بـ "أرز الرب" وهي تضم أعدادا كبيرة من الأشجار المعمّرة التي يفوق عمرها مئات السنين. تربض غابة أرز الرب في أحضان جبل المكمل وهي تشرف على الوادي المقدس "قنوبين".

في العام 1876 أولت ملكة بريطانيا العظمى أرز الرب عناية خاصة، فأمرت بإقامة سور حول غابة أرز بشري لحمايته من أعداء الغابة التقليديين، لا سيما قطعان الماشية التي تقضم البراعم وتقضي على الشجيرات اليافعة. وفي العام 1985 بدأت أعمال حماية الغابة ودرء الاخطار عنها. فجرى تنظيفها والاهتمام باشجارها وشق عدد من الدروب لتسهيل زيارتها.

وفي وسط الغابة تقوم كنيسة صغيرة بنيت عام 1843، ولقد تحولت الى محج يقصدها الزوار للاحتفال والصلاة بعيد التجلي. وبجانب الكنيسة ، نحت رودي رحمة منحوتات تمثل الثالوث على شجرة لامارتين وأرزة الآب، وهي أعظم وأكبر منحوتة خشبية في العالم، إذ تمتد على علو 39 مترًا.  كما نحت 102 وجهًا للخالق والجسد والمخلوق، مركزًا على الرابط بين الزمان والمكان.

 

 

 

 

أرز الشوف

تعتبر محمية أرز الشوف الطبيعية الأكبر من نوعها في لبنان، وهي آخر امتداد للأرز اللبناني جنوبًا. وأكثر ما تشتهر به هذه المحمية هو غابات الأرز الثلاث الرائعة وهي: غابة أرز عين زحلتا – بمهريه، غابة أرز الباروك، وغابة أرز معاصر الشوف. وهي تحتوي على ربع ما تبقى من غابات الأرز في لبنان.

أنشئت هذه المحمية في العام 1996، وفي العام 2005، أعلنتها منظمة الأونيسكو مع القرى الـ «22» المحيطة بها، محمية محيط حيوي. وتشكل هذه المحمية نظرا لحجمها، موقعا ملائما للحفاظ على الثدييات المتوسطة الحجم كالذئب وقط الادغال اللبناني، بالاضافة الى اصناف متنوعة من الطيور والنباتات البرية.

تستقبل المحمية الزائرين الراغبين بالمشي في الطبيعة، والتسلق الصعب، ومشاهدة الطيور وركوب الدراجات .

 
 

 

 أرز تنورين

تعتبر محمية ارز تنورين واحدة من اكبر غابات الارز في لبنان، وأكثرها كثافة ، ويشكل شجر الارز فيها حوالي 90% من الغابة.

وتتميز الغابة بجغرافيتها وتضاريسها حيث تشكّل صفحة جبلية مذهلة مع شجرات أرز المنتشرة على المنحدرات العمودية. كما تتيح الغابة فرصة إكتشاف أخاديد صخرية وكهوف طبيعية وأزهار نادرة.

خصصت داخل الغابة أربعة مسارات زودت بخرائط، وممرات محددة يسلكها الزائر مع إشارات للدروب وطولها ومعدل الوقت اللازم لسلوكها ووعورتها. وتعتبر مراقبة الطيور من الأنشطة الرئيسة داخل المحمية التي أعلنت منطقة هامة لمراقبة الطيور للعام 2006  ولقد تم  انشاء فيها برجان لهذه الغاية.

 

 

 

 

 أرز جاج                  

تقع محمية أرز جاج في أعالي قضاء جبيل، وهي تعتبر من أقدم المحميات الطبيعية في لبنان. تتمتع المحمية بمسارها السياحي الذي يوفّر لزائريها متعة الاكتشاف والمغامرة. فيمكنك زيارة المحمية اليوم ، لرؤية ما تبقى من غابة الأرز التاريخية، والتي يعود عمرها الى مئات السنين. خصوصا  وأن الموقع يوفَر عدة مسارات للمشي، تناسب جميع الفئات العمرية.

 في أعماق الغابة، يوجد كنيسة تاريخية تتميز ببنائها الحجري القديم. يُعتقد بأن أرز جاج هو الأرز الذي استخدمه الفينيقيون لبناء هيكل سليمان في اورشليم، وبنى منه سكان جبيل والمناطق المجاورة سفنهم ومنازلهم. ومن أرز جاج أخذ المصريون القدماء أيضًا الخشب لبناء معابدهم ومقابرهم الملكية.

 
 

 

أرز إهدن

تقع محمية إهدن في المنحدرات الشمالية الغربية لسلسلة جبال لبنان الغربية. تحتوي محمية أرز اهدن على أشجار الأرز الجميلة  اضافة الى أشجار العرعر والتنوب والتفاح البري مما يجعهلها جزءا هاما من تراث البلد الثقافي والطبيعي.

تتميز المحمية بوديانها وممراتها التي تجعل من زيارتها ممتعة ومثيرة، وحيث يمكن اكتشاف ثروتها النباتية والحيوانية الغنية.

 

تصوير رينيه معوض
 
تصوير رينيه معوض
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium