نحبّ ولا ندري لماذا، ولا يسعنا الإجابة عن هذا السؤال. فلعقود من الزمن، ظل العلماء في مجالات تراوح من الأنثروبولوجيا إلى علم الأعصاب يطرحون السؤال نفسه. لكن اتضح أن العلم وراء الحب أبسط ممّا نعتقد.
الأساس العلمي للحب غالباً ما يكون مثيراً، وما نعرفه هو أنّ الكثير من الحب يمكن تفسيره بالكيمياء. لذا، إن كانت هناك بالفعل "صيغة" للحب، فما هي، وماذا تعني؟
الكسوف الكلّي للدماغ
فكّر في آخر مرة التقيت فيها بشخص وجدته جذاباً. ربما تلعثمت، وربما تعرّقت راحة يدك، أو قلت شيئاً غبيّاً بشكل لا يُصدّق وتعثرت بشكل مذهل أثناء محاولتك الابتعاد. فمن المحتمل أن قلبك كان ينبض في صدرك.
وليس مستغرباً أنّ الناس اعتقدوا أن الحب (ومعظم المشاعر الأخرى، في هذا الصدد) ينشأ من القلب. لكن الحب يدور حول الدماغ الذي بدوره يجعل بقيّة جسدك يرتبك.
بحسب مقال نشرته جامعة هارفرد، ووفقاً لفريق من العلماء بقيادة الدكتورة هيلين فيشر في روتجرز، يمكن تقسيم الحب الرومانسي إلى ثلاث فئات: الشهوة، والانجذاب، والتعلّق.
وتتميز كل فئة بمجموعتها الخاصة من الهرمونات النابعة من الدماغ. فهرمونا التستوستيرون والإستروجين يقودان إلى الشهوة. وهرمونات الدوبامين والنورادرينالين والسيروتونين تخلق الجاذبية. وهرمونا الأوكسيتوسين والفازوبريسين يتعلقان بالارتباط.
الحبّ بالكيمياء
الشهوة مدفوعة بالرغبة في الإشباع الجنسي، إذ ينبع الأساس التطوري لذلك من حاجتنا إلى التكاثر، وهي حاجة مشتركة بين جميع الكائنات الحيّة.
إن للـhypothalamus في الدماغ دوراً كبيراً في هذا الإطار، بحيث يحفز إنتاج الهرمونين الجنسيين التستوستيرون والأستروجين. وهرمون التستوستيرون يزيد الرغبة الجنسية لدى جميع الرجال تقريباً، بينما تكون التأثيرات أقل وضوحاً مع هرمون الأستروجين لدى النساء.
والانجذاب ظاهرة متميّزة، إذ يتضمّن مسارات الدماغ التي تتحكم في سلوك "المكافأة"، وهو ما يفسّر جزئياً لماذا يمكن أن تكون الأسابيع أو الأشهر القليلة الأولى من العلاقة، مبهجة للغاية، إذ يُعدّ الدوبامين، الذي ينتجه الدماغ، لاعباً في هذا المسار المكافأة، بحيث يتم إطلاقه عندما نقوم بأشياء تشعرنا بالرضى.
في هذه الحالة، تشمل هذه الأشياء قضاء الوقت مع الأحباء وممارسة الجنس، خلالها، تُطلق مستويات عالية من الدوبامين والهرمون المرتبط به، النورإبينفرين، أثناء الانجذاب. هذه المواد الكيميائية تجعلنا دائخين، نشيطين، ومبتهجين، حتى إنها تؤدي إلى انخفاض الشهيّة والأرق، وهو ما يعني أنك في الواقع يمكن أن تكون "في حالة حب" لدرجة أنك لا تستطيع أن تأكل ولا تستطيع النوم.
وأظهرت فحوص أدمغة الأشخاص الواقعين في الحب أنّ مراكز "المكافأة" الأساسية في الدماغ، تنشط بجنون عندما تُعرض على الأشخاص صورة لشخص ينجذبون إليه بشدّة.
والانجذاب يؤدّي إلى انخفاض هرمون السيروتونين، وهو الهرمون المرتبط بالشهيّة والمزاج. ومن المثير للاهتمام أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري لديهم أيضاً مستويات منخفضة من السيروتونين، ممّا دفع العلماء إلى التكهّن بأنّ هذا هو ما يكمن وراء الافتتان الطاغي الذي يميّز المراحل الأولى من الحب.
كذلك، يُعدّ الارتباط العامل السائد في العلاقات الطويلة الأمد، فيما الشهوة والانجذاب يقتصران إلى حد كبير على التشابكات الرومانسية. والهرمونان الأساسيان هنا هما الأوكسيتوسين والفازوبريسين. لذا، غالباً ما يُطلق على الأوكسيتوسين اسم "هرمون الاحتضان". ومثل الدوبامين، يتم إنتاج الأوكسيتوسين في الدماغ، ويتم إطلاقه بكميات كبيرة أثناء ممارسة الجنس والرضاعة الطبيعية والولادة.
ما الذي "يشعل" هذه الهرمونات؟
الرائحة
هل تعلم أننا جميعاً نفرز "رائحتنا" الخاصة؟ مثل الهرمونات، الفيرومونات هي مواد كيميائية، لكن الفرق هو أنها موجودة خارج الجسم، ويشير العلم إلى أنّ هذا عامل لاواعٍ في انجذابك الأولي لشخص ما.
مدى التشابه
وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على 1523 زوجاً، والتي حللت التشابه في سمات الشخصية الفردية، أنّ شخصيات الأزواج السعداء متشابهة بنسبة 86 في المئة.
ولا يقتصر الأمر على السمات الشخصية فحسب، بل من المحتمل أيضاً أن تنجذب إلى شخص لديه نفس القيم والمعتقدات. وفي دراسة أخرى أجريت على 1500 زوج، كان لدى كل زوجين وجهات نظر مماثلة للحياة، بما في ذلك أولئك الذين التقوا للتوّ.
المظهر
هناك عدة طرق يكون للمظهر فيها تأثير لاشعوري على الشخص الذي تنجذب إليه. فعلى سبيل المثال، يُعدّ وجود وجه متناسق عموماً سمة مميّزة للجاذبية التقليدية.
وفي الوقت نفسه، عند الرجال، يُعدّ إصبع البنصر إن كان أطول من إصبع السبابة، مؤشراً على وجود المزيد من هرمون التستوستيرون، وبالتالي ارتفاع عدد الحيوانات المنوية، وزيادة الخصوبة، وقلب أكثر صحّة وجينات أفضل.
ومع ذلك، تجارب حياتك الخاصة هي الغالبة، ولهذا السبب، تفضيلاتك وذوقك في المظهر فريدان جداً بالنسبة إليك، إذ وجدت دراسة أن الأشخاص الذين نجدهم جذابين يتأثرون بشدّة بتجاربنا الحياتية، مثل نوع الوجوه التي نتعرّض لها والعلاقات التي نشكّلها.
على سبيل المثال، قد تؤدي إقامة علاقة إيجابية مع شخص ما إلى ربط سمات وجهه بمعلومات إيجابية دون وعي. وبالتالي، فإن الأشخاص الذين يشبهونهم يصبحون أكثر جاذبية لك أيضاً.
تشير الأبحاث أيضاً إلى أنّ الألفة والتعرّض لوجوه معيّنة يزيدان من جاذبيتها. وهذا يعني أنك قد تفضّل الوجوه المشابهة لتلك التي تعرفها أكثر، وتميل إلى الحكم على الوجه المختلف تماماً عن الوجوه التي رأيتها سابقاً على أنها أقل جاذبية.
مؤشر كتلة الجسم الخاص بهم
تقليدياً، تُعدّ نسبة الخصر إلى الورك 7:10 هي النسبة المثالية لجاذبية الأنوثة، بينما تبحث النساء عن رجل تبلغ نسبة الخصر إلى الورك 9:10.
لكن وفقاً لإحدى الدراسات، من المهم أن يكون لديك مؤشر كتلة جسم صحي. فعلى ما يبدو، يجد الرجال أنّ النساء ذوات مؤشر كتلة الجسم من 18 إلى 20 هنّ أكثر جاذبية، لأنه يشير إلى الصحة الجيدة والخصوبة.
وفي الوقت نفسه، تبحث النساء دون وعي عن رجل تبلغ نسبة الدهون في جسمه حوالي 12 في المئة، ربما لأنّ ارتفاع نسبة الدهون في الجسم يرتبط بمجموعة من الآثار الصحية السلبية، بما في ذلك أمراض القلب والسكري وانخفاض الخصوبة.
بالمختصر، يبدو أن الإثارة الجنسية (ولكن ليس بالضرورة الارتباط) تؤدي إلى إيقاف مناطق في دماغنا تنظم التفكير النقدي والوعي الذاتي والسلوك العقلاني، لذا، الحب يجعلنا "سطحيين" في لحظات.
في عيد الحب، نتمنى لكم عيد حب سعيداً!