النهار

بعلبك... أعجوبة العمارة القديمة وهيكل متعدد المعابد
المصدر: "النهار"
بعلبك... أعجوبة العمارة القديمة وهيكل متعدد المعابد
A+   A-
كتبت رولا حميد


رغم عظمة ما تبقى منها، وظهورها للعيان بوضوح، ما تزال الآثار التاريخية لمدينة بعلبك اللبنانية، في وسط سهل البقاع، تثير استغراب البحاثة التاريخيين والأثريين، إن لجهة كيفية عمارتها، أم لجهة تاريخيتها بوضوح، فهي تعتبر من أكثر المدن استقطاباً للسياح في لبنان وتقام فيها مهرجانات عالمية تستقطب أشهر الفنانين العرب والأجانب.

بالنسبة لعمارتها، ما فتئت بعلبك تثير تساؤلات عن ضخامة الأحجار التي بنيت منها أعمدتها، وكيف تم نقلها من سيناء إلى البقاع، ولماذا كان ذلك.. 

كما تطرح تساؤلات كثيرة عما اندثر منها، وعما بقي، لكن وسط كل تلك التساؤلات تمكّن بحاثة أجانب ولبنانيون من الإجابة عن كثير من التساؤلات، وتوضيح الكثير من مكونات الموقع الذي عرف في فترة قديمة بهياكل بعلبك، بينما طغت عليه في فترات لاحقة صفة القلعة.
 
 
أما بالنسبة لتاريخية الموقع، فقد رصد البحاثة بداية لبنائه في أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد، أي في عصور سبقت الحقبات اليونانية، والرومانية، وتطرح تساؤلات عمن بنى الهياكل، وكيف تطورت، وتنوعت، لكن الجواب الذي يؤثر البحاثة وضعه هو أن العظمة المتجلية فيها هي رومانية، نظراً لتشابهها مع معالم رومانية أخرى، ضخامة، وفخامة.

كما أن إمكانية استحضار الحجارة الغرانيت الضخمة من أمكنة بعيدة، فهي تستدعي قوة دولة عظيمة، منيعة، وتملك القدرات الكبيرة لكي تستطيع تأمين هذه الحجارة والصخور، ولا يسجل البحاثة دولة أخرى غير الامبراطورية الرومانية التي لم يسبق أن تقدمت عليها أمبراطورية في التاريخ.
وعلى جانب آخر من المسألة، خصوصاً ما يتعلق منها بالعمارة المحلية، من حجارة مقتلعة من البقاع عينه، فإن البحاثة يتركون حيزاً كبيراً وهاماً لبنائهم أقساماً عديدة منها، وفي ذلك غرابة، فقد بلغ البناؤون المحليون مستويات عالية من التطور، والخبرة في الهندسة والبناء، وهؤلاء القوم إن هم إلا الفينقيون، أي سكان الساحل اللبناني وامتداده نحو الداخل بمستويات محدودة.
 
السيدة فيروز في بعلبك (أرشيف رولا حميد).
 
 
ومن الأبرز تاريخياً في ما يتعلق بالموقع أنه أثّر في تحديد دورها في العصور القديمة، إذ إنها كانت تقع على مفترق عدد من طرق القوافل التي كانت تصل الساحل المتوسطي ببرّ الشام، بلوغاً إلى مملكة تدمر الهامة، وشمالي سوريا بشمالي فلسطين. وقد استفادت عبر تاريخها الطويل من هذا الموقع المميز لتُصبح محطة تجارية مهمة ومحجاً دينياً مرموقاً.

وقد تمكن البحاثة الأثريون من وضع خارطة لتصميمه، تظهر أقسامه ومواقعه، فالمجمع يتألف من ثلاثة صروح رئيسية هي معبد "جوبيتير" الكبير، ومعبد أصغر حجماً نسب إلى "باخوس"، ومعبد مستدير نسب إلى "الزهرة". 

معبد جوبيتير
أكبر المعابد هو معبد جوبيتير، والمشهور منه بقاياه، وهي الأعمدة الستة الضخمة التي ما زالت ماثلة للعيان والتي يبلغ ارتفاعها ٢٢ متراً. تألف من أربعة أقسام رئيسية هي الرواق المقدم، وكان شكل المدخل العمائري، يليه البهو المسدس، فالبهو الكبير، فالهيكل. 

يتألف الرواق المقدم من بنية أشبه ما تكون ببوابة، على طرفيها برجان، بينهما رواق يرتكز على صف من اثني عشر عمود غرانيت.

تفضي أبواب الرواق إلى البهو المسدس، وهو فناء مكشوف للشمس، تحيط به ستة أروقة ترتكز على ثلاثين عموداً من الغرانيت، ويبلغ طول البهو الكبير ١٣٤ متراً، وعرضه ١١٢ متراً.
 
 
استغرق بناؤه أكثر من ثلاثة قرون، وتعاقب عليه عدة أباطرة، ومع اعتراف الامبراطور قسطنطين بالمسيحية ديانة للامبراطورية، وتحول الامبراطورية من الوثنية، أوقف العمل بالمعابد الوثنية، ودمر بعض الأباطرة كل ما هو وثني، وبنوا فوقها كنائس لهم.

الهيكل الصغير أو هيكل "باخوس"

بني بمحاذاة الهيكل الكبير، في القرن الثاني بعد الميلاد، ويعتبر من أفضل الهياكل الرومانية نقوشاً، وزخارف. يصعد إليه بدرج ضخم من ٣٣ درجة. 

كرّس الهيكل لإقامة بعض الطقوس المسارية، التي لا يشترك فيها غير المسارون وهم الذين تفقهوا في الأسرار. وتمحورت هذه الطقوس والعبادات حول إله بعلبك الشاب الذي كان يشرف على نمو النبات والقطعان.
 
 
السيدة أم كلثوم في بعلبك (أرشيف رولا حميد).
 
 
الهيكل المستدير أو هيكل "الزهرة"
يقع الهيكل عند الجنوب الشرقي من القلعة، وهو صغير مستدير، وفريد بهندسته وتصاميمه في كل أرجاء الامبراطورية الرومانية، بني في القرن الثالث، وكرس لتكريم الآلهة التي تمثل مدينة بعلبك.

في العصر البيزنطي، جرى تحويله كنيسة على اسم القديسة بربارة التي تعتبر شفيعة المدينة، وما يزال أهالي بعلبك يطلقون تسمية "بربارة" على الهيكل.
 
 
وفي جولة في مدينة بعلبك، يجد الزائر أن المدينة لم تتوقف عند عمارة الهيكل، والمعبد، فإلى جانب هياكل القلعة، تزخر بعلبك بعدد لا بأس به من المعالم الأثرية الرومانية، أو الإسلامية منها الجامع الأموي الكبير، ومعابد وبنى رومانية عديدة، وآثار لحقب لحقت الحقبات الرومانية، إضافة إلى إقامة العديد من الفنادق الحديثة والمطاعم للتمتع بجمالاتها.
 
(أرشيف رولا حميد).
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium