لم يكن انفجار مرفأ بيروت وتدمير محترف زهير مراد في الجمّيزة عائقاً أمام عودته من جديد، محلّقاً في سماء الإبداع والابتكار، فها هو في محترفه الموقت يتحدّث مستذكراً بداياته وكيف انطلق من العدم ليعانق العالميّة، وها هو يتجدّد كما حاله دائماً، متغلّباً على المصاعب التي يلاقيها يومياً في لبنان مؤمناً دوماً بأرضه ووطنه، وبأنّ لبنان سيستعيد تألّقه ونجاحه عاجلاً أو آجلاً.
في حوار هادئ زهير مراد أطلعنا على خفايا شخصيته وما تكتنزه نفسه من حبّ للآخرين وآرائه في الغضب والشهرة والحياة والموت.
زهير مراد مع الزميلة فاديا خزام الصليبي
-يفكّر بعض المصمّمين اللبنانيين في نقل مشاغلهم الى الخارج، بسبب الحالة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلد. هل تفكر في المغادرة أيضاً؟
عندما حدث انفجار المرفأ، فكّرت في أن أهاجر الى أوروبا، لكنّني عدلت عن ذلك لأنّني أعتبر أنّي مسؤول عن 250 عائلة تعتاش من هذه المؤسّسة. ثمّ إنّ بلدي هو الذي أطلقني. في الفترة الأخيرة كان الوضع صعباً جداً، لكنّني بطبعي متفائل وأعتقد أنّ لبنان سيخرج من محنته كما اعتدنا عليه. يجب ألا نتخلّى عن بلدنا أبداً، ويجب أن نقاوم ونستمرّ.
مجموعة الأعراس لربيع وصيف 2022
-انفجار المرفأ أدّى الى ردم مشغلك ومكاتبك في الجمّيزة، وحتى الآن لم تنتقل إلى مقرّك الرئيسي، هل ما زالت الورشة قائمة؟
للأسف، احتاج المبنى إلى الكثير من الترميم، فالبنية الأساسيّة دُمّرت بالكامل، استغرق الترميم سنتين وكنت أفضّل لو قمت ببناء مبنى جديد بدل أن أرمّم. على كلّ حال، من المفترض أن ننتقل قريباً جداً الى مقرّنا، وأشكر الله أنّنا تمكنّا من إيجاد مكان يؤوينا في سنّ الفيل رغم أنّني لا أشعر بالراحة فيه، فهو لا يمثّل صورتي ولا هويّتي ولا محيطي المعتاد عليه.
-ماذا فعلت حين وقع الانفجار؟
هذا اليوم كان حقاً كارثياً، ولكن أشكر الله أن أحداً لم يتأذّ من العاملين، إذ كنّا قد خرجنا من المبنى. عندما سمعت الانفجار بدأت أسأل عن الوضع هناك ولكن لم يصارحني أحد بالحقيقة، قالوا لي إنّ الزجاج تكسّر فقط كي لا أتعرّض للصدمة، لكنّني عدت مشياً على الأقدام الى الجمّيزة، وحين وصلت كانت الصدمة كبيرة.
-ألم تيأس من وطنك؟
قلت لك أنا إنسان متفائل، ولديّ أمل في إنقاذ لبنان من محنته. علينا أن نكون مثالاً أعلى للشبيبة لكي تعود الى وطنها وتسهم في ازدهاره. فإذا استسلمنا لليأس وغادرنا الوطن نكون قد أخطأنا بحق وطننا وسلّمناه الى أناس لا يستحقونه. فاللبنانيون الذين أعطوا صورة رائعة في الخارج يجب أن يبقوا في لبنان كالمصممين اللبنانيين مثلاً، لأنّهم أضافوا لمسة خاصّة إلى البلاد جعلت الناس في كل الكرة الأرضيّة يعشقونه.
-ماذا قدّمت لك باريس؟
الكثير! وأهمّ شيء الاحتراف والمهارة وكيفيّة خلق هويّة خاصّة، الفرنسيون ماهرون في التنظيم والعمل ويسعون دائماً الى الكمال، يكرهون الفوضى بعكس الإيطاليين.
-أنت لم تطلق بعد ما يقال عنه Essence بالفرنسيّة مثل الأكسسوار والعطور ومستحضرات التجميل، لماذا؟
أطلقت الأحذية والجزادين والأحزمة، وهي تعرض في البوتيكات وعلى موقعنا، أمّا الأكسسوارات كالعقود والخواتم والأقراط وغيرها، فهي لم تحقق النتيجة المرجوّة. الطلب يتركّز كثيراً على الثياب من ألبسة جاهزة وهوت كوتور. أمّا العطور فكنت قد بدأت بالتخطيط لها لكنّ وباء كورونا أوقفني عن تنفيذ هذا الخطّ، لكن حتماً سوف أعيد التفكير فيها.
ما دور المرأة العربيّة في نجاحك؟
دورها كبير، فهي كانت الأولى التي آمنت بموهبتي، ومن خلال عملي معها اكتسبت الخبرة في معرفة متطلّبات النساء عموماً وأذواقهنّ.
كيف تصف المرأة العربيّة بين الأمس واليوم؟
المرأة العربيّة تطوّرت كثيراً وخاصّة الخليجيّة، في الماضي كانت منطقة الشرق الأوسط منقسمة الى قسمين: القسم الأوّل يتألّف من لبنان، الأردن، العراق، سوريا، أمّا الثاني فكان يضمّ دول الخليج العربي. وفي ذلك الوقت كانت المرأة اللبنانيّة هي السبّاقة من حيث اتباع الموضة والأناقة، فيما كانت الخليجيّة تتبع التقاليد المفروضة عليها في اختيار ثيابها. أمّا في عصرنا الحاضر فهي انفتحت على الموضة منذ عشرين سنة، وتغيّر ذوقها وخاصّة الجيل الجديد غير المرتبط بالتقاليد القديمة من حيث المظهر. لذا أرى أنّ الذوق أصبح موحّداً في العالم أجمع وخاصّة بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، فالعالم أصبح قرية واحدة.
-أنت رجل عصامي، اعتمدت على نفسك لتصل الى النجاح، كيف تنظر الى هذا الأمر؟
أنا لا أؤمن بالحظ الذي قد يأتي جالباً فرصة صغيرة. بنظري، المجهود والطموح هما الأساس، قد تفشلين مرّات عدّة ولكن تتعلمين من هذا الفشل لتتفاديه في المستقبل، ثمّ إذا وصلت لا يمكنك أن تقفي عند هذا الحدّ. لا شك في أنّ النجاح جميل ولكن يجب المحافظة عليه من خلال الاستمراريّة في التطوّر وتنفيذ المشاريع.
مجموعة الألبسة الجاهزة لربيع 2023
ما الفرق بين النجمات العربيّات والأجنبيّات من حيث اختيار تصاميمك؟
هناك فرق كبير ... النجمات الغربيّات متواضعات يحترمن المصمّم والتصميم ويقدّرنه، من دون الإصرار على تغيير شيء فيه، لأنّني أعتقد أنّ لديهنّ ثقة بأنفسهنّ أكثر من النجمات العربيّات، وهنا لا أشمل الجميع ولكن البعض من الفنّانات اللبنانيات والعربيّات يبالغن في طلب تغيير شكل الفستان مثل وضع وردة كبيرة هنا، أو زيادة أحجار الراين أو التطريز هناك، قد يصلن الى درجة يكدن يصمّمن الفستان بأنفسهنّ. تضاف إلى ذلك المبالغات في المكياج والبوتوكس والفيلر وعمليات التجميل، وهذا يجعل مظهرهنّ مزيّفاً، إنه أمر مؤسف جداً لأنّه يشوّه صورة المرأة اللبنانيّة والعربيّة المعروفة بأنوثتها وجاذبيتها.
-هل ترفض إلباس بعض الفنّانات أحياناً؟
طبعاً، لأنّها قد تبدو لي غير مؤهّلة لارتداء فساتيني لكونها لا تمثّل الصورة التي تعكس اسمي وهويّة دار زهير مراد.
-ماذا تعني لك الشهرة؟
الشهرة جميلة، أعتبرها مكافأة لجهودي وصراعي لبلوغ النجاح، ولكنّها سيف ذو حدّين، إذ قد تتعرّضين للحسد ويصبح لديك أعداء من دون معرفة السبب.
ماذا يعني لك المال؟
وسيلة لكي أعيش مرتاحا وأحصل على ما أحتاج إليه.
ممّا تخاف في الحياة؟
من المرض، أنا نوعا ما "مسرسب" على صحّتي.
ما هي الأشياء التي تشعرك بالفرح؟
أشياء بسيطة، كالجلوس مع الأصدقاء، نجاح فستان صممته، فرح عائلتي...
مالذي يغضبك؟
الإنسان الغبي، ولكن إجمالا دائما ألاقي ميزة ما في الأشخاص.
كيف تعبّر عن غضبك؟
أنا إنسان كتوم لا أعبّر عن نفسي، فأنا من برج السرطان، ولكن الموظّفين الذين أعمل معهم وبسبب احتكاكي اليومي بهم أصبحوا يكتشفون أنّ شيئا ما يزعجني، فنحن بتنا كعائلة واحدة.
هل أنت إنسان حسّاس؟
نعم جدا، بل لأقصى الحدود، إذا وجه إليّ كلام ما زعجني أتأثر وأبدأ بتحليل هذا الكلام، هذا الأمر يعذّب صاحبه.
كيف تحارب هذا الأمر؟
من خلال خبرتي في الحياة ومرور السنوات بتّ أسيطر على الأمر قدر المستطاع لكي أخفّف تلك الحساسيّة الزائدة عن حدّها. لكن ربما هذا الطبع بحدّ ذاته هو الذي يحرّك فيّ فن الإبداع.
من هو الشخص الأعز على قلبك؟
أمّي
هل تمر بلحظات حزينة؟
أكيد، إذا لم تحزني لا يمكنك الشعور بالفرح. الناس إجمالا تعيش لحظات الحزن أكثر من الفرح....الفرح يدوم ثوان.
كيف تنظر الى الموت؟
نهاية مرحلة من الحياة للدخول في أخرى جديدة....