في أقلّ من ساعة من بيروت تصل إلى أكبر المحميّات الطبيعيّة في لبنان "محمية أرز الشوف". المحمية التي أعلنتها "اليونسكو"، "محمية محيط حيوي"، تغطّي مساحة قدرها 50000 هكتار، أي ما يعادل حوالَي 5 في المئة من إجمالي مساحة لبنان، ما يجعلها واحدة من أكبر المناطق الجبليّة المحميّة في الشرق الأوسط.
تُعدّ المحمية وجهة شهيرة للرحلات والمشي لمسافات طويلة، مع مسارات تُناسب جميع مستويات اللياقة البدنية. ومن قمم الجبال الوعرة، يتمتّع الزائرون بإطلالة بانوراميّة على الرّيف، شرقاً إلى وادي البقاع وبحيرة القرعون، وغرباً باتجاه البحر الأبيض المتوسط.
تكمن أهمية المحمية البيئية بضمّها 620 هكتاراَ من غابات الأرز اللبنانيّ، وهي أكبر مساحة لهذا النوع في لبنان، وتعادل 25 في المئة من غابات الأرز المتبقّية في البلاد. يقدَّر عمر بعض الأشجار في هذه المحميّة بنحو 2000 سنة، إلى جانب ضمّها 520 نوعاً من النباتات، منها 14 نوعاً نادراً، وعدداً من الحيوانات والزواحف.
أُنشئت في المحميّة شبكة من خدمات السياحة البيئيّة لضمان استدامة حقيقيّة، حيث خُصِّصت بيوت ضيافة لتوفير إقامة (منامة وفطور) للزائر بـ40 دولاراً تقريباً، إلى جانب مائدة الضيافة المتمثّلة بالمنازل الخاصّة المحيطة، والتي تقدّم الغداء والعشاء المحضَّر من إنتاج المزارعين والمنتجين المحلّيين.
يؤكّد مدير "محمية أرز الشوف"، نزار هاني، في حديث لـ"النهار"، أنّ هناك نحو 18 بيت ضيافة على مقربة من المحميّة، و28 بيت ضيافة في الشوف عامّة، وقد ساعدت المحمية على التسويق لهذه البيوت والقرى المحيطة بها.
في هذا الإطار، تقيم المحمية برامج سياحيّة ليوم أو يومين مليئين بالنشاطات البيئيّة والريفيّة والزراعيّة، وتتضمّن منامة في أحد بيوت الضيافة مع ثلاث وجبات في اليوم. تبدأ تكلفة البرنامج اليوميّ من 10 دولارات. أمّا رسم الدخول إلى المحميّة فيبلغ 50 ألف ليرة لبنانيّة للشخص، و40 ألفاً للطلاب.
للمحميّة أهمّية اقتصاديّة اجتماعية، فهي موطن لأكثر من 70000 شخص يعيشون حول المنطقة الأساسيّة للمحميّة، وينتمون إلى 24 بلديّة مختلفة محيطة بها.
هناك، تُصنّع النساء القاطنات في جوار المحميّة 70 منتجاً مختلفاً، لبيعها في مراكز الزوار التي تديرها المحمية. هكذا تشكّل المحميّة نشاطاً اقتصادياً لسكان القرى المحيطة، سواء لأصحاب بيوت الضيافة، الذين تسوّق لهم، أم للمزارعين والمنتجين المحليين؛ فجميع حجوزات المنامة في بيوت الضيافة تتمّ عبر المحمية، بحسب هاني.
ويُمكن لزائري المحمية شراء منتجات السكان في أسواق الباروك وباتر وبتلون وبطمة، وسيُضاف إليها سوق في المير أمين، لربط المنتجين بزوّار المناطق.
أمّا عن أنشطة السياحة البيئية التي تقدّمها المحمية فهي: إعادة التشجير، الـhiking، ركوب الخيل، التخييم، ركوب الدراجات الهوائيّة على طول الطرق أو الممرات المحدّدة، وتذوّق النبيذ في إحدى الخمّارات الشهيرة، ومساعدة المنتجين المحليين في الأنشطة اليومية مثل قطف الزيتون والخضراوات والفاكهة والعسل ومرافقة الرعاة أثناء رعيهم للمواشي وحلبهم الأبقار، وزيارة الحرفيين المحليين في ورش عملهم.
وقد أطلقت المحمية نشاطاً إضافياً هذا العام، وهو الـparagliding كلّ سبت وأحد. كذلك، تخصّص المحمية نشاطات صيفية للأطفال لمدة شهر (summer camp).
للمحمية 6 مداخل من 6 بلدات محيطة بها، يبدأ كلّ منها بمسار مشي، وهي من عين زحلتا – بمهراي، أو الباروك، أو معاصر الشوف، أو قلعة نيحا، أو جباع، أو مرستي.
وزيارة المحمية - وفق هاني - تعني زيارة جميع الدروب المؤدّية إلى المحمية في القرى المحيطة، إذ أصبح لكلّ مدخل مسار خاصّ، وباتت كل قرية وجهة سياحيّة بحدّ ذاتها، وجميع هذه النقاط ترتبط بشبكة واحدة من الدروب، وتساوي بمجموعها مساراً يبلغ 500 كيلومتر تقريباً.
في 2019 استقطبت المحمية 120 ألف زائر. لكن مع الإقفال بسبب كورونا، انخفض هذا العدد إلى نحو 60 ألف. لكنّنا في هذا العام "نتوقّع أن يفوق العدد الـ120 ألف زائر. وفي مقارنة مع العام 2019 من الفترة نفسها، الأرقام حالياً أفضل"، وفق هاني. كذلك، تجذب المحمية عدداً كبيراً من الأجانب، سواء من العرب أو من الغرب، إلى جانب المغتربين أيضاً.
وحالياً، تعمل المحمية على إنشاء منصّة "الشوف الأصيل" لإدارة الوجهة السياحية، ولتعريف الزائرين بجميع ما يودّون معرفته عن السياحة في الشوف والمحمية، ولإتمام الحجوزات أونلاين.
ويمكن لمحبّ الطبيعة تبنّي أرزة بتكلفة 50 دولاراً، ويحصل بموجبها على عضوية تمكّنه من زيارة المحميّة لعشرة أعوام مجاناً.
صحيح أنّ للمحمية أهميّة بيئيّة وطبيعيّة كبرى، إلّا أنّه لا يمكن ذكر الشوف مع تاريخه الغنيّ وجباله الخضراء ومعالمه المميّزة، من دون التطرّق إلى أبرز الأماكن الأثرية التي ينبغي لكلّ زائر المرور بها.
-قصر بيت الدين، التحفة المعماريّة التي بُنيت في أوائل القرن التاسع عشر من قبل الأمير بشير.
-قصر المير أمين في بيت الدين، الذي بُني من قِبل الابن الأصغر للأمير بشير، وتم تحويله مؤخّراً إلى فندق (5 نجوم) ومطعم.
-قلعة موسى الشهيرة التي استغرق بناؤها 60 عاماً من قِبل موسى المعماري، وهو رجل كان يحلم في طفولته ببناء قلعته الخاصّة.
-التجوال في شوارع دير القمر. فالمنطقة واحدة من أروع القرى في لبنان، وتشتهر بمنازلها التقليدية، وبأزقّتها الضيّقة ومعالمها التاريخية. وفي هذه المنطقة، تقع بعض المعالم السياحيّة الشهيرة أيضاً، كقصر فخر الدين، وقصر يونس.
-زيارة نهر بعقلين حيث البحيرات والشلالات الزرقاء الخلابة، للاستمتاع بوجبة لذيذة بجوار الشلالات.
-زيارة قرية المختارة الشهيرة بتاريخها وهندستها المعمارية وطبيعتها، والتجوال بين منازلها الحجرية وطواحين المياه والجسور القديمة، بالإضافة إلى إمكانية التوجّه إلى شلالات النبي مرشد في المختارة، للتمتّع بمنظر رائع مع تناول الغداء.
-التمتع بالمنظر الخلاب من قلعة نيحا، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 2800 عام. هي معروفة أيضًا باسم مغارة طيرون، وهي منحوتة في الصخر، وتطلّ على بعض المناظر الخلابة المطلّة على مرج بسري.
-تسلّق مسار درب النهر في قرية الجاهلية، الذي يُعدّ من أجمل المسارات في لبنان، حيث تكون النزهة محاطة بالشلالات والبحيرات الطبيعية والجسور القديمة والمساحات الخضراء في كلّ مكان.
-التنزّه إلى بحيرة سرجبيل الرائعة وشلالاتها الجاذبة لهواة الـhiking.
-تذوّق النبيذ في بعض الخمارات في معاصر الشوف وكفريا.