ينتشر العرب في أقطار العالم، ويختارون السكن في مجتمعات يشكلونها، فينقلون إليها ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، محافظين على إرثهم الثقافي الذي انصهر في المنطقة الجغرافية التي ينزلون فيها، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من هذه المجتمعات، محولين المكان مقصداً يجذب العرب وغير العرب... حتى سمّيت الشوارع حيث يسكنون باسمهم: "شوارع العرب".
انتقل معظم العرب إلى ألمانيا في سبعينيات القرن الماضي عمالاً مهاجرين من المغرب ومقاطعة ماردين التركية وتونس. وجاء كثيرون فيما بعد من الكويت ولبنان، وهاجر إليها كثيرون من سوريا والعراق بسبب الحروب في البلدين. سكنت أغلبية هؤلاء في أحياء العرب وشوارعهم، لاذوا فيها علّهم يجدون أماناً عزّ عليهم في أوطانهم.
وهكذا، تحولت هذه المناطق مراكز حيوية تعكس تنوعاً ثقافياً واجتماعياً عربياً غنياً. في معنى آخر، تجاوزت السمة المكانية الجغرافية إلى سمة الفضاء العمومي العربي، الذي يتقاطع فيه الحيز الثقافي مع الاجتماعي. فصارت الأزقة سورية هنا، وعراقية هناك، وتونسية هنالك، وبينها جسور لا نراها، إنما نشعر بها من خلال قواسم مشتركة ركنها الأساسي عادات وتقاليد عربية تحاول أن تتماسك كي لا تذوب في عادات الآخر الألماني.
فأين هي هذه الفضاءات العمومية العربية بألمانيا؟
برلين
شارع سونيناللي هو "شارع العرب" الشهير في برلين، طوله خمسة كيلومترات، ويتوسط منطقة نويكولن النابضة بالحياة. يشعر المرء أنه في شرق أوسط - ألمانيا.
تنتشر في طول الشارع متاجر عراقية، ولهجات عربية، ومطاعم شرق أوسطية، ولافتات لحوم "حلال"، وأكشاك هدايا تذكارية عليها أعلام عربية، ومتاجر تبيع التمور والتوابل والفاصوليا، ومطاعم للمشاوي ومحال للحلويات السورية، ومحامص لبنانية للقهوة.... ونوافذ "الشاورما"!
تلفتنا في هذا الشارع أعلام فلسطينية ولافتات مؤيدة لفلسطين تدعو للتظاهر نصرة لغزة، وكوفيات معلقة على أبواب المحال التجارية. بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، صار "شارع العرب" منطلقاً للاحتجاجات ومستقراً لقوات الشرطة الألمانية، مع تزايد الاتهامات للسلطات الألمانية بمحاولة إسكات المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين.
فرانكفورت
يقع شارع العرب في الجهة الشمالية من نانا، ويتميز بالممرات الضيقة والنقوش العربية الرائعة، فلا يخطر ببالك إلا فيروز: "ردّني إلى بلادي"... أياً تكن بلادك. يطلق على هذا المكان اسم "نانا رود" أو "الحي العربي"، كما يطلق عليه أيضاً اسم شارع "سوكومفيت 3/1".
ومنطقة العرب في فرانكفورت مجاورة لمنطقة بانهوفسفيرتل المعروفة بتنوعها وحيويتها. فيها مجموعة واسعة من المطاعم والمقاهي والمحال التي تقدم أطباقاً ومنتجات عربية، لذا تزدحم دائماً بعرب يأتونها من نواحي المدينة، حنيناً إلى جذورهم، وبألمان وأوروبيين يعشقون الأجواء الشرقية.
مطاعم "الحلال" في كل مكان، وروائح "الكباب" هنا كأنها الطيب من ياسمين دمشق، والليل في هذه الربوع عربي راقص حيناً وثقافي سياسي أحياناً... ولكل إنسان ما يهوى.
هامبورغ
نساء محجبات ورجال بشعر داكن. مطاعم سورية بوجبات تركية خفيفة. حلاقون ومقاهي شيشة. أسياخ كباب وصحون بقلاوة وشاي بالنعناع... وأم كلثوم تغني "الأطلال"... مرحباً بكم في "شارع العرب" بهامبورغ!
مشهور جداً هذا المكان، يسميه الألمان "شارع الأجانب". أسماء المطاعم والمتاجر فيه عربية، وكل ما فيها عربي، إلا بعضها مما يريد أصحابها الخروج من تحت عباءة الشرق قليلاً، في مسعى للاندماج بالمحيط لا ينجح تماماً، فيكتفي بالاستتار بالمألوف الألماني، لا أكثر. فإن كنت وافداً عربياً جديداً إلى هامبورغ، لن تشعر بالوحشة أبداً.
في أيام الجمعة، يكتظ الشارع بالعرب المسلمين لأداء صلاة الجمعة في "مسجد النور"، أو في واحد من 13 مسجداً في الجوار. وفي الأيام الأخرى، يكتظ أيضاً بعرب يأتون للتسوق في متاجر كثيرة للمفروشات والملابس والمجوهرات والأكسسوارات، أبرزها مركز علاء الدين (das Aladin-Center) الشهير، أو لحضور مهرجانات تقام فيه على مدار السنة، مثل مهرجانات الربيع والصيف والخريف، والمشاركة في الأنشطة المميزة، من غناء ورقص ومعارض.