تُعدّ متاحف قطر من أهمّ الوجهات الثقافية لزائري هذه الدولة وقاصديها من المنطقة والعالم. في العشرية الأخيرة، سَعت قطر إلى "إبقاء ماضيها حيّاً وحاضراً"، بحسب وصف القيّمين على مرافقها الثقافية، فتَكثّف العمل لإنشاء عددٍ من المتاحف وتطويرها، على اختلاف طابعها الوطني والتراثي والعربي والإسلامي.
ثلاثة متاحف رئيسية تُشكّل جزءاً من المشهد الثقافي في الدوحة وتُثريه: متحف قطر الوطني، متحف الفن الإسلامي، والمتحف العربي للفن الحديث. تتّسم هذه المتاحف بتنوّع معروضاتها من القطع الفنيّة التراثية والقطع الإسلامية التقليدية والمقتنيات التاريخية والأعمال الفنية المعاصرة. وثمّة متحف رابع هو 1-2-3 متحف قطر الأولمبي والرياضي، الذي تزامن إطلاقه مع استضافة الدولة لأكبر البطولات العالمية على مدى العامين الأخيرين.
تجمع هذه المتاحف حقبات رئيسيّة من تاريخ الدولة القطرية وتعرّف بها، ابتداءً من مرحلة التأسيس وصولاً إلى عصرها الحديث، وسط سعي لتقديم التاريخ برؤية جديدة وأساليب متاحة للجميع، تواكب التطوّر في المنطقة، مع المحافظة على الطابع التراثيّ.
ماذا نعرف عن متحف قطر الوطني؟
يتخيّل الداخل إلى متحف قطر الوطني نفسه في الصحراء، بفضل الفرادة في تصميمه المعماريّ، الذي يعبّر عن "وردة الصحراء" بأشكالها البلوريّة. استلهم المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل هذه الظاهرة من الموقع الجغرافيّ لدولة قطر في قلب الصحراء، مع المحافظة على العلاقة بين البلد وأهله من جهة، وبين الحقبة الأولى للحياة البدويّة والزراعيّة من جهة ثانية.
شُيّد المتحف الوطني في العام 2019، ويتألّف من 11 صالة عرض، في كلّ واحدة منها يجري تقديم نظرة شاملة للزائر حول إحدى الحقبات الزمنية من تاريخ دولة قطر، منذ تأسيسها حتى اليوم، مروراً بتجارب عيش الشعب القطري برّاً وبحراً، وذلك عبر مشاهد حسّيّة متحرّكة ومتطوّرة، تنقل الزائر عبر الزمن بالصّوت والصّورة.
1- البدايات في قطر
تأخذ الصّالة المخصّصة لبدايات الدولة الزائر إلى ماضٍ منقرض، وإلى حقبة التكوين الجيولوجيّ لشبه جزيرة قطر، التي عُرفت بالموطن الأول للكائنات الحيّة البريّة والبحريّة. تتضمّن المعروضات الرئيسيّة أحافير حيوانات ونباتات تنتمي لسبع فترات زمنيّة مختلفة، وتُبيّن هذه المشاهد العلاقة بين الإنسان القطريّ وبيئته على اختلافها.
تضمّ الصالة مجسّماً لسمكة قرش الحوت بحجمها الطبيعي معلّقة فوق رؤوس المارّة، إضافة إلى هياكل عظميّة حقيقية لعدد من الكائنات الحيّة المنقرضة، إحداها تمّ العثور عليها في العام 2005 وتعود إلى أكثر من 20 مليون سنة.
2- أهم الآثار القطرية
يضمّ المتحف الوطني ألف قطعة أثرية تُعرَض في حاويات زجاجيّة وفقاً للتسلسل الزمنيّ. فقد ترك السكّان والرُحّل آنذاك آثاراً تدلّ على أسلوب حياتهم في الماضي، بدءاً من القبائل الأولى في الخيام، وصولاً إلى التجّار في المدن التي ازدهرت في القرن التاسع عشر. وتضمّ هذه الصالة نماذج لمنحوتات صخريّة تكشف عن نمط العيش للأجيال الأولى.
يتنقّل الزائر في هذه الصالة بين الأزمنة والعصور: الحجريّ والبرونزيّ والحديديّ، وبين الحضارات المختلفة: من الحضارة البيزنطية والفارسية الساسانية، وصولاً إلى دخول الإسلام إلى قطر. وهنا يُمكن اكتشاف العملات المستخدمة في تلك الحقبات والقطع الأثرية الخاصّة بكلّ منها، وحتّى المستلزمات الشخصية للسكان.
اشتهرت قطر تراثيّاً بموقع "الزبارة الأثريّ" المُدرَج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، فدفع ذلك القيّمون على المتحف الوطني إلى تخصيص عرض للقطع الأثرية لهذا الموقع، والتي تُعبّر عن الروابط التجارية والحياة المدنية والتقاليد المحلية والأنماط المعمارية في مدينة الزبارة القطرية الساحليّة، مثل إصلاح القوارب وصيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ.
عُرفت مدينة الزبارة بحرفة الخط العربي، حيث خطّ الفنان القطري أحمد المريخي نسخة من القرآن الكريم، وهي أفضل نسخة عُثر عليها في قطر منذ العام 1806 ميلادي حتى اليوم.
يضمّ المتحف أيضاً زاوية خاصّة بقطع أثرية كالمجوهرات الثمينة المصنوعة في الهند وأوروبا، والتي يُزيّنها اللؤلؤ المُكتشَف في قطر، في ذلك الزمن. وتعود ملكيّة هذه المجوهرات لملوك قدامى ومشاهير من القرن العشرين.
3- حياة السكّان وطرق عيشهم
في المتحف شاشة عرض تختصر للزائر نبذة من حياة السكّان بين البرّ والبحر. فقد شكّل التنقّل عنصراً أساسيّاً من هويّة الأهالي حينذاك بحثاً عن المياه والمرعى والتبادل التجاري.
تضمّ هذه الصالة خريطة للطرق التجارية القديمة، ومجسّماً خشبيّاً كبيراً لشبه جزيرة قطر يُجسّد التنقّلات الموسمية. كذلك تعرض القطع والأدوات التي استُخدمت آنذاك للتنقل والترحال، مثل سروج الجمال وقوارب المياه وأدوات الملاحة، والقطع المرتبطة بالنباتات والأعشاب، واقتفاء آثار الحيوانات.
وفي الصالة أيضاً نماذج لأزياء السكان من النساء والرجال، والتي لم تختلف كثيراً عن شكل الملابس في الحاضر، مع حرص النسوة على ارتداء أزياء ملوّنة تتّسم بطابع أنثويّ، منقّشة لتمييزها من أقمشة الرجال.
4- تاريخ قطر الحديث
خَصّص متحف قطر الوطني مساحة لتاريخ الدولة الحديث، لتروي للزائر رحلة "بناء الدولة". وتشمل القطع المعروضة أسلحة ووثائق وخرائط تاريخية، وموادّ استخدمت في المعارك التي مهّدت للتأسيس وممتلكات شخصيّة للقادة القطريين.
كما تضمّ مقتنيات ووثائق خاصّة بالملوك والرؤساء والوفود الرفيعة التي زارت الدولة في السنوات الأخيرة، ومنهم ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية.
وتماشياً مع فترة اكتشاف النفط في قطر، كان لا بدّ من تخصيص مساحة في المتحف الطني لعرض قطع أثرية تتعلّق بالمرحلة الأولى للاكتشاف، وقطع أخرى وأدوات تعكس تغيُّر أنماط الحياة للشعب القطري في تلك الفترة، مع دخول أجهزة الراديو والتلفزيون والهاتف إلى المنازل، وبدء استخدام الطوابع والعملات، إضافة إلى الممتلكات الشخصية لحكام قطر.
وفي المساحة الأخيرة للمتحف، زاوية لفترة الحكم الحالية في قطر وكيفية تطوُّر حياة الناس والعمران، إلى جانب التطوُّر التكنولوجي وأهم الأعمال والفعاليات التي جرت في السنوات الأخيرة.