يوسف ملاّح
إطفائي في الدفاع المدني
هكذا نحبّ. لبنان هو الروح، لا يموت إلا عندما تفارق الروح أجساد جميع أبنائه، وأملي به كبير على الرغم من كل السواد الذي يحيط به، ففي كل كارثة أرى كيف يتخلى المواطنون عن أسمائهم ومناطقيتهم، ويعود كل منهم إنساناً، يقدّم ما يستطيع للغير... هذا ينظف المكان وآخر يهمّ بإعداد الطعام للمتطوعين، ومنهم من يتبرّع بدمه، ومن يذرف الدموع على شهيد لا يعرفه ويئنّ مع أنين الجرحى، كل ذلك كافٍ ليبعث الأمل في قلبي بوطني.
لا أطلب من الله إلا أن يثبّت المحبة في قلوب الناس، فعند المحن يظهر الرجال، وكلمة الرجل هي فعل تطبّق على الذكر والأنثى، وأنا أراها عند كل شدّة تضرب لبنان، حيث لا أعود أعرف عُمَر مِن جورج ومِن معروف ومِن أليزبيت، وعند حاجة الجرحى للدم يذهب المتبرعون خالعين ثوب مناطقيتهم، لا نسمع: "أنا آت من الطريق الجديدة أو الأشرفية أو أين شربل ومحمد"، بل نسمع: "من يريد دماً؟"، كما أنه رغم الجرح والنار والدخان ينظر إلينا المواطنون ببسمة وعيونهم مغرورقة بالدموع، هذا هو الأمل... الأمل ليس بالمال أو بالوظائف، فقد رأينا كيف أن كل الذين رحلوا لم يأخذوا معهم إلا دعاء المواطنين الذين رفعوا الأكفّ إلى الله وتضرعوا لهم أو أضاؤوا شمعة وأشعلوا بخوراً أو صلّوا في مسجد وكنيسة.
منذ لحظة الانفجار إلى الآن لم أغادر ومجموعة من الشبان مرفأ بيروت، وإلى الآن عالجنا تسرباً كيميائياً ومواد داخل كونتينر وحريقاً في سفينة في طبقاتها الثلاث السفلية. كل تعبنا يتلاشى بكلمة من مواطن يقول لنا فيها: "يعطيكم العافية"، ولا أنسى مَن سارع إلى مساعدتنا وتأمين ولو سندويش من لبنة أو بطاطا... وهذا هو صدق العطاء.
شباب الدفاع المدني يشبهون أطياف المجتمع، وعندما ينادي أي شخص "يا إنسان" نلتفت جميعاً، وأتمنى أن يحافظ الجميع على رتبة الإنسان، ولا يظنننّ أحدٌ أن عمل الدفاع المدني قائم فقط على الرجال فهناك أخوات الرجال موجودات وقد أثبتن ذلك في الميدان. وأشدد أن جهاز الدفاع المدني يضم ملائكة الله على الأرض. نعم، نخطئ لكنّ أخطاءنا تشبه الإنسان وليس الشيطان. طائفتنا الإنسان، وعاصمتنا الوطن، ولا نعرف للتضحية حدوداً ولو كانت أرواحنا هي الثمن. أتحدث عن عقيدتنا لأن فيها ترجمة حبّ لبنان وخلاصه.