اعتدنا في لبنان أخيراً تناقل الأخبار المحزنة واليائسة التي تتماشى مع الجوّ العام المسيطر علينا، وكأنّنا نُقفل على أنفسنا أبواب الأمل، مع العلم بأن ثمّة بصيص نور يخترق عتمتنا على شكل إبداعات لا ندركها لانشغالنا بسياسة اليأس والانهيار.
لهذا السبب، وإيماناً منّا بالقدرات التي تُبذل لانتشال البلد من "الجحيم" الذي أوقعونا فيه، أردنا تسليط الضوء على بعض الشخصيات في قطاعات حيويّة، وفي طليعتها السياحة.
"في مطلع عام 2004 أتيت إلى لبنان بهدف تأسيس عمل لي، وبقيت هنا حتّى 2006 وخسرت ما يقارب 300 ألف دولار نتيجة الحرب التي اندلعت آنذاك، يومها قلت في نفسي من المستحيل أن أعود إلى لبنان أبداً، إلّا أنّ إيماني بهذا البلد أجبرني على التراجع عن قراري والعودة إليه مجدّداً لأنتقم، ولكن ليس بالمعنى السلبيّ بل على طريقتي، من هنا قرّرت تأسيس فرع لشركتي "vibes tourism"، والحمد لله لم أندم على هذه الخطوة على الرغم من انتقاد الجميع لي"، يشرح يحيى الحاج، مالك ومؤسِّس إحدى أكبر الشركات السياحيّة في لبنان والعالم في حديث لـ"النهار" رحلته الطويلة في القطاع وعدم استسلامه برغم الحرب والانهيار الاقتصادي وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت.
عادةً ما يتراجع الإنسان ويستسلم عند رفع الراية الحمراء الأولى، فأيّ عاقل يعود ليستثمر أمواله في لبنان خلال فترة كورونا التي شهدت انهياراً اقتصادياً وإقفالاً تامّاً وتعليقاً للرحلات الجويّة؟... سؤال تردّد على مسامع الحاج كثيراً، ولعلّه كان أول ما خطر على بالكم أيضاً، فعلى ماذا راهن؟
يُجيب صاحب الشركة ضاحكاً عن السؤال الذي كان ينتظره، قائلاً: "سمعته كثيراً وانتُقدت أيضاً لقراري المفاجئ خلال فترة الجائحة، فعندما كان الجميع مشغولين بأمورهم وتدابير الإغلاق، كنت أعمل على تطوير شركتي ونقل الخبرات اللازمة إلى لبنان. ولكي أكون صريحاً، السبب الأساسيّ وراء هذه الخطوة المجنونة حسبما يعتبرها البعض، هو التكنولوجيا، التي لاحظت غيابها عن القطاع السياحيّ هنا إلى حدّ كبير على الرغم من تطوّر العالم وتقدّمه. فشركتنا عملت خلال بداية تأسيسها أي منذ الـ2001 على الطريقة التقليديّة عبر الفاكس أو الإيميل، ولكن عند ظهور التكنولوجيا اختلفت الأوضاع، وأصبحنا مجبرين على التكيّف مع الظاهرة العصرية، ولكن للأسف رغم كلّ هذا كنّا لا نزال غائبين عنها نسبياً في لبنان حتّى مطلع عام 2019، وهذا بحدّ ذاته كارثة لأن السائح لا وقت لديه ولا صبر أيضاً فهو يريد إنجاز أموره بسرعة وبأقل جهد بعيداً عن الأساليب المعتادة لمعظم المكاتب السياحية في لبنان. لذا، أسّسنا موقعنا استناداً إلى التكنولوجيا التي تقوم على عرض وتوفير خيارات واسعة من الفنادق والمنتجعات السياحية في لبنان وحول العالم، إذ بإمكان السائح نفسه اختيار مكان إقامته واكتشافه بنفسه عبر الإنترنت، كما حجز تذكرة الطيران أيضاً خلال دقائق قليلة وبخطوات سهلة دون الرجوع إلى أيّ أحد وهذا ما يُسمّى "instant confirmation" وهذا هو السرّ الذي غاب عن بعض الشركات وكان السبب وراء نجاحنا".
قبل عامين، وتحديداً خلال فترة الإقفال التامّ، خسرت شركات سياحيّة عدّة أموالاً طائلة فاضطرّت إلى الإقفال، غير أن "vibes" لم تكن معنيّة بالجائحة بتاتاً، إذ كسرت القاعدة وحقّقت إيرادات فاقت المليوني دولار!
يُطلعنا المؤسّس والمدير التنفيذي على تفاصيل هذا النجاح "غير المستحيل" كما وصفه، ويقول: "مشروعي في الأساس يعتمد على التحوّل الكامل نحو التكنولوجيا في كلّ الشركات السياحيّة، لأن اتجاه العالم عموماً تغيّر والعملية الشرائية لدى العملاء أيضاً، وعند الحديث عن التطوّر لا أقصد استخدام الواتساب أو الفايسبوك أو حتّى البريد الإلكتروني، بل أعني أن يُصبح المستخدم قادراً بنفسه على إدارة شؤونه عند دخول موقعنا والاستمتاع بحجوزاتنا الشاملة والعديدة دون مشاكل أو صعوبة، وهذا الأمر يتطلب ملايين الدولارات لجهة تحديث نظام العمل المعتمد، وتدريب الفريق، والجهات التي نديرها أو زبائننا... وتحقيقاً لهذه الغاية وقّعنا قبل أسبوعين عقداً مع 54 دولة أفريقية لنتعاون معها على الصعيد التكنولوجي وأنا متأكّد من أنّها ستكون بداية جيّدة للمسافرين وسنلمس نتائجها على أرض الواقع ومن خلال أرقام الحجوزات اليوميّة لا الشهريّة".
يؤكّد الحاج أن "الأجانب والعرب على حد سواء يرغبون بشدّة في زيارة لبنان واكتشافه عن قرب، إلّا أن الأوضاع العامة والظروف الأمنية ربما، وخاصة بعد تفجير مرفأ بيروت، تمنعهم من ذلك، وهنا يأتي دورنا في محاولة إقناعهم بتغيير تفكيرهم وحثّهم على زيارة بلدنا ومعالمه الثقافية خاصّةً، من خلال المشروع الذي أطلقناه لدعم القطاع السياحيّ وتحريك العجلة الاقتصادية تحت عنوان "درب الفينيقيين"، حيث استقدمنا وفداً برازيلياً، اللاعب الأساسيّ في السوق السياحيّة اليوم، لقضاء عطلة قصيرة يتمكن خلالها من زيارة أبرز المعالم الثقافية عندنا ولا سيّما غير المعروفة لتسليط الضوء عليها، وبالتالي هذا الوفد لن يكون الأخير، إذ بسواعد أصدقائنا العرب والغربيين سنشهد بصورة متتالية وفوداً مماثلة ودوريّة للغاية نفسها".
مفاجآت "vibes" لا تتوقف هنا... فقد أعلن مؤسّس الشركة عبر "النهار" أن الوفد البرازيلي سيزور منطقة قانا الجنوبية، كما ستكون له جولة في عدد من المناطق الجنوبية وغيرها وأبرزها درب التجلّي الذي قلّما نسمع عنه على الرغم من أهمّيته التاريخيّة وسحره الخاصّ، في خطوة "تاريخيّة" على صعيد الشركات السياحيّة، تُظهر رغبة لبنان في الانفتاح على الدول كافة لتنشيط سياحته وإعادة الحياة إلى شرايين القطاعات الاقتصادية بعد أعوام من الركود.
مبادرة "درب الفينيقيين" تفتح آفاقاً مبشّرة على الصعيدين السياحي والاقتصادي، وبناءً على ذلك، أطلق الحاج رسالة عبر موقعنا حثّ فيها "المسؤولين والشركات الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة والتعاون في ما بينها للنهوض معاً بالقطاع"، قائلاً: "هذا وقت العمل لا الانهيار أو البكاء على الأطلال، إمّا نستعيد لبنان الذي نحلم به ونكون على قدر المسؤولية أو نخسر بلدنا وأموالنا وعندها لا ينفع الندم"...
تمثل عودة الرئيس السابق دونالد ترامب مرة جديدة إلى البيت الأبيض خبرا سيئا للنظام في إيران، يضاف إلى خبر سيئ آخر هو أن إدارة الرئيس جو بايدن سبق أن استقبلت بإيجابية خبر نجاح إسرائيل في تقويض جزء مهم من قدرات الذراع الإيرانية في لبنان، ولاسيما منذ بدء الهجوم المدروس على "حزب الله" في ٣٠ تموز (يوليو) الماضي واغتيال القائد العسكري الأعلى في التنظيم فؤاد شكر، وحتى ٢٧ أيلول (سبتمبر) تاريخ اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، ثم قيامها بشن مناورة برية في الحافة الأمامية للجانب اللبناني من الحدود مع إسرائيل.